انخفاض سعر الدينار و الأزمتان السورية و اليمنية وراء تراجع سوق الكتاب في الجزائر
طرح مستوردون و ناشرون مشاركون في فعاليات المعرض الوطني للكتاب، بقسنطينة ، إشكاليات عديدة اعتبروها من بين العوامل التي أدت إلى تراجع سوق الكتاب في الجزائر، و تتعلق أساسا  بانخفاض قيمة الدينار في بورصة العملات، و ما انجر عنه من ارتفاع في تكاليف الطبع و الشحن و التحميل، فضلا عن الأزمة  السورية و الوضع في اليمن اللذين  ألقيا بظلالهما أيضا على سوق الكتاب، باعتبار المطابع السورية كانت مقصد الناشرين الجزائريين، نظرا لملاءمة الأسعار، إضافة إلى كونها من أكبر الدول العربية المنتجة للكتاب بأنواعه، إلى جانب الوضع في اليمن،  و هي كلها عوامل أثرت على هذا النشاط و تسببت في الندرة و ارتفاع الأسعار .
العارضون طرحوا كذلك إشكالية تراجع المقروئية بشكل كبير في الجزائر و العالم العربي عموما، وهي ظاهرة وصفوها بالشاملة، و سببها ،كما قالوا، سطوة مواقع التواصل الاجتماعي، التي أوجدت مكتبات إلكترونية، بات الكثيرون يفضلون تصفح محتوياتها على شراء كتاب قد يصل سعره إلى 2000 دج.

عبد الكريم شافعي، صاحب دار نشر سيرتا بوكس قسنطينة
انخفاض قيمة الدينار رفعت أسعار الكتب و سببت الندرة
انخفاض  قيمة الدينار تعد، حسب صاحب مطبعة الشافعي و دار نشر سيرتا بوكس بقسنطينة عبد الكريم شافعي، ضربة حقيقية لنشاط نشر و توزيع و استيراد الكتب في الجزائر، لأن التعاملات في هذا المجال تتم بالعملة الأجنبية، لذلك فإن العملة الوطنية لم تعد قادرة على تغطية كامل النفقات، نظرا لفقدان قيمتها و هو ما أدى الى تراجع استيراد كتب هامة،عادة ما تكون مطلوبة بشكل كبير من قبل القراء، لكن يتعذر جلبها، رغم وفرتها في دول أخرى، خصوصا ما تعلق بآخر الإصدارات العالمية في المجالات المعروفة بتكاليف كتبها، على غرار البحوث الأكاديمية و المجلدات، و الإصدارات الأدبية بلغتها الأصلية.
و أوضح المتحدث بأن قيمة هذه الكتب تكون عادة جد مرتفعة، خصوصا إذا ما كانت طبعات جيدة أو فاخرة أو أصلية، و قد تصل أسعارها في السوق الوطنية إلى 20 ألف دج، لذلك يتعذر استيرادها و تكون مفقودة في السوق الجزائرية، حتى بعد مرور سنوات من صدورها.

فريد دعاس، مدير التوزيع بالمؤسسة الوطنية للفنون المطبعية
تراجع المقروئية سبب ركود سوق الكتاب
من وجهة نظر فريد دعاس، مدير التوزيع بالمؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، فإن مشكلة الكتاب الرئيسية هي تراجع المقروئية بشكل  كبير، و هو ما خلف ركودا في السوق الجزائرية و العربية عموما، لأن الظاهرة، كما قال، لا ترتبط فقط بالجزائر، بل أيضا بدول أخرى كتونس و المغرب، لأسباب مختلفة أبرزها مواقع التواصل الاجتماعي و تقنيات التحميل المباشر من المكتبات الإلكترونية، فكلها عوامل ضربت، كما أكد، سوق الكتاب في العمق.
و أضاف بأنه و رغم وجود تنوع في مواضيع الكتاب و عرض أحدث و أهم الإصدارات أحيانا، إلا أن زوار معارض الكتاب عبر الوطن ككل مرة، يشكلون الحلقة الأضعف، على اعتبار أن كتب المنوعات كالطبخ و الجمال و قصص الأطفال، فضلا عن الكتب الدينية و بعض الروايات، هي التي تستهويها  بالدرجة الأولى، نظرا لارتفاع أسعار الكتب الأخرى.
 بخصوص جديد صالون قسنطينة للكتاب، قال بأن الأمر يتعلق بمجموعة متنوعة من أشهر و أجدد الإصدارات، على غرار طبعة جديدة من رواية "العربي الأخير" لواسيني الأعرج، الأعمال الكاملة للشهيد رضا حوحو، المؤلفات التي طبعت في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، ككتاب لمحيي الدين عميمور، و آخر يتحدث عن قصة طبيب في معاقل الثورة، إضافة إلى كتاب "أضواء على الشيخ التيجاني"، و مطبوعات أخرى متنوعة، ستكون، كما قال، في متناول القراء، في انتظار أن يتم الإعلان عن تخفيضات هامة مع نهاية الحدث. 

عبد القادر موسي، مسؤول مكتبة بيروت ببسكرة
تعقيدات الجمارك وراء عزوف المتعاملين الأجانب عن السوق الجزائرية
أكد عبد القادر موسي كاتب و مسؤول "مكتبة بيروت" للكتاب المستورد ببسكرة، بأن المشكل الحقيقي وراء أزمة الكتاب التي تعرفها الجزائر في السنوات الأخيرة، راجع لتعقيد الإجراءات الجمركية الخاصة بترخيص دخول المطبوعات المستوردة، فعملية تحرير وثائق استلام الشحنة تتطلب ما يزيد عن ثلاثة أشهر كاملة، تبقى خلالها الكتب مهملة بالميناء إلى غاية استيفاء شرط التخليص الجمركي، وهو ما جعل الكثير من المتعاملين من أصحاب دور نشر و موزعين أجانب و تحديدا عرب، يهجرون السوق الجزائرية رغم أهميتها.
و أضاف المتحدث، بأن الأزمة تعمقت أكثر بعد تراجع قيمة الدينار الجزائري في السوق العالمية، وهو ما انجر عنه ارتفاع غير مسبوق في أسعار الكتب و المطبوعات الأجنبية المستوردة، على اعتبار أن غالبية المنتجين في دول كلبنان و مصر و العراق و حتى  فرنسا و روسيا و انجلترا و تونس، يتعالمون بالدولار الأمريكي، و بإجراء عملية حسابية بسيطة، نستنتج أن تكلفة النسخة الواحدة بالدينار، تعادل ثلاث مرات ضعفها بالدولار، لذلك تراجع نشاط المستوردين.
 من جهة ثانية، فإن نفس المشكل، تسبب في ارتفاع أسعار الكتب المطبوعة محليا، لأن المطابع الوطنية تعتمد في عملها على المادة الأولية المستوردة من الخارج، و حتى شق التغليف يتم في الخارج في لبنان و سوريا و مصر و العراق.

بغداد زيان، صاحب دار نشر الجامعي الجديد بتلمسان
تكلفة الطبع في الجزائر ضعف ما كنا نتعامل به في لبنان قبل انخفاض الدينار
بين بغداد زيان، صاحب دار نشر الجامعي الجديد من جهته، بأن تأثير انخفاض قيمة العملة الوطنية كان كبيرا، و اضطر الناشرين إلى  فرملة نشاطهم، وما زاد الوضع سوءا الأزمة السورية التي عطلت العديد من  عمليات استيراد الكتب، وهو ما أجبر المتعاملين على العودة الى السوق المحلية للطباعة، وهي سوق جد مكلفة، إذا ما قورنت بنشاط الطباعة في لبنان التي تعد المتعامل رقم واحد مع مختلف دور النشر الجزائرية.
طبع كتاب من 500 صفحة،  يكلف في الجزائر ضعف ما تطلبه المطابع اللبنانية، و بالتالي فإن قيمة كتاب جامعي أو أكاديمي مثلا، قد تصل إلى 120 و ربما 130 دج للنسخة الواحدة، و هي قيمة تعتبر مرتفعة بالنسبة لطالب جامعي محدود الدخل، علما بأن نفس النسخة كانت ستكلف حوالي 600 إلى 700 دج و بجودة أفضل لو طبعت في لبنان، مرجعا السبب إلى وفرة المطابع ما خلق المنافسة، فضلا عن التحكم في التقنيات.

 

الرجوع إلى الأعلى