تهافت المثقفين على التلفزيون جعلهم بصوت واحد
"غداة الاستقلال كان لدينا حزب واحد ومثقفون بأصوات متعددة، واليوم لدينا أحزاب متعددة ومثقفون بصوت واحد" .. بهذه العبارة أختتم الأستاذ مرسلي لعرج فعاليات اليوم الدراسي الذي احتضنه قسم الإعلام و الاتصال بجامعة وهران 1 أول أمس والذي كان بعنوان "المثقفون ووسائل الإعلام في الجزائر..التواصل والقطيعة" وهو من تنظيم الدكتورة تومي أم الخير وطلبة ماستر "الاتصال والمجتمع".
أجمعت مداخلات الأساتذة خلال هذا اليوم الدراسي على أن بعض المثقفين الجزائريين اليوم أصبحت تربطهم علاقة "وطيدة" بوسائل الإعلام خاصة السمعية البصرية حيث أصبح يطلق عليهم "مثقفو بلاطوهات التلفزيونات"  وهي الفضاءات التي أصبحوا يفرون إليها للبقاء في الواجهة وفي أغلب الأحيان يجترون نفس الخطاب ولا يؤدون مهمة المثقف التي ترتكز على الإنتاج الفكري، فحسب الدكتور لقجع عبد القادر من كلية علم الاجتماع فإن المثقف هو من لا يشعر بالارتياح وسط مجتمعه لأنه يهتم بما لا يعنيه وبما يمليه عليه ضميره، مستدلا بما قاله إدوارد سعيد في هذا الخصوص، حيث أن المثقف هو الذي يخاف ويبتعد عن الاستقرار ليبحث عن التناقضات في المجتمع، لكن يبدو مثلما تساءل المتحدث أن المثقف الجزائري اليوم أصبح يلتزم الصمت إزاء قضايا مجتمعه وإزاء مهمته التاريخية في بلورة أفكار تقدم خدمات للمجتمع، وأصبح هذا المثقف يعوض غيابه هذا باللجوء لبلاطوهات وحصص التلفزيون، موضحا أن المثقف ليست مهنة ولكن موقف يتجدد و يتكيف حسب كل إطار تاريخي وحسب كل قضية مطروحة في المجتمع، وهو ما ذهبت إليه الدكتورة فلة بن غربية من خلال استدلالها بتعريف ابن المقفع "وظيفة المثقف هي تغيير أوضاع أو تحسين أوضاع حال السلطة والمجتمع" وعند ظهور الصحافة المكتوبة القرن 18 في الغرب بدأت النقاشات لقضايا المجتمع عبر صفحاتها وحمل المثقفون هذه القضايا لطرحها في الساحات العمومية و الأكاديميات والجامعات، ولكن تحول الصراع اليوم لكيفية استعمال وسائل الإعلام من طرف السلطة للسيطرة على الرأي العام بهدف الحصول على الشرعية القانونية الأخلاقية و الممارساتية، ومن جهة ثانية لكيفية استعمال المثقف لوسائل الإعلام للسيطرة على الرأي العام من أجل التغيير،  الأمر الذي يجعله صامتا أو مجترا لكلامه، بينما قال الدكتور عبد الإله عبد القادر أن الباحثة الفرنسية جيزال سابيرو لخصت هذه العلاقة بين المثقف ووسائل الإعلام بأن "المثقف الذي يتعامل مع وسائل الإعلام هو القادر على الحديث في كل شيء دون أن يكون مختصا في أي مجال، ويعطي آراءه في كل شيء للبقاء في الواجهة وأن المثقفين من هذا الصنف يتآكلون فيما بينهم"، وتطرق الكاتب والإعلامي محمد بن زيان إلى صناعة الرأي الذي قال أنه من صياغة النخب المثقفة التي تقوى بالإعلام، ولكن في الدول الغربية تعمل هذه النخب المثقفة على هذا الأساس وتصنع رأيا عاما يستمد قوته من وسائل الإعلام، ولكن مثلما أضاف في الوطن العربي عموما تستعمل النخب المثقفة عبارة "الشارع العربي" عوض الرأي العام والشارع هو الذي يقود حتما للمتاهات مثلما تعيشه بعض المجتمعات العربية وتبلور خاصة غداة ما سمي بالربيع العربي، وأفاد بن زيان أن التعرف على علاقة المثقف بالإعلام في الجزائر تتطلب العودة للمرجعية الإعلامية، فتشكل الإعلام منذ مطلع القرن العشرين ببلادنا ارتبط برموز ثقافية  كانت تكتب مقالاتها في الصحف المختلفة التي على قلًتها آنذاك كانت منابر للنقاش العمومي وطرح الاختلافات وتعايشها فكريا، مما أثرى الثقافة والإعلام في الوقت نفسه.
 وذكر المتدخل عدة أمثلة استدلالية على أن المثقف الجزائري كان حاضرا في المعارك الثقافية عبر الجرائد مما ساهم في تشكيل المعنى الذي يعكس الرأسمال الرمزي، وغياب هذه الرموز اليوم عن النقاش متعدد الأطراف ساهم في تغييب المثقف عن الساحة و اكتفائه بأضواء التلفزيونات، مضيفا أنه بين الإعلامي والمثقف علاقة تفاعلية كلاهما يستفيد من الآخر، فالإعلامي يتعاطى مع المعلومة والمثقف يمكًن المتلقي من التحرر من الخوض في التفاصيل التي تفلت المعنى. ولم يبتعد الأستاذ والإعلامي جعفر بن صالح عن هذا الطرح حيث قال، أن المثقف الجزائري اليوم  وجد نفسه وسط محيط لا يشجع على الإبداع والإنتاج الفكري، مما دفعه للتحول نحو مصائر أخرى غير لعب دوره الحقيقي، فحرية التعبير التي نتمتع بها في الوقت الحالي هي نتاج تضحيات ونضال مثقفين وإعلاميين كانوا يحدثون ضجة ويحملون مشروع مجتمع حداثي حتى في العشرية السوداء، وأبرزت الدكتورة تومي أم الخير في هذا الصدد أن ظهور المثقف الحديث ارتبط بالمنابر الإعلامية التي مكنته من التدخل في الشأن العام عبر الصحافة المكتوبة في البداية والوسائل السمعية البصرية لاحقا والتي بدورها زادت الأمر تعقيدا، ولكن رغم هذا حافظ المثقف على الظهور الإعلامي لتمثيل من لا صوت له وفق ما تفرضه مهمته الفكرية، مشيرة إلى أن المثقف الذي يدير ظهره للمجتمع لا يستحق أن يسمى مثقفا، فالمثقف الحقيقي لا يكون شاهدا على الحدث بل فاعلا إيجابيا متمرسا في قضاياه، ومن هنا عرجت المتحدثة للقول أن الوضع الحالي للميديا الجزائرية لا يشجع على مثل هذا التفاعل كون أغلبها لا تملكها ولا تسيرها نخب تتبنى مشروع مجتمع، مما ساعد على ظهور أساليب لاستبعاد المثقف و احتجاجاته النقدية وتجاوز بالتالي مرحلة القمع المباشر إلى أسلوب الاحتواء، فيما ركز الأستاذ عبد العزيز بن طرمول على أنه يجب الانتقال من الحديث عن علاقة المثقف بوسائل الإعلام إلى مجال أوسع وهو وسائل الاتصال، لأن مشاكل المجتمع الجزائري عموما 80 بالمائة منها ناجمة عن غياب العمليات الاتصالية للنخب التي يتمثل دورها الرئيسي في إيجاد الحلول للأزمات في المجتمع ولكن في المجتمع الجزائري لازالت هذه النخب غائبة عن الفعل.
وقبل هذا قدم كل متدخل تعريفا ومقاربة عن المثقف الذي ينقسم حسب البعض لثلاثة أصناف وهي، المثقف الموظف والفاعل وكذا المثقف الذي يحمل شهادة، وقال الإعلامي بن زيان أنه ليس من دور المثقف أن يعارض النظام  براديكالية أو أن يكون مواليا له، ولكن هذا دور المثقف أن يحتفظ بتلك المسافة النقدية عن الآخرين وأن يكون حضوره يساوي قيمة مضافة، وفي ذات السياق أوضحت الدكتورة تومي أن المثقف الفاعل ليس بالضرورة الكاتب أو الإعلامي أو لسياسي ولكن يمكن أن يكون غير ذلك، فالأساس هو أن يؤثر بدرجة بالغة في مسارات الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية في المجتمعات.
هوارية ب

الرجوع إلى الأعلى