جمـاجم المقـاومين والشهـداء الجزائريـين بفـرنسـا تقــدر بـالآلاف
شكل قرار رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة الذي ترجم الأربعاء الماضي والقاضي بتوجيه طلب رسمي للجمهورية الفرنسية من أجل استرجاع جماجم قادة المقاومة الجزائرية والشهداء من متحف الإنسان بباريس استجابة واضحة للدعوات المتكررة التي صدرت في الثلاث سنوات الأخيرة عن فعاليات مختلفة، وشرائح واسعة من المجتمع الجزائري المطالبة بضرورة استرجاع هذه الجماجم.
واعتبر مؤرخون ومجاهدون قرار رئيس الجمهورية إنجازا تاريخيا، ووفاء منه لدم المقاومين والشهداء، وكل الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي منذ سنة 1830 إلى غاية استقلال الجزائر.
بالمقابل يتفق المؤرخون والمهتمون بأن هذا الملف لم يكشف بعد عن كل أسراره، ولم تقدم التفاصيل الكافية حوله، لذلك يدعون المؤرخين والباحثين على وجه الخصوص إلى ضرورة تكثيف البحث في مسألة الجماجم والهياكل العظمية التي نقلتها السلطات الاستعمارية  خلال القرن التاسع عشر إلى فرنسا سواء لاستغلالها في الدعاية من خلال استعراضها أمام الناس لتبيان أنها انتصرت في الجزائر، أو تلك التي وجهت إلى المخابر لاستغلالها في الدراسات المقارنة الخاصة بعلم الإنسان والأجناس البشرية.
والواقع يقول أنه ولحد الآن فإن ما كتب عن هذا الموضوع من بحوث قليل وقليل جدا، بدليل أن لا احد من الجزائريين سواء أكانوا رسميين أو باحثين ومؤرخين يعرفون بالضبط العدد  الإجمالي للجماجم الموجودة في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي- أو متحف الإنسان بباريس – كما يسمى، أو في متحالف أخرى عبر كامل التراب الفرنسي وربما في بلدان أوربية أخرى.
ففي حوار لصحيفة جزائرية قبل أسابيع قليلة قال مدير المتحف المذكور بيار دوبروي أن عدد جماجم المقاومين الجزائريين الموجودة في المتحف سبعة فقط، لكن الباحث والانتروبولوجي علي فريد بلقاضي المهتم بهذا الملف والذي كان سباقا للحديث عنه قبل سنوات، يكذب جملة وتفصيلا ما جاء على لسان مدير متحف الإنسان بباريس، ويؤكد بأنه قام شخصيا بزيارة المتحف والقيام بجرد لجماجم المقاومين المعروضة هناك، ووجد أنها بعدد 23 جمجمة لقادة المقاومة الشعبية الجزائرية في عدة مناطق من البلاد خلال القرن التاسع عشر.
وأعطى الباحث علي فريد بلقاضي كل أسماء جماجم الشخصيات والقادة الذين عثر عليهم في المتحف، ونشر ذلك على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فايس بوك.
ويأتي في مقدمة هذه الجماجم المعروضة التي وقف عليها بلقاضي في إطار بحثه المتواصل حول الموضوع، جمجمة القائد الشريف بوبغلة، قائد جيش لالا فاطمة نسومر، ومساعده عيسى الحمادي، وجمجمة الشيخ بوزيان قائد مقاومة الزعاطشة، وكذا  جمجمة رفيقه في ثورة الزعاطشة موسى الدرقاوي، بوعمار بوقديدة قائد مقاومة في تبسة،  إبراهيم بن علي  من قبيلة بني مناصر بالعاصمة، محمد بن الحاج من نفس القبيلة، موريل شرفة من مرابطي جرجرة، الحبيب ولد.. دون تتمة الاسم كاملا من نواحي وهران، محمد بن سيار من منطقة يسر بالقبائل، يحيى بن سعيد من القبائل العربية لبني سالم، سالم بن مسعود، قادوم بن مخلود.
 كما نجد في القائمة التي أعدها الباحث المذكور بعدما وقف على الجماجم بباريس أيضا جمجمة سعدي بن الراوي، وسعد بن صالح بن عقون من نواحي عنابة، ومسعود بن حوال من نفس المنطقة، والخوجة بن عمار من عنابة أيضا، وسعيد من مرابطي القبائل، وأحمد أو كاير، والدين بن محمد، فضلا عن ثلاث جماجم أخرى مجهولة لم تبين هوية أصحابها في المتحف المذكور، ويشير بلقاضي في بحثه أن الأغلبية من هذه الجماجم سلمت من طرف أطباء فرنسيين  للمتحف في حدود سنة 1880 .
لكن الباحث والمؤرخ لحسن زغيدي يؤكد من جهته بأن جماجم المقاومين والجنود والمجاهدين الجزائريين الموجودة في متحف باريس وغيره تقدر بعشرات الآلاف، وقال المتحدث في تصريح للنصر أمس أن هناك دراسة تتحدث عن 18 ألف جمجمة لجزائريين نقلت إلى فرنسا إبان الحقبة الاستعمارية وبخاصة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر لأنه قرن المقاومات والانتقام من طرف القوات الاستعمارية.
ويكذب الباحث لحسن زغيدي تكذيبا قاطعا ما جاء على لسان مدير متحف باريس مؤخرا، وقال بهذا الخصوص أن عدد الجماجم المعرفة والمعروفة الهوية وحدها يقدر بحوالي 500،  منها 36 جمجمة لقادة المقاومة الشعبية في الجزائر، واعتبر ما قاله مدير متحف باريس «تهربا وتنصلا للمسؤولية»، كما اعتبر وجود هذه الجماجم في المتحف عملا لا أخلاقيا وجريمة في حق الإنسانية.
وأضاف في حديثه للنصر أمس أن تصريحات سابقة لمسؤولين فرنسيين قبل ثلاث سنوات فقط كانت تتحدث عن مئات الجماجم، فكيف نزل عددها اليوم إلى 7 فقط؟، ولفت إلى أن ما يعرض في المتاحف من أي شيء- كما هو معروف- عينات فقط وليس الكل.
 و تحدث في هذا الصدد عن نبش مقابر و نقل هياكل عظمية وجماجم كثيرة جدا لجزائريين إلى فرنسا إبان المقاومات لسببين، الأول ذو بعد استعراضي دعائي ليبينوا وليبرهنوا بأنهم انتصروا على الجزائريين، لذلك ينقلون الآلاف من الجماجم للتباهي بها  وللاستعراض.
 أما البعد الثاني فهو مرتبط بالبحوث العلمية التي كانت المخابر تقوم بها في إطار الدراسات المرتبطة بعلم الأجناس وغيرها، و للتدليل على ذلك أشار زغيدي إلى الكتابات الفرنسية التي تحدثت عن نقل جماجم وجثامين وهياكل الجزائريين إلى باريس للأغراض سالفة الذكر ومنها كتاب « الاستعمار الإبادة» لمؤلفه الشاب غرون ميزون.
و يعترف محدثنا في هذا المجال بالتقصير القائم في حق هؤلاء الأسرى كما اسماهم، وقال أن الدراسات والأبحاث الخاصة بجماجم وبقايا الجزائريين الذين قاموا الاستعمار الفرنسي  ضئيلة جدا، ولم يتم التطرق إلى هذا الموضوع إلا قبل سنوات قليلة فقط من طرف باحثين جزائريين مختصين وهم قلة.
و أشاذ محدثنا بالخطوة التي قام رئيس الجمهورية بها القاضية بترسيم طلب استرجاع هذه الجماجم، واعتبرها قرارا تاريخيا ووفاء بالعهد من الرئيس وهو الذي ينتمي إلى جيل التحرير، مضيفا بأن استرجاع هؤلاء الأسرى سيبقى دينا في عنق الجزائر المستقلة. نشير فقط أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان قد التزم خلال زيارته إلى الجزائر في السادس ديسمبر الماضي بإعادة جماجم المقاومين الجزائريين إلى الجزائر.                        
إلياس -ب

الرجوع إلى الأعلى