تحوّلت في السنوات الأخيرة، صفحات الكثير من الكُتاب الجزائريين، على الفايسبوك إلى ما يشبه المنابر الإعلامية للترويج لكتبهم وإصداراتهم الأدبية، ففي وقت سابق كانت الملاحق والصفحات الثقافية، تقوم بهذا الدور وتروّج للكتب والإصدارات في أركان وزوايا مخصصة للعناوين الجديدة، وكانت هي المنبر الوحيد لعملية الترويج والإعلان عن أي كِتاب جديد. لكن ومع انتشار واكتساح مواقع التواصل الاجتماعي في فضاء وشبكات الإنترنت، أصبح الكُتاب والأدباء، يروجون بأنفسهم لكتبهم وإصداراتهم الجديدة، ولا ينتظرون من الجرائد وصفحاتها أو ملاحقها الثقافية، أن تقوم بدورها وأن تروج أو تُعلن في مساحاتها عن العناوين الجديدة لكتبهم. فهل أصبح الكاتب لا يحتاج إلى وسائل الإعلام للترويج لعمله وإصداراته، هل استغنى عن هذه المنابر التقليدية، إذ كثيرا ما صار يكتفي بمنبره الشخصي/صفحته على الفيسبوك، أو تويتر، ويكتب عن عمله الأدبي الجديد، وهو من يقدم خبر إصداراته، وهو من يعلن عنها، ويروّج لها.
إستطلاع/ نوّارة لحـرش
لونيس بن علي/كاتب وناقد أدبي
أحد أهم القنوات التي يوظّفها الكُتّاب للتعريف بأعمالهم
لم تعد وظيفة الفايسبوك مقتصرة فقط على التواصل الافتراضي في أفقه العالمي المفتوح السماوات، بل أصبح أحد أهم القنوات الجديدة والناجعة، التي يوظّفها الكُتّاب للتعريف بأعمالهم الإبداعية وتقريبها إلى أكبر عدد ممكن من القرّاء.صحيح، أنّه لا يمكن الاستغناء عن الوسائط التقليدية، على غرار التلفزيون أو الجرائد أو الإذاعة، إلاّ أنّه وفي ظلّ انحسار تأثيرها على الحياة الثقافية، وتهميشها المتعمّد لكلّ ما له صلة بالكتابة والإبداع، خاصة في سياقنا العربي، فلا بديل أمام الكاتب إلاّ اللجوء إلى هذا الوسيط الجديد، مثل تحويل صفحته الشخصية إلى فضاء لبثّ أعماله أو للترويج لها. وقد يفتح صفحة بأكملها يخصّصها لأحد أعماله. وإذا كان محظوظا، فقد تعمد دار نشره إلى الترويج لأعماله عبر صفحتها، ولنا بعض الأمثلة: مثل منشورات الاختلاف، ومنشورات دار ميم، حيث نلمس هذا الوعي بأهمية الفايسبوك في عملية الماركتنيغ الخاصة بالكُتب. واليوم، لا نجد في العالم الغربي كاتباً مشهورا أو مغمورا لا يلجأ إلى صفحته الشخصية للتعريف بإنتاجاته الأدبية.وإذا بحثنا عن مميزات الفايسبوك، نجدها في الواقع كثيرة، إلا أنّ هناك مُعطى جديد، لا نجده عند الوسائط التقليدية، ويتمثل في التفاعل الحي بين الكاتب والقُراء، سواء من خلال إبداء الإعجاب أو ترك تعليقات أسفل منشوره، وقد تكون الصفحة بمثابة مدونة لنشر ما كُتب عن عمله في الجرائد أو في المواقع الالكترونية، من مقالات وانطباعات. إذ لا يمكن التقليل من أهمية ذلك التفاعل بين الكاتب وجمهور المُعلقِين.هل هناك مانع من أن يحوّل الكاتب صفحته إلى منصّة للتعريف بأعماله الإبداعية؟ قد يفسّرها البعض، بشكل من التسرّع، أنّ ما يقوم به الكاتب هو نوع من الاستعراض والتفاخر، وهذا في اعتقادي، يجانب الصواب، لأنّ العملية الإشهارية اليوم، هي إحدى أقوى وسائل الدعاية تأثيرا على وعي الجماهير. لنأخذ على سبيل المثال، الإشهار التلفزيوني، فقد أصبحت الصورة الإشهارية تخترق المشاهد وتقتحمه بشكل عنيف، فلا يخلو برنامج تلفزيوني من ومضات إشهارية لسلع أو منتوجات معينة تلسعه في كلّ مرّة، بل أنّ الوقت الذي يقضيه المشاهد في مشاهدة الاشهارات المختلفة، يفوق الحجم الساعي المخصص لمشاهد برامجه المفضلة!بعض التجارب الروائية العربية، وظفت بشكل ذكي الفايسبوك للترويج لأعمالها الأدبية، وسآخذ مثالا حيا عن صفحة الروائي التونسي (كمال الرياحي)، فقد تمكّن من الترويج لروايتيه «المشرط» و»عشيقات النذل» عبر صفحته الشخصية، إذ نرى حجم التلقي الذي حظيا به العملان، من الفايسبوكيين الذين كانوا يأخذون «سيلفيات» مع رواية من الروايتين، وقد أبدع طريقة طريفة للترويج لروايته «المشرط»، حيث عمد إلى مزج نصف الوجه المرسوم على غلاف الرواية بنصف وجهه، ليُحدث نوعا من التركيب الجميل بين نصف الوجه المتخيل ونصف الوجه الحقيقي، وكانت النتيجة محفّزة في الأخير.

خالد بن صالح/ شاعر
غياب تقاليد ترسيخ ثقافة الكِتاب دفع الكُتّاب للترويج لإصداراتهم
أمام غياب تقاليد حضارية ترسخ لثقافة الكِتاب، نشراً وتوزيعاً وترويجاً في بلادنا، وتحوّل الكثير من الملاحق والصفحات الثقافية عبر الجرائد إلى زوايا تلتقط فتات الأخبار وما يتداول عادة عبر فايسبوك وتويتر وغيرهما، لا شك أنّ الكاتب صاحب الإصدار الجديد سيعمل على الترويج لكتابه عبر صفحته الشخصية في أي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكنه حتى الاستعانة باليوتيوب في ذلك، لما لهذه المساحات من رواج واهتمام لدى الكثيرين، كما أنّ مجال الإبداع فيها مفتوح ومساحة الحرية شاسعة في كتابة وقول ما يمكن أن يقدّم الكِتاب بأفضل طريقة.  إلا أنّنا لا يمكن أن نتحدث بالمطلق على فكرة الاستغناء عن المنابر الثقافية سواء في الجزائر أو خارجها، فمواقع التواصل الاجتماعي تساعد على الترويج للكتاب من خلال ما يكتب عنه هنا وهناك، وما ينشر من تقديم للإصدار الجديد عبر تلك المنابر. كما يمكن للكاتب أن يخبر القراء عن طريق فايسبوك مثلا، أو تويتر عن أماكن تواجد إصداره الجديد عبر المكتبات، على قلتها طبعاً عندنا، أو في بلدان عربية وغربية إن توفرت.ومن جهة أخرى، قد أقبل بأن يملأ الكاتب الفراغ الذي يتسبب فيه انعدام سوق للكتاب، وإستراتيجية واضحة للهيئات الرسمية ودور النشر التي غالبا ما تعتمد على مناسبة الصالون الدولي للكِتاب بالجزائر لإقامة حفلات البيع بالتوقيع والتي بدورها تفتقد لأدنى الشروط، من اتصال بوسائل الإعلام والعمل على تقديم الكاتب وإصداره. لكنّني لن أقبل بأن ينشر الكاتب ما يصله من رسائل على الخاص، من طرف القراء مثلاً، دون استئذان. أو اللجوء إلى أساليب مراوغة لكي يجلب الانتباه، وذلك بالحديث عن تفاصيل النشر وغيرها من الأمور التي لا علاقة لها بمحتوى الكتاب. شخصياً أكتفي بنشر ما يكتب عن إصداري الجديد، بنشر حوار أتحدث فيه عن تجربتي الجديدة مثلا، أو أضعف الإيمان مقتطف مرفق بصورة لغلاف الكتاب، قبل أو بعد صدوره.لا شك في الأخير، أن العملية ككلّ بحاجة إلى قراءة متفحصة في واقع ثقافي مفكك، حلقاته مبعثرة وتجميعها يحتاج إلى تغيير للذهنيات، وبحث جدي في الأساليب والآليات التي تنقل هذا الكائن الجميل، الكِتاب، إلى القارئ في أجمل صورة.

أحمد طيباوي/ روائي
فضاء فعال للترويج لأعمال الكتاب ونشاطاتهم
تمنح شبكات التواصل الاجتماعي للكاتب فرصة التفاعل المباشر والآني مع الجمهور الثقافي، هذه ميزة لا توفرها الملاحق أو الصفحات الثقافية في جريدة أو مجلة. ليس فقط أن يُعلن عن عمل جديد، وهو أمر جليل إذا اكتٌفيَّ به، ولكن أيضا أن ينشر روابط لمقالاته وحواراته، وكذا ما يجده من صدى نقدي لعمله المنشور.. ولنلاحظ أيضا أن حسابه المفتوح لأصدقائه ومتابعيه سيجمع كلّ ما نُشر عن العمل، ومختلف أنشطته، حوارات ولقاءات وندوات وصور، وعلى هذا يُتاح للقارئ أو للمهتم أن يجد في مكان واحد كلّ ما يتعلق بأعمال الكاتب ومساهمته في المشهد الأدبي والثقافي عامة، وأن يبدي فيها الرأي أو يسأل عما بدا له.
كان ذلك التواصل يتم مباشرة، والآن يتم افتراضيا، وبإمكاني القول على نطاق أوسع وأكثر فعالية وحيوية. الفعل الثقافي في بلادنا محدود، أقصد عدد الفعاليات والتظاهرات الثقافية ودرجة انتشارها جغرافيا، مما جعل التواصل المباشر بين الكاتب والجمهور الثقافي محدود هو الآخر إلى هذا الحد أو ذاك، وشكّل الفيسبوك مثلا بديلا معقولا وفعالا يتيح تواصلا مستمرا وتفاعلا أفضل. طبعا، وككلّ شيء لسوء الحظ أو حسنه، فيه الغث والسمين، ولكن غيابه كان سيطرح مصاعب جمة في وجه الكتّاب، وأقصد الشباب منهم خاصة، أن يجدوا سُبلا للترويج لأعمالهم وأنشطتهم مع بقاء الأطر الثقافية الرسمية هياكل دون روح تقريبا.
وعلى هذا، وبمّا أنّ شبكات التواصل هي إحدى سِمات عصرنا الحالي، ومن باب مواكبة مجتمعهم، من الصعب أن يتجاهل الفاعلون الثقافيون، والكاتب منهم، دور تلك الشبكات في تبادل المعلومات وتدفقها بين عدد يكاد يكون لا نهائيا من البشر، واستغلال التدفق غير المسبوق في الاتجاهات كافة، من أجل إيصال صوتهم وآرائهم والترويج لإصداراتهم وما يُكتب حولها. هذا ما هو سائد في العالم بأسره، وفي مجالات عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وفنية وغيرها، كلّ يستغل شبكات التواصل الاجتماعي في الترويج والتواصل وتبادل المعلومات والحوار وفتح آفاق للتواصل مع فئات وجهات لم يكن ممكنا أبدا للوصول إليها بوسائل الاتصال التقليدية -كالتلفاز والمذياع والجريدة-ا لتي تفتقد لعنصر الاتصال التبادلي أو التفاعلي المباشر والسريع، وهي نقطة ضعف فيها وميزة قوية في شبكات التواصل.

عبد الوهاب عيساوي/ روائي
يبقى الفيسبوك فضاءً أكثر تفهما لهموم الكُتّاب ولا يمكن إنكار فضله
إنّ مفهوم الترويج يرتبط عادة بالسلعة، وليس من المعقول أن ننظر إلى الملاحق الأدبية أو الصفحات الثقافية على أن وظيفتها الأساسية هي الترويج، قد نتفق على اعتباره أثرا جانبيا لها، ولكن الأصل فيها أنّها تستكِتب أسماء من الفضاء الثقافي أو الأدبي لديهم التشبع الكافي بالمواضيع التي يُستكتبون من أجلها، وبالتالي تكون هناك رؤية عميقة وتحليلية للعمل المكتوب عنه، ولهذا أجدني أكثر ميلا إلى اعتبار الملاحق موجهة إلى الطبقة المهتمة بالبحث في النصوص وقراءتها قراءة واعية، لا على سبيل الترويج لها.إن مشكلة الترويج الحقيقية هي عدم وجود مؤسسات تتعامل مع الكِتاب الثقافي كمنتج يكمن تسويقه، وكسلعة لها أن تحقق ربحا إذا ما توفرت سياسية إشهارية ذكية، وأقصد هنا الاحترافية التي يمكنها أن توجِّه الذوق العام وليس آراء النخبة فقط، وفي ظل غياب هذه المؤسسات أعتقد أن الناشر هو المسؤول الأوّل عن هذه الإجراءات التقنية.بؤس السياسة الثقافية الذي تعيشه الجزائر، واعتماد الوزارة على دور النشر بشكل مباشر في اقتناء الكُتب، يجعل من أي ناشر مهما كان فعالا يتّكل بشكل كلي على هذا المصدر المادي، بالرغم من أنّ رهان الناشر الحقيقي مع القارئ وليس مع الوزارة، وكنتيجة لهذه السلوكيات التي لا تخدم سوق الكِتاب، لم نعد نرى المكتبات والكثير منها غيّر أصحابها نشاطاتهم.إلى من يلجأ الكاتب للترويج لعمله في ظل هذه الظروف السيئة؟ إلى الناشر الذي يطلب منه مالا ولا يوزع إلا في حدود بعض المدن الجزائرية فقط، ناهيك أنّه لا يعرف من المعارض العربية إلا المعرض الدولي للكتاب بالجزائر -باستثناء القليل- ولا يكاد يلتفت إلى الترويج للكِتاب، ولو بمساحة صغيرة أسفل جريدة توزع بشكل جيّد. وربّما قد يحاول الكاتب أن يلجأ إلى الحصص الثقافية التي ما إن تبدأ في البث حتى تُخنق في حلقاتها الأولى، ولهذا يبقى الفيسبوك فضاءً أكثر تفهما لهموم الكاتب لحريته المطلقة ولتطرفه المطلق كذلك.ولا يمكن طبعا أن ننكر الفضل الذي يقدمه الفيسبوك للترويج لأعمال الكاتب، وفي اعتقادي أنّ وظيفته لا يمكن أن تتجاوز فكرة الترويج، ومن هذه الناحية أراه الوحيد الآن الذي يقوم بهذه الوظيفة بشكل معقول جدا، ولم يعد مقتصرا على الكاتب بل حتى على الصحفي والناشر والمؤسسات الثقافية والجوائز التي جعلته منبرا لكلّ النشاطات التي تقوم بها، ومع هذا لا يمكن الاستغناء عما تقدمه الصفحات والملاحق الثقافية لأنّها تمثل الجانب المعرفي ولها قراؤها، وبالتالي هناك نوع من التكامل الوظيفي بينها وبين فضاءات التواصل الاجتماعية الأخرى والتي مثلما أسبقت أرى أن مهمتها الأساسية لا تتجاوز الإشهار.

الرجوع إلى الأعلى