رفع مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي في طبعته التاسعة شعار «الآخر في السينما العربية» وهو الإشكال الموضوعاتي الذي تناوله أساتذة  ومختصون في السينما خلال مداخلاتهم في ملتقى برمج على هامش المهرجان، وقد تقاطعت رؤى المحاضرين على اعتبار أن تحديد الآخر ينطلق أساسا من الإجابة على سؤال من «أنا» وكيف أتعامل مع موروثي الثقافي والفكري وحتى السلوكي كون أغلب الدول العربية مرت بها حضارات غربية قديمة مثل الفينيقيين والرومان واليونانيين وغيرهم وقبعت لفترات طويلة من الزمن تحت نير الاستعمار إلى جانب الظواهر الجديدة التي تترك بصمتها في يوميات الشعوب. ووسط كل هذه المتغيرات وغيرها تطرح العديد من الأسئلة حول تعقد مسألة تحديد الآخر في السينما العربية، فهل هو الغرب الذي أسس للسينما وما فعل العرب سوى نقلها عنه بمختلف تركيباتها؟ أم الآخر هو الذي يموّل وينتج سينما ناطقة بالعربية أو عن يوميات العرب؟ أم هو الآخر الذي ينبع من تركيبتنا الداخلية في البلد الواحد ويشكل جزءا من هويتنا ونرفض الاعتراف به سينمائيا؟ هي أسئلة كثيرة حاول المشاركون في الملتقى الإجابة عليها، وحاولت النصر نقلها والتقرب من المحاضرين لتوضيح ذلك.

الناقد و الصحفي نبيل حاجي


«الآخر يتجلى في الأفلام الجزائرية بعد تحديد الأنا والهوية»
تعرض الأستاذ نبيل حاجي  في مداخلته لمدى حضور «الآخر» في السينما الجزائرية  حيث كانت محاضرته بعنوان «تجليات الآخر في الأفلام الجزائرية»، وقال أنه انطلاقا من أفكار الصراع الحضاري المجحفة في حق الإنسانية، فقد تم استعمال السينما في سياق الدعاية الإعلامية في تدعيم الفروقات الهوياتية وتمكين الصورة النمطية المغلوطة عن الشعوب والأعراق والديانات، ومن هنا فالسينما الجزائرية لا تختلف في مسيرتها وإنجازاتها التي تفوق نصف القرن من الزمن، عن هذه المقاربات في تقديمها «للآخر»، فمصطلح «الآخر» يغطي مفهومين الأول يعني الفرد الذي يختلف عنا، والثاني على أنه نظيرنا أي شبيهنا، وركز المتدخل في هذا الصدد على أنه «لا نستطيع أن نحدد مفهوم الآخر على أنه الآخر المختلف عنا والذي لا يتواجد في الحيز نفسه الذي نتواجد فيه اجتماعيا أو إقليميا أو وطنيا، وإنما الآخر هو كل ما يقع في خارج الذات الفردية التي هي «الأنا» في إطار الشخصية الوطنية للجماعة أو الدولة.
ينطلق الأستاذ نبيل حاجي من سؤال «من يحدد الآخر في السينما والروايات؟»، ويقدم  الإجابة بأنه عندما نعرف من هو «الأنا» نستطيع أن نحدد الآخر لأن «الأنا» هي الهوية بكل مركباتها، ولا يمكن التخلص من الموروث الثقافي والحضاري و الاستعماري كذلك كي نتجه نحو سينما الإنسان، فهذه عوامل راسخة في أفكارنا وفي سلوكاتنا اليومية وحتى سينمائيا، لقد تربى المجتمع العربي على أفلام الآخر لأنه هو الذي أقام السينما، إضافة لكون أغلب السينمائيين الجزائريين  يلجأون للآخر للإشراف على تكوينهم في فرنسا حيث قال «هناك 57 سينمائيا جزائريا تكوّنوا في فرنسا» وبالتالي لا يمكن أن يتخلصوا من «ظل» الآخر في أعمالهم و إنتاجاتهم، وهنا قال المتحدث أنه يجب أن نحل مشكلتنا مع الهوية ونتقبل مركباتها كي يسهل علينا التعامل مع الآخر وتحديده.
وتناول نبيل حاجي في مداخلته عدة نماذج من السينما الجزائرية والتي تعكس وتجسد الآخر فيها من خلال مثلا شخصية «القايد» فرغم أنه جزائري ولكن بالنظر لتاريخه ورمزية شخصيته يصبح هو الآخر في السينما الجزائرية.
وفيما يخص التمويل الأجنبي للأعمال الجزائرية الذي هو نقطة حساسة ومفصلية في توجيه الفكرة، فقال المحاضر أن هناك «تنازلات» يقدمها المخرج أو المنتج من أجل تحقيق هدفه السينمائي، فالمال هو الذي يحدد التفاصيل النهائية للفيلم، وهنا نجد بعض السينمائيين يرفضون هذه التنازلات ويتخبطون في مشاكل التمويل أو يتخلون عن أعمالهم حسب ذات المتحدث، ومن أجل إيجاد حل لهذا الإشكال، حسب الأستاذ نبيل حاجي يجب على الدولة مرافقة السينمائيين ودعمهم ماليا مع الحرص على متابعة تنفيذ هذه الأعمال وعدم الغفلة عنها كي لا تذهب تلك الأموال لغير وجهتها، ومن أجل هذا يتطلب الأمر أن تكون المشاريع السينمائية قوية وسيناريوهات قوية كذلك لأننا هنا نتحدث عن الأفلام ذات البعد الثقافي الهوياتي وليس الأفلام التجارية أو التاريخية التي لها مجال آخر. كما يجب أيضا وفق نبيل حاجي أن تعود السينما للمصدر الأساسي وهو الإنسان بمساوئه ومحاسنه فقط أن نعرف كيف نصحح المساوئ ونثمن المحاسن عبر أعمال قوية تبلغ الرسالة المناسبة في الوقت المناسب، وأن تفتح قاعات السينما للجمهور وعلينا أيضا أن نقوم بعملية تقييمية لمهرجان وهران وعلاقته بالمواطن ومدى اندماج هذا الأخير في الفعل السينمائي بعد 9 طبعات.

أحمد مجدي همام  روائي و قاص من مصر


نظرتنا لصورة الآخر هي التي تحدد «أنا» في السينما العربية
قال الأستاذ أحمد همام أنه غالبا ما تأتي صورة الآخر في السينما العربية عاكسة للعلاقة التاريخية الطويلة المنسوجة بين الشرق والغرب والبعد هنا أكبر من الموقع الجغرافي بل يشمل الهوية والثقافة والبعد الحضاري وكذا أنماط المعيشة وأنماط الحكم وأبعادا أخرى، فدائما نعتبر الآخر هو الموجود في شمال المتوسط على اعتبار أننا في جنوب المتوسط نتقاسم العديد من الأمور المشتركة، ودائما الآخر يأخذ الشكل الصدامي عند العرب لأن التاريخ فرض ذلك، فأغلب الأطروحات السينمائية تحاول أن تظهر الآخر ليس كفرد في نسيج العمل الدرامي ولكن تحاول أن تحمله مجهودات أكبر من حجم الشخصية التي يجسدها لأنه يتعامل معه من خلال الموروث الحضاري والتاريخي والعرقي وغيرها مما يخلق الشكل الصدامي في العمل، مشيرا أن رؤية القائم على العمل السينمائي غالبا هي التي تحدد من هو الآخر الذي يمكن أن يكون عربيا في فيلم عربي أو جزءا من تركيبة نفس المجتمع الذي تدور حوله أحداث الفيلم.  وقال الأستاذ أحمد همام وفق ذات السياق أن مشكلة اللهجة في الوطن العربي مطروحة في السينما، حيث أن كل دولة تجد صعوبة في فهم والتعامل مع لهجة دولة أخرى وأصبحت السينما اليوم تجد صعوبة حتى في التعامل مع لهجات البلد الواحد، وهذا ما ينعكس على العمل السينمائي، مضيفا أنه يجب على السينمائيين العرب أن يجدوا حلولا كأن يختار كاتب السيناريو الكلمات بنوع من الدقة  لتقريبها من العربية الفصحى لتجد لنفسها فضاء يفهمه الجميع.
وقد تناول الأستاذ أحمد همام في مداخلته ومن أجل تقريب الرؤى حول الآخر، فيلم «عمر» الذي تم تصويره  داخل الأراضي الفلسطينية وشارك فيه فلسطينيون وبالتالي نجد رغم كل شيء الروح الفلسطينية فيه حسبما أكد،  لأن الدعم المالي جاء من إسرائيل وكل الإمكانيات كانت إسرائيلية، ومن هنا لم تكن ردود الفعل لدى الفلسطينيين نابعة من خلفية فنية بل من خلفية إيديولوجية كما اضاف المتحدث، موضحا أن السينما هي رأس مال وأكيد أنها فنية ولكن تطل علينا غالبا من خلفية إيديولوجية، لأن الممول يفرض منطقه فالكثير من السيناريوهات الجيدة لا تنتج بسبب غياب المال الكافي لإيصال الرسالة. ومن خلال فيلم عمر يتجسد الآخر الإسرائيلي في عدة محطات ضمن العمل، فمثلا عندما يحاول عمر تسلق الجدار العازل بين الضفة الغربية والأراضي الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية ويطارده جنود الاحتلال وعندما يمسكون به يجعلونه يقف فوق صخرة بالكاد تحمل رجليه ويضع يديه فوق رأسه ثم يقومون بتشغيل موسيقى ومقابلة عمر والفرجة عليه، هي صورة فرض السلطة والقوة وإهانة الفلسطيني، ممارسة القمع و الاضطهاد تتمثل أيضا في مرحلة أخرى من الفيلم، حيث داهمت مجموعة من المستعربين وهم جنود إسرائيليون يلبسون مثل العرب ويتكلمون اللهجة الفلسطينية، مطعما كان يجتمع فيه عمر مع رفقائه من المقاومة وبعد تعذيبهم وضربهم يزج بهم في السجن، إنها دائما صورة الآخر المستعمر القوي، فصورة الآخر الإسرائيلي في فيلم «عمر» لم تعمل على تسفيه أو تقزيم الآخر بل ركزت على ذكائه هو وعلى ميزات كثيرة يختص بها حتى الإنسان الإسرائيلي المدني الذي يعتبر «مشروع جندي محتمل للدفاع عن إسرائيل» ويبدو أنه كون إسرائيل هي التي مولت الفيلم فإن الرؤية اتجهت وفق هذا المنحى.

محمد عابد شاعر و ناقد سينمائي من المغرب


 صوت الآخر «يصم» الأنا في السينما العربية
ذكر الاستاذ محمد عابد أن هناك عدة مواضيع ذات بعد عالمي يتم تناولها اليوم في السينما والمسرح ومختلف الفنون، فمثلا الإرهاب هو ظاهرة عالمية ولكن كل واحد يتناوله من زاويته الخاصة وقناعاته الفكرية والإيديولوجية والسياسية وهذا شأن باقي المواضيع المشابهة التي لا يمكن أن توحدنا سينمائيا مثلما ركز المتحدث، فمثلا الإرهاب لعبة كبيرة وفيلم كبير يعيد إنتاج خريطة سياسية جديدة، بينما السينما هي رسالة سلام وهناك عدة أعمال قدمت في هذا الإطار وكانت صوتا يحتج على هذا العنف ليقول أن العالم يحتاج لتعايش والآخر إنسان و انتهى الكلام.
 الآخر موجود فينا حتى في أبسط تعاملاتنا اليومية، وأن مفهوم الهوية كما نختصره نحن في «الدين الإسلامي والعروبة» هو مفهوم انغلاقي، حيث يضيف الأستاذ عابد لأننا شعوب لها رصيد حضاري متنوع فنحن أمازيغ ويهود وفينيقيون ووو، فالاعتراف بالتعدد هو اعتراف بالغنى في ثقافتنا وحضارتنا ويجب أن ننفتح عليها كي نتطور ونرتقي ولا ننحصر في الأنا المنغلق على الذات، فمثلا كما أضاف المتحدث فإن المغرب والبلدان المغاربية عموما أصبحت اليوم مستقبلة لهجرة الأفارقة فوق أراضيها فأصبح هذا الإفريقي هو الآخر في السينما المغربية بعيدا عن البعد الإنساني.
وفي الشق السينمائي حسب الأستاذ عابد فإن أغلبية السيناريوهات المغربية تكتب باللغة الفرنسية وتنطق في الأفلام باللهجة المغربية، مما يطرح إشكالا في نقل الأحاسيس و الانفعالات فهل هي وفق اللغة الفرنسية التي ستكون الآخر هنا أو هي وفق اللهجة المغربية التي هي ترجمة للفرنسية؟؟ فاللغة مؤسسة للتواصل، ولغة السينما هي القراءة بالصورة فيمكن أن نشاهد فيلما صامتا ونفهمه، ولكن لماذا يطرح إشكال اللغة، وحتى عندما نقول مغرب عربي فيه إقصاء للأمازيغية.
ويبرز الأستاذ عابد أن السينمائيين العرب عموما و المغاربيين خوصا لا يقرؤون ما ينتجه مثقفو بلدانهم وبالتالي لا يحولون تلك الروايات لأعمال سينمائية، بل هم منفتحون على حقول ثقافية أخرى ويجسدونها في أعمالهم. والسينما هي إنتاج مديني خرجت من المدينة والحداثة ونحن بدو، صحيح أننا أخذناها من عندهم وأصبحنا شيئا فشيئا ننتج صورتنا عبر بعض الأفلام رغم ما يشوبها من مؤثرات مثل اللجوء لإنتاج مشترك ومصادر تمويل أجنبية، لكن يبقى أن السينما طورها الآخر الغربي ونحن نستقيها من عنده كما هي.
الأستاذ عابد محمد تطرق خلال مداخلته لموضوع «إعادة إنتاج الآخر في السينما المغربية» حيث طرح عدة تساؤلات حول من «الأنا» ومن «الآخر» في السينما وفي حياتنا اليومية وهي الأسئلة التي قال أنها قديمة أخذت صيغة أخرى متجددة منذ صدمة المستعمر وبعدها صدمة العولمة، ونحن اليوم نقف عند منعطف حضاري حيث أن أي تفكير لا يستحضر الإنسان هو تفكير عقيم.

هوارية ب

الرجوع إلى الأعلى