بعض نقاد السينما العرب لهم نظرة سطحية جدا وخاطئة لسينما الشعر
الصورة باتت أحد المرتكزات المُهمة والضرورية في حياة الفرد والمجتمع في العصر الحديث
في هذا الحوار، يتحدث الناقد والباحث السينمائي عبد الكريم قادري، عن كتابه الأخير الموسوم بــ:"سينما الشعر/جدليّة اللغة والسيميولوجيا في السينما"، الصادر منذ أيام عن منشورات المتوسط، ميلانو/بإيطاليا. والذي قام من خلاله بتحليل ودراسة "اللغة في السينما" من خلال انعكاسها وارتدادها عبر النظرية الشهيرة، التي أطلقها الكاتب والسينمائي الإيطالي "بير باولو بازوليني"، التي تناول فيها إمكانية إيجاد وخلق "لغة في السينما"، عن طريق علم العلامات –الصور، أو «السيميولوجيا» في السينما. وانطلاقا من هذه النظرية، قام الباحث بدراسة جميع جوانب "اللغة في السينما"، وهذا من أجل تقديم فهم أفضل وأوسع لـنظرية "سينما الشعر".
حاورته/ نوّارة لحـــرش
يذكر أنّه قد صدر للكاتب من قبل العديد من المؤلفات، كما نشر عشرات الدراسات المتخصصة في السينما بمختلف المجلات والجرائد والمواقع الإلكترونية، كما ساهم في تأسيس مجلة «السينمائي» الورقية، وألقى محاضرات ومداخلات بمهرجانات سينمائية محلية ودولية.
في كتابك الصادر حديثا «سينما الشعر/ جدليّة اللغة والسيميولوجيا في السينما»، تطرقت بالتحليل والدراسة لنظرية «اللغة في السينما»، ماذا تقول بهذا الشأن وما الذي أردت تقديمه في هذا الحقل الفني السينمائي تحديدا؟
عبد الكريم قادري: قمت من خلال هذا الكِتاب بتحليل ودراسة «اللغة في السينما» من خلال انعكاسها وارتدادها عبر النظرية الشهيرة، التي أطلقها الكاتب والسينمائي الإيطالي «بير باولو بازوليني»، التي  تناول فيها إمكانية إيجاد وخلق «لغة في السينما»، عن طريق علم العلامات – الصور، أو «السيميولوجيا» في السينما، وانطلاقا من هذا النظرية، قمت تقريبا بدراسة جميع جوانب «اللغة في السينما»، لتقديم فهم أفضل وأوسع لـنظرية «سينما الشعر»، وعليه كانت البداية بتقديم نظرة شاملة للعديد من المكونات والمصطلحات التي لها صلة بالنظرية، فقد وجدت نفسي مُلزما بالذهاب بعيدا من خلالها، حيث ذهبتُ إلى أصولها، وشرح أبعادها، وأهميتها في تكوين الدراسات الحالية، التي بات لها حُلّة جمالية جديدة، وهذا انطلاقا من فهم وتفسير الصورة، التي باتت أحد المرتكزات المُهمة والضرورية في حياة الفرد والمجتمع في العصر الحديث، من خلال تحليلها سيميولوجيا. كما قمتُ من خلال هذا الكِتاب بدراسة تطبيقية لفيلم «كلب أندلسي» للمخرج الإسباني لوي بونويل، مع تقديم نماذج مختلفة كانت عبارة عن عينات علمية لنظرية بازوليني، ويتعلق الأمر بمخرجين عالميين، وهم: جون لوك جودار، ميكل أنجلو انتنيوني، وبرتلوتشي.
كأنّ هذا الكِتاب/البحث جاء ليسهم في إثراء واقع النقد العربي والجزائري الذي يشهد نقصا في هذا المجال؟
عبد الكريم قادري: صحيح، لقد جاء هذا البحث «سينما الشعر/جدليّة اللغة والسيميولوجيا في السينما»، ليُسهِم في تسويد ورقة، من كِتاب النقد السينمائي العربي الأبيض، أوراق فارغة تحتاج لجهود كبيرة، وسنوات من الكتابة، لصبغ جزء منها، وتقديمها للقارئ العربي، الذي يبقى في حالتي جوع وعطش معرفيّ كبيرين في هذا الجانب، وحتى في جوانب أخرى، لأنّ رفوف مكتبة البحث، والترجمة، والتأليف، في مجال السينما لا تزال خاوية، تبحث دائما عن من يضيف ورقة فيها، وهكذا حسبت بحثي هذا، حول «سينما الشعر» الذي حلّلت فيه النظريّة الشهيرة، التي أطلقها المُنظِر والمخرج السينمائي الإيطالي الكبير بير باولو بازوليني، والتي تناول فيها إمكانية إيجاد وخلق «لغة في السينما»، عن طريق علم العلامات/الصور، أو «السيميولوجيا» في السينما، وانطلاقا من هذا البحث، قمت تقريبا بدراسة جميع جوانب «اللغة في السينما»، لتقديم فهم أفضل وأوسع لهذه الـنظرية، وعليه قمت بتقديم نظرة شاملة للعديد من المُكونات والمصطلحات التي لها صلة بالنظرية، إذ كانت أولها مع الفكر الماركسي، أو ما  يطلق عليه مصطلح «علم الجمال الماركسي»، الذي انبثقت عنه الكثير من المذاهب، والنظريات، والحركات الأدبية والنقدية، أهمها البنيوية التي عنت بالدراسات اللسانية، وعلى رأسها «اللغة» التي تعتبر محورا أساسيا لها، وقد كان دي سوسير أهم الدارسين لها، كما قام هذا اللغوي بثورة علمية، ونظرية، ناهيك عن النبوءة التي ساقها لطلبته، في أحد المحاضرات التي ألقاها عليهم مطلع القرن العشرين، وهذا حين تحدث وأشار إلى علم مستقل، وهو علم العلامات «السيميولوجيا»، بالإضافة إلى أنّه دعا إلى النظر إلى «اللغة» كرّوح، ومجموعة نُظم «إشارية ورمزية وعلامات»، هذه الأخيرة التي تُسمى «السيميولوجيا»، بما أنّها جزء من تركيبة اللغة، وتحمل أهمية أساسية في نظرية «سينما الشعر».
هذا يعني أنّك ذهبت إلى الأصول الأساسية أو الأولى لهذه النظرية «سينما الشعر» وغصت فيها أكـثـر بالتحليل والدراسة؟
 عبد الكريم قادري: أجل، لقد وجدتُ نفسي مُلزما بالذهاب بعيدا من خلالها (نظرية سينما الشِعر)، حيث ذهبتُ إلى أصولها، وشرحت أبعادها، وأهميتها في تكوين الدراسات الحالية، التي بات لها حُلّة جمالية جديدة، ألبست النصوص لباسا مغايرا تماما، وقدمت فهما باطنيا، وظاهريا، غير تقليدي للمُنتج الفني والأدبي، وقد تناولها رولان بارت بشيء من التحليل والتفسير، ودرسها بشكل واسع، وفقا لمتطلبات العصر الحديث، الذي تعتبر فيه الصورة أحد المرتكزات المهمة والضرورية في حياة الفرد والمجتمع، ليكون هذا الناقد الفرنسي أوّل من دعا إلى «التحليل السيميولوجي للصورة»، عن طريق كتابه الذي صدر سنة 1964، والمعنون بــ»عناصر السيميولوجيا»، وقد جاء قبل نظرية بازوليني بحوالي إحدى عشرة سنة كاملة، وبعد أكثر من نصف قرن تقريبا من محاضرة دي سوسير. من جهة أخرى تناولت بحث بازوليني بشيء من التحليل والمُعالجة، كما نقلت النقاشات التي دارت بين مجموعة الكُتاب ونُقاد السينما حول هذا الموضوع، أهمها التي أفرزتها كتابات كلّ من كرستيان ميتز، وبيتر وولين، وأمبرتو إيكو، باعتبار -كما سبق وأشرت- أنّ «السيميولوجيا» جزء من «اللغة»، ولم أكتفي بهذا، بل قدمت العديد من المحطات التي مر بها كلّ من المخرجين الذين ضمنهم بحث بازوليني، الذين ساق بعض أعمالهم السينمائية، كأمثلة لتفسير بعض الجوانب المظلمة والعصية عن الفهم، ويتعلق الأمر بفيلم «الصحراء الحمراء» لمايكل انجلو أنطنيوني، و»قبل الثورة» لبرناردو برتلوتشي، ومحطات لجان لوك جودار. وأنا شخصيا وتعميقا للفهم، تتبعتُ مسار هؤلاء المخرجين الثلاثة، وقدمت دراسة مُفصلة لأبرز محطاتهم الحياتية، وأعمالهم السينمائية، ومرجعياتهم الفكرية، لأخرج بخلاصة عامة كانت عبارة عن دراسة مقارنة لهم، كما دعمتُ هذا البحث بدراسة تحليلية اعتمدت فيها على التحليل السيميولوجي كدراسة تطبيقية، وهذا لمسار وفيلم المخرج الإسباني الكبير لويّ بونويل، لفيلمه «كلب أندلسي» المنتج سنة 1929، إذ أشار له بازوليني كنوع من «السينما الشعرية المُتطرفة»، ناهيك عن بعض المحطات الفكرية، والفلسفية، والفنية الأخرى، التي تناولتها في هذا البحث «سينما الشعر/جدلية اللغة والسيميولوجيا في السينما»، خدمةً للبحث وإثراءً له.
هل من مُعيقات أو مشاكل اعترضت طريقك أثناء البحث؟
عبد الكريم قادري: أن تجري بحثا جادا وهادفا في العالم العربي، فمن المؤكد أن تكون هناك العديد من المشاكل والمعوقات التي تكون بمثابة حجر العثرة، لكن الإيمان بما ننجزه حافز كبير، ولذّة البحث، كانت كافية لتبديد هذه المشاكل، والتي سأستعرض بعضها الآن، وهدفي الأوّل في طرحها هو التنبيه لها، لزحزحتها مستقبلا من طريق الباحثين، وقد كانت البداية مع النقص الفادح في المراجع، والكُتب، التي تتناول السينما، وغياب البُحوث الجامعية التي تناولت نظرية «سينما الشعر» بالتحليل، حتى أنّي اكتشفت بأنّ بعض نُـقاد السينما العرب، لهم نظرة سطحية جدا، وفي أحيان كثيرة نظرة خاطئة لسينما الشعر، لكن استطعت وبالحد المسموح والإمكانيات المتوفرة، أن أصل لبعض البحوث المتفرقة، عن طريق المكتبة الشخصية، أو الاستعارة من بعض الزملاء من العالم العربي، أمّا المشكلة الثانية فقد تمثلت في العشرات من الأفلام التي كنتُ بحاجة لمشاهدتها، لتحليلها وإضافتها في البحث، لكن للأسف كان هذا من الصعب جدا، في ظل خلوها من الترجمة أو الدبلجة، خاصة من لغتها الأم، أو عدم العثور على نسخ منها على شبكة الإنترنت، ما حتّم عليّ الرجوع إلى طرائق أخرى، من بينها الاستعانة بالعديد من الأصدقاء المترجمين، لتقديم فهم معين في فيلم ما، ناهيك عن استعمال العلاقات الشخصية جدا، من أجل جلب بعض الأفلام النادرة، أمّا المشكلة الثالثة فتتعلق بغياب كلّ أشكال الدعم من طرف المؤسسات الثقافية، وهذا ما صعّب من عملية تحقيق هذا الكِتاب، وأطال في عمره الزمني، ناهيك عن مشاكل ومعوقات أخرى.
ألا ترى أنّ أهمية الكِتاب تكمن أيضا في كونه يختصر بعض المسافات في طريق البحث والباحثين حول مفهوم «سينما الشعر»؟
عبد الكريم قادري: أمّا من ناحية الأهمية، فالقارئ وحده من سيحكم على هذا البحث، الذي جاء كما قلتِ ليختصر مسافات البحث في مفهوم «سينما الشعر»، وتقريبها للمتلقي، حيث سيكون بمثابة المرجع الذي يمكن العودة له كلّما دعت الحاجة لذلك، ومن جهة أخرى لا أستطيع أن أقول بأنّه –أي هذا الكِتاب- دُرة مصونة، وجامعٌ شاملٌ لجوانب «اللغة في السينما»، وشرح مستفيض لنظرية بير باولو بازوليني، لكن بمقدوري أن أقول بأنّه ربّما سيكون بوصلة، تهدي التائهين في صحراء السؤال، وتفتح شهيّة الباحثين والنُـقاد لتقديم بعض الكُتب والبحوث الأخرى، خدمة لنفس البحث، وإغناءً للمكتبة العربية الفقيرة جدا في مجال الفن السابع، كما سيسمح للمُتلقي/القارئ العربي، بأن يطلِع على جوانب عِدة من موضوع «سينما الشعر»، وما يتصل بها من فروع اللغة السينمائية، من سيميولوجيا ومذاهب أدبية ونقدية أخرى، ناهيك عن الدراسات التحليلية والمُقارنة التي قمتُ بها كجانب تطبيقي، لتسهيل عملية فهم الجانب النظري المُعقد، وكلّ هذا يمكن العثور عليه في هذا البحث، بدل جمعها من عشرات الكُتب، والمجلات، والصحف، والمواقع الإلكترونية، حيث سيُريح القارئ من هذه المشقّات، بمجرّد حصوله على كِتاب «سينما الشعر/جدلية اللغة والسيميولوجيا».
الكِتاب طبع في إيطاليا، هل وجدت صعوبات في نشره في الجزائر؟
عبد الكريم قادري: طبيعة الكِتاب والموضوع الذي تناولته فرضَ عليّ البحث عن دار نشر محترمة، لديها إستراتجية في الإخراج الفني والتوزيع واحترام عقليّ المؤلف والقارئ على السواء، وهذا ما وجدته في «منشورات المتوسط» الكائن مقرها في ايطاليا، والتي يديرها مثقف فلسطيني يعرف جيدا قيمة الكُتب وأهميتها، وهو خالد سليمان الناصري، مخرج وشاعر وناقد، ويقوم أيضا بالإخراج الفني لأغلفة الكُتب التي ينشرها، وهذه كلّها إغراءات شدتني لهذه الدار «منشورات المتوسط»، بالإضافة إلى حضور مطبوعاتها في كلّ معارض الكُتب العربية، إذ لديها توزيع جيّد، وكلّها معطيات تفقدها دور النشر المحلية، التي لم أفكر في تقديم كتابي لها، للأسباب والمعطيات المذكورة.
بالمناسبة كنتَ قد اقترحت خلق توجهات سينمائية في العالم العربي، منها التوجه الذي يقوده المخرج من خلال «السينما المُثقفة»، ومنها من يقوده الناقد من خلال دراسة «العتبات السينمائية»، من أجل أن يتم خلق التكامل بين المخرج والناقد والمتلقي. هل يمكن أن توضح أكثـر؟
عبد الكريم قادري: ما يجب على المخرج هي الأفلام التي تعكس محمولا معرفيا، تلامس من خلاله الجوهر والقضايا الإنسانية في شقيها الفلسفي والفكري، وتقدم للمُتلقي «ثيمات» ذات بعد كوني واستشرافي، انطلاقا من معطيات مدروسة، هي السينما التي لا تموت، أيّ أنّ كلّ جيل يحسّها ويتوحد معها، ولو كان فعل المُشاهدة بعد عدة أجيال. «السينما المثقفة» هي النظريّة الحياتية، خُلاصة التجارب المختلفة، تطرح الأسئلة وتُبقي الباب مفتوحا على الاحتمالات والتأويلات والأجوبة، هي التجسيد الفعلي للأحلام والكوابيس والرؤى، هي الوعي حين يتجلى على مستوى الشكل والجوهر والغاية.
في حين «العتبات السينمائية»: ما يجب على الناقد أن يُنظر للفيلم على أنّه كلٌّ متكامل، يقوم بدارسته وفقا لآليات المناهج النقدية الحديثة، أي أنّه يستعمل هذه الآليات في كتاباته النقدية، حيث يقوم بدراسة كلّ تفاصيل الفيلم، «المُلصق، العنوان، الإهداء، العتبات الرئيسية، العتبات الثانوية،...الخ»، إذ يتوجب على الناقد أن يقوم بإسقاط آليات «نقد السرد» الحديث على «نقد الفيلم» وينفتح على العلوم الأخرى، خصوصا نظرية «العتبات» التي جاء بها «جيرار جنيت»، ويسقطها على الفيلم، وبالتالي يتم تقديم مفاتيح جديدة للمتلقي، مع الوصول لجماليات كانت مخبوءة، لتقديم فهم أفضل.

الرجوع إلى الأعلى