بريق الأدب الانجليزي يخطف القراء الجزائريين من الرواية المفرنسة
زحفت الانجليزية تدريجيا في غضون السنتين الأخيرتين، لتجد لها مكانا في حياة الجزائري، بعد عقود من الاعتماد المطلق على العربية و الفرنسية، فاللغة الانجليزية تستعمل اليوم بشكل كبير في الخطاب اليومي البسيط و على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أن البعض اختاروها كلغة تشغيل للهواتف النقالة و الحواسب، و زاد الإقبال على مطالعة الروايات الأصلية و تلك المترجمة إلى الانجليزية بشكل ملحوظ، كما قال أصحاب مكتبات و دور نشر للنصر، مؤكدين أن الرواية أصبحت تقرأ بالانجليزية بشكل واسع في الجزائر.
نور الهدى طابي
عبد الكريم شافعي، صاحب دار نشر سيرتا بوكس قسنطينة
الرغبة في الاندماج و تطوير اللغة زادت الإقبال على الروايات الانجليزية
عبد الكريم الشافعي صاحب دار نشر الشافعي و مكتبة سيرتا بوكس للكتاب المحلي و المستورد، أكد للنصر بأن الإقبال على الطبعات الانجليزية زاد في غضون السنتين الأخيرتين، خصوصا بالنسبة للروايات الأدبية و كذا الكتب العلمية المتخصصة، التي يطلبها قراء من مختلف الشرائح و المستويات.
 و أضاف المتحدث بأن الاهتمام بالأدب الانجليزي في تزايد مستمر ففي وقت يفضل البعض التركيز على روايات أشهر الكتاب أو اقتناء الإصدارات الروائية الأكثر مبيعا في العالم، هنالك من يقرأون لمجرد القراءة، أي أنهم يختارون الكتاب من أجل لغته وليس محتواه بالدرجة الأولى و السبب، حسبه، هو رغبتهم في تطوير قدراتهم اللغوية و حتى الكتابية، فعادة ما يقتني الزبائن معجما للترجمة مع الكتاب المطلوب.
محدثنا أوضح من جهة ثانية، بأن الرواية أو الكتاب المطبوع بالانجليزية، ليس متوفرا بالشكل الذي يلبي الطلب أحيانا، و ذلك نظرا لعزوف المستوردين على إدخاله، باعتبار أن الروايات و الكتب المعربة و تلك المفرنسة، تشكل  السواد الأعظم من الطلب. مع ذلك فإن هنالك توجها جديدا للاستثمار في هذا النوع من الكتب، خصوصا كتب الأدب كونها الأكثر طلبا، إذ أن العديد من المستوردين بدأوا ينفتحون عليه بصورة ايجابية، خصوصا بعدما لمسوا اهتمام شريحة واسعة من القراء باللغة الانجليزية و إقبالهم على تعلمها من خلال المطالعة، رغبة منهم في الاندماج أكثر عالميا، على اعتبار أن الانجليزية هي لغة العصر، فضلا عن كون استعمالها في الحوارات البسيطة، أصبح موضة رائجة بين الشباب، الذين يشكلون النسبة الأكبر من زبائن رفوف هذا النوع من الكتب.
عبد القادر موسي، مسؤول مكتبة بيروت ببسكرة
شكسبير، جين أوستن، دان براون و جيمس جويس الأكثر طلبا
 تعد روايات ويليام شكسبير على اختلافها بالإضافة إلى أعمال القاصة و الروائية جين أوستن، من أكثر الكتب طلبا، خصوصا من قبل شريحة الطلبة، كما أوضح عبد القادر موسي ،صاحب مكتبة بيروت للكتاب المستورد بمدينة بسكرة ، و يأتي في المرتبة الثانية كل من جيمس جويس و دان براون، و أرجع المتحدث السبب إلى هيمنة كلاسيكيات الأدب الانجليزي على اهتمامات عشاق الانجليزية من القراء الجزائريين، إلى أن غالبيتهم طلبة جامعيون، و أعمال هؤلاء الكتاب تكون مفروضة عليهم من قبل الأساتذة في مقاييس اللغات الأجنبية و غير ذلك، لكن الأمر لا ينفي وجود اهتمام من قبل القراء أنفسهم بهذه الأعمال، خصوصا وأن معظمهم يبحثون عن كتاب جديد بمجرد انتهائه من القديم.
 وقال المكتبي عبد القادر موسى، بأن الاهتمام بالأدب الانجليزي لا يقتصر على مدينة دون غيرها، فمن خلال مشاركاته في العديد من طبعات الصالون الوطني للكتاب بمختلف ولايات الوطن، على غرار العاصمة، وهران و الجزائر، لاحظ إقبالا متزايدا على هذه الكتب من مختلف الشرائح العمرية و كذا المستويات التعليمية.
حسب المتحدث، فإن جيمس جويس و دان براون يأتيان في المرتبة الثانية، من حيث اهتمامات القراء بالرواية الانجليزية كما أن العديد من القراء يطلبون كتبا عادة ما تكون غير متوفرة في الجزائر لكتاب معاصرين كجوان رولينغ.

طلبة جامعيون و أساتذة
 الإنفتاح على  اللغة و الأدب الانجليزي ضرورة لمواكبة التطور
بالنسبة لمريم خريجة جامعة قسنطينة حاملة لشهادة ليسانس في علم الأحياء، و أخرى في اللغة الانجليزية، فإن مطالعة الأدب الانجليزي بدأت لديها كواجب تمليه عليها دراستها للغة لكنها و بمرور الوقت لمست الجانب الجمالي العالي لهذا الأدب، كما استطاعت أن تطور من لغتها بشكل سريع، وهو ما جعلها تختارها كلغة مطالعة، بدلا من الفرنسية التي تعد أعقد و أصعب، فضلا عن ذلك فإن التركيز على القراءة لكتاب كشكسبير و جين أوستن، كون لديها مخزونا لغويا و أدبيا هاما ما سمح لها بالاطلاع على أعمال هامة و ترجمات لكتاب روسيين و ألمان و حتى يابانيين. يبقى المشكل الوحيد المطروح بالنسبة لعشاق مطالعة هذا النوع من الكتب هو عدم توفرها في المكتبات، نظرا لمحدودية الطلب عليها  مقارنة بالأعمال المكتوبة بالعربية و حتى الفرنسية . من جهته يؤكد عزيز بن سقسيلي أستاذ لغة انجليزية بإحدى أشهر مدارس تعليم اللغات بقسنطينة، بأن هيمنة اللغة الانجليزية على الاهتمامات الأدبية للشباب و غيرهم باتت واقعا، و الأمر لا يشمل فقط الطلبة الجامعيين بقدر ما يهم دكاترة و أساتذة و حتى رجال أعمال و موظفين، يسعون من خلال مطالعة الأعمال المكتوبة بلغة شكسبير، إلى تطوير قدراتهم اللغوية و توسيع معارفهم التاريخية و الاجتماعية و كذا الاقتصادية عن طريق قراءة الإصدارات الأدبية و العلمية و غيرها لاكتساب رصيد لغوي و معرفي و تعزيز فرصهم في النجاح خارج الوطن. و أشار محدثنا إلى  أن الجيل الجديد من الشباب يكن نوعا من الكراهية للغة الفرنسية، أولا لصعوبتها و ثانيا لكونها أصبحت وسيلة للتباهي و لتكريس سلطة المظاهر في المجتمع، أما الانجليزية فهي بالنسبة لهذا الجيال بوابة مفتوحة على العالم يخول له إتقانها الدراسة و العمل في الخارج، و حتى فهم كلمات الأغاني و حوارات الأفلام وهو ما أكده عدد من الطلبة الجامعيين.

عبد الكريم مسؤول قسم الانجليزية بمكتبة الشافعي بقسنطينة
 الأساتذة و التلاميذ و طلبة الجامعات و معاهد تعليم اللغات هم زبائن الطبعات الأصلية
حسب عبد الكريم، مسؤول مبيعات قسم اللغة الانجليزية بمكتبة الشافعي بوسط قسنطينة، أكد وجود اهتمام كبير بالكتب المطبوعة باللغة الانجليزية و بالأخص كتب الأدب، مشيرا إلى أن 80 بالمائة من زبائن هذا النوع من الكتب هم طلبة جامعيون أو خريجو جامعات يتلقون دروس لغة مكثفة على مستوى أحد مراكز تعليم اللغات الأجنبية،بينما تقسم النسبة المتبقية بين أساتذة و دكاترة و حتى بعض تلاميذ الثانويات.
و أوضح محدثنا بأن الاهتمام بالطبعات الانجليزية للروايات الأدبية ، لا يقل عن الاهتمام بالطبعات الفرنسية و العربية، حتى أن بعض زبائن الكتاب يحددون خياراتهم إذ يبحثون مباشرة عن النسخة الأصلية وهي نادرا ما تتوفر أو عن النسخة المترجمة الى الانجليزية. وقال عبد الكريم، بأن زبائن الكتاب و على اختلافهم، سواء كانوا تلاميذ، طلبة أو أساتذة هم زبائن أوفياء للأدب الانجليزي، إذ يدأب غالبيتهم على زيارة رفوف المكتبة بشكل دوري، منهم من يبحث عن كتب معينة تفرض عليه في الجامعة ومنهم من يقرأ كل شيء تقريبا، مشيرا إلى أن الكتيبات التوجيهية التعليمية الموجهة الخاصة بتعليم اللغة الانجليزية للمبتدئين، تعرف بدورها رواجا كبيرا حتى بين فئة الأمهات، أما بخصوص الأسعار، فهي لا تختلف كثيرا، حسبه، عن أسعار الروايات و الكتب المعربة و المفرنسة، كون غالبيتها مستورد من نفس المصدر، العراق، سوريا، مصر و فرنسا و بالأخص لبنان.

الكاتب و الصحفي رشيد فيلالي
الانـجلـيزيـة أسـهل كـلغـة مطالـعة و أثرى  كمصدر معرفي
من وجهة نظر الكاتب و الصحفي رشيد فيلالي،  فإن القراءة باللغات الأجنبية فيها متعة وفائدة وانفتاح مثمر على ثقافات الآخر، بكل تعددها وزخمها وإذا كانت اللغة الفرنسية تعد البوابة الوحيدة أمام المعربين لاكتشاف و متابعة مستجدات الأدب و العلوم و الفنون في العالم، فإن الباحث عن تطوير الذات و ترقية الفكر سيصل في نهاية المطاف إلى نتيجة واحدة، هي أن هذه اللغة قاصرة بدورها ولم تعد قادرة على مواكبة العصر، على اعتبار أن كتابها و مفكريها باتوا يفضلون استعمال الانجليزية للإنتاج و التواصل فيما بينهم، بوصفها لغة عالمية أعمق و أسهل بكثير، فضلا عن كونها أغنى و أثرى من حيث العطاء المعلوماتي. بعد سنوات من القراءة بالفرنسية والترجمة منها إلى العربية، يقول المتحدث، اكتشفت بالصدفة أن المنشورات بالإنجليزية لا تعد ولا تحصى ،كما أنها تزخر بكل المعارف والآداب والفنون الإنسانية وعندها شرعت في تعلم هذه اللغة التي جعلتني أنبهر وأصعق أمام حجم ما ينشر بها من كتب متنوعة ومطبوعات، وليس هذا فقط،  إذ اكتشفت أيضا بأن ما ينشر بالفرنسية ما هو سوى قطرة في بحر،  ولا يكاد يقارن بتاتا بما ينشر بلغة شكسبير،  حيث تفطن الفرنسيون لهذه الحقيقة و صاروا رهينة لها وعليهم تعلمها لمواكبة معارف العصر ، والآن أبرز الباحثين الفرنسيين يكتبون وينشرون باللغة الإنجليزية، كما يرطنون بها في حديثهم ،مثلما نفعل نحن مع اللغة الفرنسية للتباهي والعجرفة وإدعاء التحضر. ومن هنا فإن القراءة باللغة الإنجليزية، من الطبيعي جدا أن تستهوي الكثير من الجزائريين ولاسيما من فئة الشباب، وربما مرد ذلك لصعوبة اللغة الفرنسية مقارنة بالإنجليزية وهو في نظري، سبب وجيه ومعقول لتفسير الظاهرة ، فضلا عن كون أشهر الأغاني والأفلام هي باللغة الإنجليزية أصلا، رغم أن الفنانين الذين يؤدونها نسبة معتبرة منهم،ليست الإنجليزية لغتهم الأم . و.يبقى القول، حسبه، أن الانفتاح على تعلم اللغات له فوائد لا تقدر بثمن، حيث التلاقي مع الثقافات الأخرى والاستفادة من رؤى وتجارب ومعارف الآخر وجمالياته التي من بينها طبعا الأدب والرواية على وجه الخصوص، كونها أم آداب العصر بلا منازع.

الرجوع إلى الأعلى