أجساد ممزقة بين الموت على آلة تصفية و العيش على كرم  جثة

 

تخيل أن يكون أملك في الحياة جثة ، تنتظر أن يسمح لك يوما باستغلال كليتها لتستطيع العيش دون أن تضطر لتصفية دمك عن طريق جهاز توصل به لمدة أربع ساعات يوميا، هي معاناة يعيشها مرضى القصور الكلوي من رجال ونساء وأطفال خانهم الجسد فجأة، فتحطمت حياة الكثيرين منهم لدرجة دفعتهم للتفكير في الانتحار و فقد غالبيتهم وظائفهم، بينما وجد آخرون في دماء أحبائهم شريان أمل سرعان ما انقطع، بسبب مشكل عدم تطابق الأنسجة و استحالة إتمام عمليات الزرع. النصر، تنقلت الى عيادة أمراض الكلى بحي الدقسي بقسنطينة، وقابلت عددا من مرضى القصور الكلوي ، لتسلط الضوء على واقع بشر أتعبهم المرض و ضاعف تأخر تفعيل مشروع نقل الأعضاء من الجثث البشرية من معاناتهم، خصوصا في ظل توقف عمليات الزرع العادية على مستوى المصلحة لسنوات، ما زاد أيضا الضغط المفروض على عمال العيادة من أطباء و شبه طبيين، باتوا جزءا من قصص إنسانية لأشخاص يعيش بعضهم موصولين بجهاز التصفية منذ 25سنة، وهو ما خلق بينهم رباطا اجتماعيا خاصا، يتعدى علاقة المريض بالموظف، فجو مصلحة تصفية الدم بعيادة الدقسي يشبه جو الأسرة الكبيرة ، فالكل يعرف الكل هنا، لأن الوقت الذي يقضيه المرضى في المصلحة، يفوق ساعات مكوثهم في منازلهم، على اعتبار أن غالبيتهم يخضعون لثلاث إلى أربع جلسات تصفية أسبوعية، بمعدل أربع ساعات في اليوم، بينما يخضع آخرون لبرنامج أقسى.

سعدون بوشفة
لم أتقبل المرض و رفضت العلاج
سعدون بوشفة، واحد من هؤلاء المرضى الذين تأثرنا بشدة بلقائهم، لأنه وبعد مرور12 سنة كاملة ، لا يزال غير قادر على تقبل فكرة إصابته بالقصور الكلوي، أخبرنا بكثير من الحزن بأنه ولد بكليتين صغيرتي الحجم، توقفتا عن العمل بعد بلوغه سن معينة، إذ أخبره الأطباء بأنه مجبر على  تصفية دمه بشكل شبه يومي ليتمكن من العيش، الصدمة كانت قوية جدا عليه و عجز عن تحملها، لدرجة أنه رفض تقبل العلاج ورفض الخضوع لجلسات التصفية، إلى أن سقط أرضا ذات يوم و نقل على وجه السرعة إلى العيادة.
أكثر ما يحز في نفسه  هو أن هذا المرض يوقف الحياة بشكل تام، فقد أثر في حياته العاطفية و علاقته بزوجته ،  كما أنه توقف عن العمل لفترة طويلة ما انعكس سلبا على وضع عائلته المادي، ولولا مساعدة بعض الأصدقاء الذين فتحوا له محلا لبيع المواد الغذائية، لكان الوضع مأساويا، كما قال.
 إلى غاية اليوم يعجز محدثنا عن هضم واقعه، فحديثه كان مليئا بالمرارة، أخبرنا بأنه قضى السنوات الأولى وهو يتعذب ليتمكن من تقبل جلسات التصفية، وكاد يفقد عقله بعدما تعرض لصدمة أخرى. فبعد مدة من اكتشاف مرضه  وجد متبرعة  وتكفل صديق له بتكاليف إجراء عملية زرع الكلية في الأردن و تقدر ب250مليون سنتيم، لكنه اكتشف بعد سفره لإجراء العملية، بأن الأنسجة بينه وبين المتبرعة غير متطابقة، فانهار بشكل تام و أجهش بالبكاء، وقال بأنه لم يستطع حتى من الاتصال بزوجته لإخبارها بالأمر.
اليوم يرفض سعدون أن يرافقه أحد إلى العيادة ويفضل الخضوع للعلاج بمفرده، لكي يجنب زوجته وأبناءه مشقة رؤيته موصولا إلى جهاز التصفية لمدة أربع ساعات، بالرغم من الإنهاك الذي يتعرض له بعد نهاية الجلسة.

مصطفى بن طاس وعبد السلام ديزيري
جهاز التصفية امتص شبابنا والإيمان علاجنا الوحيد
منذ سنة 1992يتردد مصطفى بن طاس، على عيادة تصفية الكلى بالدقسي، أخبرنا بأن صدمته كانت قوية عندما شرح له  الطبيب بأن علته هي  القصور الكلوي، فآخر ما كان يتوقعه، كما قال، هو أن يصاب بمرض لا يعرف عنه شيئا، ويجد نفسه في غضون ثلاثة أشهر من تشخيص الإصابة، موصولا إلى آلة غريبة مهمتها تصفية دمه، قيل له بأنه سيعيش عليها إلى الأبد، إذا لم يتم زرع كلية له.
محدثنا أضاف، بأن الوضع كان غريبا بالنسبة إليه في البداية، فهو لم يكن يعرف شيئا عن هذا المرض الذي غير مجرى حياته و أجبره على التقاعد المسبق، معلقا « جهاز التصفية قاس جدا يمتص منك قواك و روحك، ويتركك منهكا تعجز حتى عن الحركة أو تناول الطعام، إلى غاية الموعد القادم، وإلى ذلك الحين، عليك أن تحارب هواجس أخرى وتتجنب الإصابة بالالتهابات، فحتى الأنفلونزا قد تكون قاتلة، كما يتوجب عليك الحرص على عدم تلف الجهاز الصغير المثبت داخل ذراعك والذي يصلك بجهاز التصفية، خصوصا وأن تكلفة تركيبه تعادل 35ألف دج، خلاصة القول هذا المرض يمتص شبابك».
نفس المعاناة تحدث عنها عبد السلام ديزيري ، وهو محاسب عزلته جلسات التصفية عن ممارسة مهنته و حياته بشكل طبيعي منذ 8سنوات، قال لنا بأن مسكن آلامه النفسية و الجسدية الوحيد هو الإيمان بقضاء الله و قدره.
أما وجه التشابه بين المريضين، فهو رفض كليهما قبول تبرعات أبنائهما و ذويهما، لتجنيبهم عيش معاناة مماثلة لما عاشاه.

سامية كرباش و سمية كتاب
نعيــــش على أمـــل تفعيــــل مشـــــــروع نقــــــــل الأعـــــضاء من الجــــــثث
سامية كرباش 51سنة، سيدة واجهت صدمة مرضها بالصبر و الأمل، فقد قضت الأربع سنوات التي تلت اكتشافها للإصابة بالقصور الكلوي بين التصفية و التنقل إلى العاصمة، من أجل إجراء عملية زرع، أما تفعيل مشروع نقل الأعضاء البشرية من الجثث، فيعد قضيتها الأهم و الأمل الذي تعيش عليه، كما قالت، خصوصا وأن هذا المرض لا يشبه غيره ،فهو مواجهة يومية مع الموت.
تقول محدثتنا «من الصعب جدا أن يخونك جسدك،و الأصعب هو أن تصبح حياتك مرتبطة بكرم جثة ميت، تنتظر أن يسمح لك باستغلال كليته لتعيش، الأصعب هو رحلة التنقل المستمرة إلى المستشفى من أجل التصفية  و المكوث في سرير يكشف نقاط ضعفك، بما في ذلك دمك الذي هو جزء من خصوصيتك». تواصل « أشعر بتعب شديد وأعجز عن احتمال فكرة فشلي في إيجاد كلية مناسبة، فكلية شقيقتي الوحيدة لم تكن مناسبة لي، كان اكتشاف ذلك صدمة قوية لأن رحلة التحاليل و التحضيرات لإجراء عملية الزرع كانت مضنية، خصوصا وأنني كنت سأجريها بمستشفى عين النعجة بالعاصمة، معاناتي كبيرة، لذلك فقد رفضت أن تتبرع لي بناتي رغم إصرارهن، فيكفي أنهن يتحملن جزءا من المعاناة اليومية، حيث أنهن يتغيبن أحيانا عن دراستهن بالجامعة، لمرافقتي إلى جلسة التصفية مساء، بينما يعتني زوجي بإخوتهن.
  أما ماديا فالتنقل يوميا مرهق، ثمن سيارة الأجرة من ديدوش مراد إلى الدقسي مكلف بالنسبة لأسرة تعتمد على دخل شخص واحد، والرحلة في حد ذاتها مضنية، ولن أحدثكم طبعا عن الخوف و الألم الذي يعتريك عندما تشهد لحظة وفاة مريض زميل لك في الغرفة ، وهو موصول بالجهاز التي ترتبط به أنت أيضا».
بدورها قالت سمية كتاب ، صاحبة 37سنة، بأن المرض فرمل حياتها، فلم تتزوج ولم تستطع أن تعمل بسببه، لأنها قضت 18سنة كاملة وهي تتردد على عيادة التصفية بشكل شبه يومي، تقضي خلالها أربع ساعات موصولة إلى جهاز التصفية وعندما تغادر تعيش حالة ترقب لمعرفة نتائج تحاليلها، وتحرم حتى من أكل ما تشتهيه لأنها مطالبة بإتباع حمية غذائية صارمة.
وحتى فرصتها الوحيدة لزرع كلية تبخرت، بعدما التقطت عدوى التهاب الكبد الفيروسي، التي حالت دون إتمام العملية، وقبل أن تشفى من الإشكال مرضت والدتها و هي المتبرعة و توفي والدها، و أما شقيقاتها فلم تتطابق أنسجتهن مع أنسجتها، وهي اليوم جثة تتنفس، كما عبرت، أملها الوحيد في العودة للحياة هو بعث عمليات الزرع في العيادة و إنشاء بنك للمتبرعين، أو تفعيل مشروع نقل الأعضاء من الجثث.

الطفلة تويبة 11سنة


تشوّه في الجهاز التناسلي حرمها من الخضوع  للزرع
حالة الطفلة تويبة، صاحبة 11سنة، تعد من بين أقسى الحالات التي قابلناها، فمعاناتها بدأت وهي في عمر 6سنوات، فقد أخبرتنا والدتها بأن كليتيها توقفتا عن العمل بشكل مفاجئ لتنتقل مباشرة وفي غضون ثلاثة أشهر إلى جلسات التصفية بشكل يومي، وقد حاولت أن تتبرع لها بكلية، لكنها عجزت بعدما أخبرها الأطباء بأن ابنتها ولدت بتشوه خلقي في الجهاز البولي، وأن إجراء عملية نقل الكلية لا يمكن أن يتم، إلا بنجاح عملية ترميم الجهاز البولي، وهو إجراء جراحي يتطلب سفر تويبة إلى الخارج، الأمر الذي يعد مستحيلا ،حسب الأم، بسبب ظروف العائلة المادية، ما يرهن حياة الطفلة التي بدت منهكة جدا طيلة فترة تواجدنا بالقرب من سريرها بعيادة التصفية، وقد حاولنا الحديث إليها، لكنها رفضت، فيما ناشدت والدتها المحسنين مساعدتها لنقل ابنتها الى الخارج للعلاج.
 وعلمنا من الطاقم شبه الطبي بالعيادة،  بأنها جد حساسة و كثيرا ما تتعرض لنوبات بكاء نتيجة التعب الذي تسببه جلسة التصفية.

نبيل علي قشي رئيس مصلحة التصفية


آلات منهكــــة ومرضى غير قادريــــن على دفع أبســـط متطلبــــات العـــــلاج
 حسب رئيس مصلحة تصفية الدم بالعيادة، نبيل علي قشي، فإن التعامل مع هؤلاء المرضى يتطلب الكثير من التفهم و الصبر، لأن حالتهم النفسية تكون صعبة و معقدة، وغالبيتهم يجدون صعوبة في تقبل المرض في حد ذاته، خصوصا في ظل انعدام الأمل في الشفاء، و توقف عمليات الزرع في العيادة، والتي قال بأنه لا بد من إعادة بعثها من جديد، لتخفيف الضغط على المصلحة، نظرا للارتفاع المستمر في عدد المرضى سنويا، علما أن المصلحة تحصي حاليا  116 مريضا مبرمجين بصفة دائمة، إضافة إلى30 مريضا خارج البرنامج العام، يخضعون لجلسات تصفية دورية كل أسبوع، بمعدل تغطية 24 على 24 ساعة، مع ضمان استعجالات بعض الولايات الشرقية ، و كذا استعجالات العيادات الخاصة خلال العطل الأسبوعية.
 وقد أشار المتحدث إلى أن هذا الضغط كثيرا ما ينعكس على طبيعة التعاطي مع المرضى، فيما يخص شق التكفل، خصوصا وأن 56 في المئة من حظيرة التجهيزات بحاجة إلى تجديد، إذا ما علمنا أن بعض المعدات تعمل فوق طاقتها، فالجهاز المبرمج للعمل بقدرة 30 ألف ساعة، يشتغل لأزيد من 50 ألف ساعة بسبب الضغط. و الحل الوحيد، حسبه، يكمن في عودة عمليات الزرع المتوقفة منذ سنوات.
كما يعد تفعيل مشروع نقل الكلى من الجثث ضروري أيضا، على اعتبار أن القانون الجزائري لا يسمح لغير الأصول و الفروع بالتبرع للمريض، وقد سبق لعيادة الدقسي أن خاضت تجربة ناجحة في مجال نقل عضو من جثة تبرع ذووها بكليتها لصالح مريضة قضت أزيد من 17سنة في التصفية، وهي اليوم بصحة جيدة، إذ أجرى العملية آنذاك البروفيسور  بن جاب الله ، و كللت بالنجاح، وهو ما يعزز فرص مرضى آخرين في الشفاء.
رئيس المصلحة، تطرق أيضا إلى علاقة فريق عمله بالمرضى، الذين قال بأن وضعية الكثير منهم جد صعبة، وهناك من لا يملكون حتى ثمن  التنقل إلى العيادة يوميا ، ولا يمكنهم متابعة حمية غذائية مناسبة، فيما يعجز آخرون على دفع ثمن عملية تركيب الجهاز الصغير الخاص بالتصفية « فيستول» والتي تتم في العيادات الخاصة مقابل35 ألف دج، ما يضطر الطاقم الطبي وشبه الطبي للتكافل من أجل جمع المبلغ و التبرع به لهؤلاء المرضى.
جمال فيلالي
رفضت  كلية زوجتي خوفا على أبنائي
جمال فيلالي حالة خاصة جدا، تدمي قصته القلب، فهو ضحية إصابته بمرض السكري الذي أوقف عمل كليتيه و من ثم سلبه بصره و قطع عنه رزقه، وذلك منذ حوالي 8سنوات كاملة قضاها في عملية التصفية.
 مرضه أثر بشكل كارثي على عائلته، فقد توقف فجأة عن العمل و فقد القدرة حتى على العناية بنفسه وقضاء حاجاته الخاصة، أخبرنا  بأن عائلته تعيش شهريا على مبلغ 4 آلاف دج الذي تمنحه له مديرية النشاط الاجتماعي باعتباره كفيف، أما هو فقد رفض أن تتبرع له زوجته بكليتها، لأنه لا يريد أن يغامر بصحة الإنسانة الوحيدة التي يستأمنها على أطفاله الصغار و المراهقين، خصوصا وأنه قد يموت في أية لحظة ، كما عبر. محدثنا قال، بأن حالته النفسية جد صعبة، فألم التصفية أرهقه كثيرا،  و وحده من يبقى متصلا بالجهاز لأربع ساعات كاملة معظم أيام الأسبوع، يفهم المعاناة وحتى الاستلقاء لهذه المدة في السرير يتطلب، كما عبر، الكثير من الصبر، فالإحساس بالعجز يتضاعف ولولا إيمانه بقضاء الله لكان قد انتحر.

عائلات المرضى
الفقـــــر و التفكــــك الأســـــــــري مرادفان لهذا المرض
معاناة عائلات المرضى لا تقل شأنا عن معاناة المعنيين أنفسهم، وهو واقع لمسناه من خلال حديثنا إلى بعض مرافقيهم، خلال جلسة تصفية حضرناها دامت من الساعة الواحدة زوالا إلى الخامسة مساء، لاحظنا خلالها بأن هناك قاسما مشتركا بين الجميع وهو الأعباء المادية المرهقة لرحلة التنقل اليومية أو شبه اليومية إلى العيادة، فضلا عن الانعكاسات السلبية للمرض على وضعية العائلة عموما. فغالبية المرضى كانوا مسؤولين عن إعالة ذويهم، وبمجرد توقفهم عن العمل بسبب ارتباطهم بالتصفية، أصبح الفقر مرادفا لحياتهم، وهو ما أكدته السيدة فضيلة فيلالي زوجة المريض جمال، التي قالت بأن حياة عائلاتها تحطمت بشكل كلي بعد مرض زوجها، فترك أبناؤها مقاعد الدراسة من أجل العمل، و سن أكبرهم لم يتجاوز بعد 16 سنة، مع ذلك فقد أصبح مسؤولا عن إعالة أسرته من خلال عمله في بيع الخضر، أما هي فلم تتوقع، كما عبرت، أن تصبح حياتها مرتبطة بسرير زوجها المتصل بآلة التصفية، فباعتباره ضرير وجب عليها مرافقته بشكل يومي للعيادة و العناية به، وبالتالي التقصير في واجبها كأم، وعلقت» مصيري مرتبط بمصيره، وحياتي أيضا رهينة جهاز التصفية، لأنني أتصل به عن طريق زوجي».
أما والدة تويبة السيدة حياة، فقالت بأنها اضطرت لصنع نسخ عن مفاتيح المنزل لبناتها الصغيرات، لتتمكن هي من التفرغ لمرافقة شقيقتهن بشكل دائم في المستشفى، بالمقابل تعتمد الفتيات على أنفسهن بشكل كلي بعد العودة من المدرسة، علما أن أصغرهن تدرس في الصف الأول ابتدائي، أما زوجها فقد أرهقته تكاليف التنقل اليومي إلى العيادة، و أكدت بأنها تعيش كابوسا حقيقيا لعجزها عن مساعدة ابنتها والتبرع لها بكليتها.

عاملون في مصلحة تصفية الدم بعيادة الدقسي
أصبحــــــــنا جـــــــزءا من معانــــــــاة المرضــــــــــــــى
تتعدى العلاقة بين المرضى وعمال مصلحة التصفية بعيادة أمراض الكلى بالدقسي، علاقة العمل إلى بعد إنساني أعمق، وهو ما أكده مرضى و موظفون قالوا بأن التواجد المستمر في المصلحة ، كون روابط اجتماعية قوية بينهم، فالجميع يعرفون بعضهم، يتقاسمون فرحهم و حزنهم، حتى أن الكثير من المرضى ، قالوا بأنهم يفضلون التصفية في المصلحة العمومية على رفاهية العيادات الخاصة، نظرا لتعودهم على الممرضين والأطباء الذين يفهمون حالتهم النفسية  و يتقبلون تقلباتهم المزاجية، وهو بالفعل ما عبرت عنه الممرضة روفيا، التي أخبرتنا بأنها قضت عشر سنوات في المصلحة وتعودت على المرضى، حتى أنها تأثرت كثيرا لوفاة طفلة كانت تعالج لما يزيد عن 6سنوات بذات العيادة، ثم رحلت ذات يوم دون مقدمات، مضيفة بأنها كثيرا ما تعود للمنزل وهي منهارة أو مصدومة بسبب معاناة بعض الحالات الاستعجالية.
 أما زملاء لها فقالوا بأن الصداقة يمكن أن تكون عنوانا لعلاقتهم بالعديد من المرضى، خصوصا أولائك الذين تعدت فترة علاجهم 12 إلى 25 سنة، حتى أنهم باتوا يعرفون العيادة أكثر من عمالها ، كما عبروا، مشيرين إلى أن طول مدة معرفتهم بالمرضى، جعلتهم يتعلمون كيف يحتوونهم ويرافقونهم نفسيا، خصوصا وأن التعامل معهم لا يكون دائما سهلا، لأن عملية التصفية ترهقهم وترفع درجة حساسيتهم، حتى أنهم قد يصبحون عدائيين أحيانا ، في حال توقف جهاز معين أو حدث طارئ تقني في المصلحة.

الأخصائية النفسانية زهيرة قارة
تراجـــــع محاولات الانتــــحار بين المرضى و شبـــــاب يواجهون الصدمـــــة بالـــزواج
 تؤكد الأخصائية النفسانية زهيرة قارة، وهي مسؤولة عن متابعة حالات المرضى بعيادة الدقسي منذ حوالي 19سنة، بأن تعامل المرضى مع حقيقة إصابتهم بالقصور الكلوي وتقبلهم للمرض، تغير في السنوات الأخيرة، مقارنة بسابقاتها، بفضل تطور نوعية التكفل الصحي، فخلال سنوات ماضية وقفت المختصة على حالات لمرضى قالت، بأنهم حاولوا  الانتحار لوضع نهاية لمعاناتهم، بسبب مشاكل صعوبة التنقل و تعقيد أجهزة التصفية والضغط والانتظار، كما أن هناك مرضى كانوا ضحايا عدم تفهم محيطهم الأسري و تعرضوا للإهمال، خصوصا النساء اللائي كثيرا ما يتخلى عنهن أزواجهن بسبب طبيعة هذا المرض التي تجعل الإنسان شبه عاجز.
لكن ، حسب المتحدثة، فإن المرضى اليوم أصبحوا أكثر وعيا و أقوى إيمانا، مع أنهم عادة حساسون جدا و سريعو الاستثارة والعصبية، بسبب تبعات المرض الذي يخلق لديهم مركبات نقص، سببها الاعتماد المطلق على جهاز التصفية و العجز عن العمل و عيش حياتهم الخاصة و الحميمية بشكل طبيعي، علما أن الوضع يشمل النساء والرجال على حد سواء، مشيرة إلى أن هذا الوضع كثيرا ما ينتهي بالمرضى إلى الإصابة  بالاكتئاب الحاد.
 رغم كل ذلك ، كما قالت، أصبحت تقف على حالات لشباب يتعاملون مع المرض بقوة، و يقبلون على الزواج و التلقيح الاصطناعي لبناء أسرة، لكن يبقى التعامل مع هذا المرض تحديدا، مرتبطا بالإمكانيات المادية للمريض، فكلما كانت جيدة، استطاع الشخص تجاوز عجزه، لكن قسوتها تزيد من معاناته بشكل كبير.
أما بخصوص العاملين على مستوى مصلحة التصفية وعلاقتهم بالمرضى، فقالت المختصة بأن لها انعكاسات مباشرة على نفسيتهم أيضا، وهم أيضا معرضون للاكتئاب بسبب حالات الوفيات التي يعايشونها ، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بمريض ألفوا التعامل معه يوميا.

هـــــدى طابــــــــــــي/تصوير: شريف قليب

الرجوع إلى الأعلى