أدانت محكمة الجنايات لدى مجلس قضاء العاصمة أمس؛ المتهم شعيب ولطاش الرئيس السابق للوحدة الجوية للأمن الوطني و المتابع في قضية قتل المدير العام السابق للأمن الوطني علي تونسي، بعقوبة الإعدام، في اليوم الثاني والأخير من محاكمته المثيرة، مع منح المتهم ثمانية أيام للطعن في الحكم.
مجلس قضاء العاصمة: عبد الحكيم أسابع
ويأتي النطق بهذه العقوبة التي جاءت تثبيتا لالتماسات النيابة العامة، بعد مداولات هيئة المحكمة التي دامت قرابة الثلاث ساعات، أجابت فيها على سبعة أسئلة بالإيجاب ما عدا السؤال الأخير المتعلق بظروف التخفيف الذي تمت عليه، وذلك في أعقاب إتمام مختلف أطوار المحاكمة.
و كان ممثل النيابة العامة، قد التمس في مرافعته المطولة، تسليط عقوبة الإعدام في حق شعيب ولطاش، التي أعاد فيها التطرق إلى مختلف وقائع القضية التي تمت فيها متابعة ولطاش بتهم القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد ومحاولة القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد وحيازة سلاح حربي من الصنف الرابع بدون ترخيص.
وقد توصل ممثل النيابة العامة لمحكمة الجنايات التي ترأسها القاضي عمر بلخرشي بعد إعادة سرده وقائع قضية الحال، إلى بناء قناعته بأن كل التهم المتابع بها شعيب ولطاش، ثابتة، وقال « نلتمس من هيئة المحكمة الموقرة النطق بعقوبة الإعدام في حق المتهم نظرا لخطورة وقائع الجريمة التي ارتكب في حق المسؤول الأول عن جهاز الشرطة  المكلف بحماية المواطنين «.
وفي استعراضه لوقائع القضية، أشار ممثل النيابة، إلى المسار العملي للمجني عليه الذي قال إنه قضى 50 سنة في خدمة الوطن منذ التحاقه بثورة التحرير، مبرزا  بأن الوقائع تعود إلى ما قبل يوم وقوع الجريمة في 25 فيفري 2010، عندما انتهى إلى علم تونسي – كما قال ـ بأن هذا الذي وضعه على رأس مصلحة العصرنة في إشارة إلى ولطاش، « راهو يخلط « وذلك عندما أبرم صفقة غير قانونية مع صهره تتعلق بتمويل مصالح جهاز الشرطة بالموجات الكهربائية، مشيرا إلى أن الراحل تونسي قد وجه رسالة بخصوص هذه الصفقة المخالفة للتشريع، مضيفا « منذ ذلك الوقت بدأ المتهم في التفكير في ارتكاب جريمة قتل رغم علمه أن تلك الرسالة سرية ولا تعلم بها المفتشية العامة».
وبعد أن أشار إلى أنه منذ أن عينه الراحل تونسي على رأس مصلحة العصرنة للمديرية العامة للأمن الوطني في 2007 لم يتحقق شيء إلى غاية 2010 ، رغم تخصيص الدولة – كما قال، 22 مليون أورو، ذكر ممثل النيابة بأن السلطات العمومية اتخذت قرارا بتحويل المبلغ لعصرنة جهاز الدرك الوطني بعدما اقتنعت بأن جهاز الشرطة لم يعمل شيئا، سيما وأن من تسبب في سحب الغلاف المالي لعصرنة الشرطة من مصالحه هو شخص مقرب منه كان يعتبره كذراع أيمن له.
كما أكد ممثل النيابة في مرافعته، أن وفاة الضحية لم تأت لأسباب شخصية وإنما لدفاعه عن المال العام لرفضه، قيام المتهم بإبرام صفقة مخالفة للتشريع، لافتا في ذات السياق إلى أن المتهم وعد معاونيه الذين سهروا طيلة ليل 24 إلى 25 فيفري 2010 لتحضير العرض المزمع تقديمه في الاجتماع الذي كان مقررا يوم حدوث الجريمة، بأنه سيعمل على تأجيل ذلك اللقاء لكي» ما يتبهدلش» أمام مديري المصالح الأمنية الذين قال أنهم كانوا ينتظرون بفارغ الصبر تنحية ولطاش من منصبه بسبب فشله في تحقيق مشروع العصرنة وأشار بالمناسبة إلى المقال الصادر في جريدة النهار الجديد الذي تحدث عن « تجميد مهام ولطاش» لم يكن السبب في حدوث الجريمة.
حراس الضحية: وصلنا إلى مسرح الجريمة بعد حادثة القتل
وكانت جلسة اليوم الثاني من محاكمة شعيب ولطاش قد انطلقت في الصبيحة، بمواصلة سماع الشهود وفي مقدمتهم الحرس الأربعة المقربين للراحل علي تونسي، الذين أكدوا في تصريحاتهم أمام هيئة المحكمة بأنهم لم يشاهدوا واقعة قتل علي تونسي، و إنما سمعوا طلقات نارية آتية من مكتب الضحية قبل أن  يعلمهم رئيس ديوان المدير العام للأمن الوطني وقتذاك أن هذا الأخير قد تعرض للتصفية الجسدية على يد ولطاش الذي كان يحمل سلاحا ناريا.
وذكر الحارس حاج قاسي حسن  أنه توجه إلى الرواق الذي يوجد به مكتب الضحية رفقة زميله مجيد علاوة بعد سماعهما طلقات نارية متعددة مصدرها مكتب علي تونسي، مضيفا بأنهما وجدا باب المكتب موصدا فقام بركله  بالقوة برجله، ودخل ليجد ولطاش جالسا على كرسي قبالة الباب وفي جاهزية لإطلاق النار على كل من يدخل، وأضاف « إن المتهم كان مصابا على مستوى البطن ما جعله يفقد الوعي لينقل بعدها لتلقي الإسعافات».
وقال أيضا بأنه شاهد علي تونسي في نفس الوقت ملقى على بطنه وسط بركة من الدماء بدا لونها اسودا لأنها كانت ، حسب إفادته قد جفت.
من جهته، صرح الحارس علاوة مجيد أنه كان رفقة الحارس حاج قاسي عيسى حينما دخلا إلى مكتب علي تونسي مؤكدا كل تصريحات زميله، فيما صرح الحارس حمادو أحمد أنه تشابك رفقة زميل له في رواق مكتب المدير العام للأمن الوطني مع المتهم ولطاش ، قائلا « لقد طلبت منه تسليم سلاحه وإلقاءه أرضا عدة مرات و بعد رفضه الانصياع للأوامر وجهت له عيارا ناريا على مستوى البطن».
الطبيب الشرعي يؤكد أن الضحية توفي برصاصتين في الرأس
أكد الطبيب الشرعي رشيد بلحاج الذي شرح جثة المدير العام للأمن الوطني علي تونسي لدى إدلائه بشهادته أمام محكمة الجنايات أن سبب وفاة هذا الأخير ناتجة عن تلقيه  عيارين ناريين على مستوى الرأس، وهي التصريحات التي جاءت لتؤكد أن سبب وفاة علي تونسي مردها إلى طلقتين ناريتين إحداهما كانت على مستوى الخد الأيسر و الثانية  اخترقت الجمجمة، و عكس ما ادعى ولطاش « لم تحمل الجثة أي إصابة على مستوى الأطراف العلوية أو السفلية».
وأوضح   الطبيب الشرعي لدى سماع تصريحاته أن الضحية كان في وضعية جلوس ومنحنيا على مكتبه، لدى تلقيه الطلقات، التي قال أنها كانت فوقية، عكس تصريحات ولطاش.
 وأكدت خبرة الطب الشرعي حسب الطبيب رشيد بلحاج أن الفحص الدقيق للجثة عن طريق الأشعة بيّن وجود كسر في فقرات رقبة الضحية، مما يثبت أن الرصاصات التي تعرض لها كانت فوقية .
و تمسك  ولطاش بدوره خلال الجلسة بتصريحاته بأن الطلقات التي تسببت في مقتل علي تونسي «   لم تصدر عنه» مضيفا أنه «أصابه على مستوى اليد››.
الطرف المدني: أركان الجريمة ثابتة
استهل الأستاذ عثماني، الذي تأسس في حق عبد المؤمن عبد ربي، مدير أمن ولاية الجزائر سابقا، مرافعات فريق الطرف المدني، مستنتجا بأن أركان الجريمة ثابتة باعتبار أن المتهم حاول كما قال قتل موكله وقال « كنا ننتظر أن يأتي المتهم إلى المحكمة ليلتمس الصفح غير أنه اختار طريقا آخر وصعّب من مهمة المحكمة بإنكار التهم المنسوبة إليه لزرع الشكوك».
 كما اعتبرت الأستاذة شنايف التي تأسست كطرف مدني في حق عائلة الراحل علي تونسي، أن أركان الجريمة ثابتة. وبعد أن تأسفت لعدم حضور ممثلين عن جريدة النهار التي قالت أنها كانت وراء هذه القضية وتأسفها لعدم تحري الجريدة في مصدر المكالمة المجهولة التي زودتها بمعلومات عن الصفقة المشبوهة بخصوص قضية شراء أجهزة الكمبيوتر، أكدت بدورها بأن أركان الجريمة ثابتة وقالت بأنها ستقدم طلباتها في ما بعد
و بدوره وبعد عودته لاستحضار عناصر التحقيق وملابسة القضية ذهب الأستاذ إلى أن فرضية المؤامرة التي أتى بها المتهم تهدف إلى إثارة الشكوك.
دفاع المتهم يطعن في تقارير الطب الشرعي والخبرة الباليستية
في مرافعته التي كانت الأولى للفريق الثلاثي لدفاع المتهم، اعتبر الأستاذ أمين سيدهم أن بعض ما ذهب إليه ممثل النيابة العامة في مرافعته بخصوص رفض تونسي استقبال موكله، غير صحيحة، كما حاول إسقاط الروابط بين قضية الفساد المتابع فيها موكله وقضية قتل الراحل تونسي، مشيرا إلى أن القضية الثانية طرحت بعد الجريمة، مستغربا كيف لجريدة أن تنقل خبرا بناء على مصدر مجهول، وأكد بأن موكله لم يقرأ المقال الذي كتب عنه والذي تزامن مع يوم الاجتماع.
وعدد سيدهم خلال مرافعته ما وصفه بالتجاوزات في القضية بدأ من تقرير الطبيب الشرعي الذي حدد وقت الوفاة في حدود الساعة الـ11 و30 دقيقة،  كما انتقد دخول ضباط الشرطة القضائية إلى مسرح الجريمة الذي لم يكن مؤمنا - حسبه، إضافة إلى نقل الجثة إلى مستشفى الشرطة ومنه إلى مخبر الشرطة العلمية قبل تشريح الجثة في مستشفى مصطفى باشا في حدود الساعة الرابعة مساء، مشيرا إلى أنه تم تحرير معاينة أخرى لجثة الضحية من قبل طبيبة في مستشفى الشرطة، كما اعتبر بأن تقرير تشريح الجثة منافٍ للبروتوكول الوطني، باعتبار أنه كان من المفروض أن يكون هناك ثلاثة أطباء  ولكنه تم بطبيبين فقط.
وانتقد المحامي عدم حضور خبراء الباليستية لتحديد طبيعة الطلقات، مؤكدا أنها من عيار 8 ميليمتر وليس عيار 9 ميليمتر، كما انتقد التقرير البيولوجي الذي جاء فيه أن الرصاصة القاتلة لا تحمل آثار الحمض النووي .
 من جهته، شكّك المحامي محمد الطيب بلعريف في قميص الضحية الذي قدم للدفاع خلال التحقيق بسبب عدم وجود آثار للدم عليه، موضحا أن مكتب الضحية والكرسي ومحيط المكتب كان خاليا من الدماء، فيما عثر على الجثة في الجهة اليمنى من المكتب، رغم أن المتهم لم يقم بسحبها إذا فرض أنه أطلق النار على الضحية وهو جالس في المكتب.
وجاء المحامي برواية مخالفة لما قاله المتهم، وأكد أنه تم استخراج رصاصة واحدة من الجثة وأخرى أطلقت في السقف، فيما عثر على مقذوفتين في المكتب بعد تفتيش دقيق، ما يعني حسبه، خروج ثلاث رصاصات من أصل ست.
ع.أسابع

الرجوع إلى الأعلى