كتب جان ماري غوستاف لوكليزيو الحائز على جائزة نوبل للآداب هذا النص. الذي نشر على الموقع الإلكتروني لجريدة لوموند يوم 14 جانفي 2015، ثم على صفحات الملحق الثقافي للجريدة  الذي يرافق عدد الصحيفة كل يوم جمعة “لوموند دي ليفر” يوم 16 جانفي 2015. و تناقلته العديد من المواقع و نحن نترجمه للعربية هنا على صفحات كراس الثقافة.

بقلم جان ماري غوستاف لوكليزيو /  ترجمة عمر شابي

لقد اخترت المشاركة في المظاهرة الكبرى ضد العمليات الإرهابية. أنا سعيد لأنك استطعت أن تكوني حاضرة في صفوف كل الذين ساروا ضد الجريمة، و ضد العنف الأعمى للمتعصبين. كنت أحبذ لو كنت معك، لكنني كنت بعيدا، و لأقول لك أنني أحس أنني كبرت قليلا عن المشاركة في حركة فيها أناس كثيرون. لقد عدت متحمسة لصدق و عزيمة المتظاهرين، كثير من الشباب و الأقل سنا، بعضهم متآلفون مع شارلي إيبدو، و آخرون لا يعرفونها الا من خلال الأقاويل، كلهم كانوا ساخطين لنذالة الهجومات. كنت متأثرة بالحضور الآنف (من الأنفة) في مقدمة الركب لعائلات الضحايا، و هزت مشاعرك رؤية عابرة لطفل من أصل أفريقي ينظر من أعلى شرفة كانت حافتها أعلى من قامته. أعتقد بالفعل  أنها كانت لحظة قوية في تاريخ الشعب الفرنسي برمته، الذي يريد بعض المثقفين من فرط يأسهم أن يرونه باردا و متشائما، محكوم عليه بالخنوع و  الكسل.
أعتقد أن هذا اليوم قد يكون ساعد على تراجع شبح الفرقة الذي يهدد مجتمعنا المتعدد. كان يجب التحلي بالشجاعة للسير دون سلاح في شوارع باريس و غيرها من المدن، لأنه حتى ولو إذا كان تنظيم قوات الشرطة كاملا، فإن خطر تنفيذ عمل إرهابي كان حقيقيا. والداك كانا يرتعدان من أجلك، لكنك كنت أنت صاحبة الحق في التصدي للخطر. و بعد فهناك دائما شيء من المعجزة في مثل تلك اللحظة، يجمع كل هؤلاء الناس المختلفين، الذين جاؤوا من كل أصقاع العالم، ربما على حق في نظرة ذلك الطفل الذي رأيته في شرفته، و قامته دون حافتها، و الذي سيتذكرها طيلة حياته.
حدث هذا و كنت شاهدة.
الآن من المهم عدم النسيان. من المهم- و هذا يعود للناس من جيلك، لأن جيلنا لم يعرف، أو لم يستطع منع الجرائم العنصرية و الانحرافات الطائفية- العمل ليكون العالم الذين ستواصلين العيش فيه أفضل من عالمنا.
إنها مهمة شاقة، تكاد تكون غير قابلة للتحقيق. مهمة التقاسم و التبادل. أسمع أناسا يقولون إنها الحرب. لا شك أن روح الشر حاضرة في كل مكان، و يكفي قليل من الرياح لتنتشر و تأكل كل ما حولها. لكن المسألة تتعلق بحرب أخرى، تفهمين: حربا ضد اللاعدالة، ضد إهمال بعض الشبان، ضد النسيان التكتيكي الذي يتم فيه حجز جزء من الشعب ( في فرنسا و في دول أخرى أيضا)، بعدم تقاسم محاسن و منافع الثقافة معه و حظوظ النجاح الاجتماعي.
ثلاثة قتلة، ولدوا و كبروا في فرنسا، روعوا العالم ببربرية جريمتهم. لكنهم ليسوا برابرة. إنهم مثل الذين يمكن أن نصادفهم كل يوم، في كل لحظة، في الثانوية، في الميترو، في الحياة اليومية. في نقطة ما من حياتهم، سقطوا في الانحراف، لأنهم خالطوا أناسا سيئيين، لأنهم أُّفشلوا في المدرسة، لأن الحياة حولهم لم تمنحهم سوى عالما مغلقا لا مكان لهم فيه، على ما يعتقدون.
في نقطة ما لم يعودوا أبدا سادة مصيرهم، و أول لفحة من ريح الانتقام هبت عليهم جعلتهم يتقدون، و أخذوا الحياة على الهامش على أنها جزء من الدين. هذا الانحدار إلى قعر الجحيم هو ما ينبغي وقفه، و إلا فإن هذه المسيرة الجماعية لن تكون سوى لحظة، لا تغير شيئا. لا شيء يمكن فعله دون مشاركة الجميع. يجب تكسير الغيتوهات، فتح الأبواب، إعطاء كل ساكن في هذه البلاد حظه، سماع صوته، و التعلم منه مثلما يتعلم هو من الآخرين. ينبغي إنهاء حالة بناء غربة داخل الأمة. ينبغي التعامل مع فقر النفوس لعلاج المرض الذي ينخر أسس و قواعد مجتمعنا الديمقراطي.
أعتقد أن هذا الإحساس هو الذي انتابك حينما كنت تسيرين وسط هذا الجمع الغفير. في هذه اللحظة السحرية، لم تعد موجودة حواجز الطبقات و الأصول، و اختلافات المعتقدات، و الجدران التي تفصل بين الناس. لم يعد هناك سوى شعب فرنسي واحد، متعدد و فريد، متنوع و يخفق بقلب واحد. أتمنى أنه من هذا اليوم، كل الذين و كل اللواتي كانوا معك يواصلون السير في رؤوسهم، و في أرواحهم، و بعدهم  يواصل أبناؤهم و أحفادهم هذه المسيرة.

الرجوع إلى الأعلى