قصة صدام بين مخلوقات فنية و ذهنيات تعادلها في الصلابة !
يتجاهل السواد الأعظم من أبناء قسنطينة وجود كم كبير من التماثيل و المنحوتات الفنية في ساحاتها و بين أروقة متحف سيرتا الذي هُربت إليه نماذج فنية تاريخية جميلة، لاحقتها منذ الاستقلال ذهنيات متعصبة اتخذت من التماثيل الرخامية و البرونزية الجامدة ندا لها وحاربتها بشتى الطرق و  أبرزتها كعدو للهوية العربية الإسلامية، فكرست لثقافة اللامبالاة لهذا الجانب الجميل من الموروث الحضاري الإنساني الذي تزخر به المدينة والذي كان ليتحوّل إلى مورد اقتصادي هام لو لم يحاربه البشر باسم الدين و ينبذونه باسم القهر الاجتماعي كما عبّر عنه فنانون و باحثون في علم الآثار أكدوا بأن الأعمال الأخيرة التي شوّهت رموز التاريخ و أثارت الجدل هي انعكاس لشعور عدواني تجاه هذا الفن عموما.
نور الهدى طابي  / تصوير: شريف قليب
كنز تاريخي تنكرت له الذاكرة الجماعية
في العديد من دول العالم تشكل التماثيل و المنحوتات الفنية القديمة جزءا من هوية المدن كما في روما و فيينا و الأقصر و مدن أخرى ، فهذه الكتل الحجرية الجامدة استثمرت بشكل ناجح حولها إلى مورد اقتصادي هام بعدما روج لرمزيتها سياحيا و أغرت أساطيرها السياح من كل بقاع العالم، لكن بقسنطينة  تعامل التماثيل ببرود، تنبذ و تحرم لأنها «تشويه لخلق الله»، و ينظر إليها كذلك كعنوان للخطيئة، تماما كتلك المنحوتة الشامخة أعلى نصب الأموات و التي استطاعت أن تفرض نفسها في المجتمع لسنوات بعدما أخفت تحت جناحيها أحضان و أحلام عشاق لجأوا إليها هربا من الأحكام الاجتماعية، أما خلاف ذلك فتمثال قسطنطين العظيم يقف عند مدخل محطة القطار مبتورا منبوذا لا يجد من يحدق إليه سوى الحمام المحيط به، حاله حال سيدة السلام التي عزلت داخل منطقة عسكرية.
داخل متحف قسنطينة سيرتا توجد مجموعة كبيرة و متنوعة من التماثيل التي تؤرخ لفترات تاريخية عديدة و حضارات تعاقبت على المدينة، علمنا من مصادر من داخل المتحف بأنها لا تحظى باهتمام الزوار، وقليلون فقط هم من يسألون عنها أو يبدون رغبتهم في التقاط صور لها أو معها.
و لعل أشهر الموجودات هي التماثيل الرومانية في مقدمتها تمثال الحسناء فوستيا زوجة الإمبراطور أنطونيو التقي، تمثال الإله باخوس إله الخمر عند الرومان، تمثال الإله ماركو إله التجارة ، تمثال الإلهة فيريس، و تمثال الإلهة تيشي حامية المدينة.  إضافة إلى رؤوس أباطرة رومان على غرار أنطونيو التقي، دوميسيان، رأس كلود و أبوليكس ابن الإله جوبيتر، زيادة على تماثيل أخرى تعود للفترة النوميدية أبرزها تمثال آلهة الانتصار الذي عثر عليه في القصبة.
 المتحف يضم كذلك مجموعة هامة من التماثيل التي تعود للعهد الاستعماري وهي برونزية في مجملها، أهمها الصياد و الرجل و الفهد الذي كان موجودا بمحور الدوران القديم بحي جنان الزيتون، بالإضافة إلى تمثال الفتاة و شقيقها ، و تمثال  آخر يعتقد بأنه لغوستان لاريني أول مدير لمتحف قسنطينة.
تماثيل برمزية تاريخية و أبعاد دينية و اجتماعية  تتوشح الخرافة
تتوفر المدينة على رصيد هام من التماثيل البرونزية و الرخامية أغلبها موجود حاليا على مستوى متحف سيرتا أما تلك التي لا تزال تتوسط ساحات المدينة فهي ثلاثة لها رمزية تاريخية و دينية و اجتماعية كبيرة ترتبط بهوية قسنطينة و تؤرخ لمراحل و أحداث هامة و مصيرية شكلت معالم المدينة اليوم، لكن غالبية أبناء سيرتا يجهلون رمزيتها الحقيقة كما يجهل كثيرون وجود تمثال سيدة السلام أعلى هضبة الحامة ويظنون بأنه جهاز لرصد الزلازل، بينما يتداول آخرون قصصا مختلفة منها ما هو خرافي عن منحوتات معروفة، كتلك القصة التي تقول بأن تمثال إلهة الانتصار التي تزين نصب الأموات، هو جسد جنية عاشقة متحجرة كانت تستفيق ليلا باحثة عن محبوبها هائمة تسأل عنه حبال جسر سيدي مسيد و أخاديد وادي الرمال.
تمثال سيدة السلام  رمز لتعايش الأديان و محج المسيحيين
على يمين نصب الأموات بقسنطينة غير بعيد من المقبرة اليهودية و مسجد الإيمان في نفس الحي، و في إطار لا تزيد مساحته عن مئات الأمتار يقف تمثال مريم العذراء أو سيدة السلام الموجود أعلى هضبة حامة  بوزيان شامخا يحرس سلام قسنطينة.
يجسد  التمثال تعايش الأديان السماوية الثلاثة  ، اليهودية، و المسيحية و الإسلام، مما يضفي على قسنطينة هيبة و وقار المدن العتيقة المقدسة، تمثال مريم العذراء أو كما يطلق عليه  «مّا مريم» هو آخر سلسلة من التماثيل التي نصبتها فرنسا  في شهر ماي 1960 بعد كل من سانتا كروز في وهران، وسيدة إفريقيا في الجزائر العاصمة قبل ذلك، ليصبح التمثال محجا لمسيحيي  المدينة. المعلم من تصميم المهندس «جال لامبار» نحته الفنان «ميشلي»، وقامت مؤسستا الإخوة روسي بإنجاز قاعدته الإسمنتية، و الإخوة « كطالا « بانجاز الهيكل الحديدي المحيط به أما العمال فهم مسلمون.
وقد نقل من فرنسا مجانا في رحلة عسكرية، ودام نقله من سكيكدة باتجاه قسنطينة عدة أيام في موكب احتفالي ضخم و قد حضر يوم تدشينه الأحد 29 ماي 1960، حوالي 9000 شخص، وتحول إلى مزار للمسيحيين ومقصد السياح في سنوات الاستقلال إلى غاية بداية الأزمة الأمنية، حيث أصبح الدخول إليه غير ممكن دون رخصة لوقوعه في منطقة عسكرية.
تمثال قسطنطين وذكرى 100سنة على احتلال الجزائر
تمثال الإمبراطور قسطنطين الذي يقع قبالة محطة القطار بقسنطينة من صنع النحات الفرنسي لوسيان براسور (1878-1960) التمثال الذي بترت يده وضاع السيف الذي كان يحمله في متاهة الأزمنة، هو نسخة مطابقة لعمل فني ضخم قديم من الرخام يوجد حاليا بكنيسة سان جان دو لاطران بروما (إيطاليا). وقد وصل إلى قسنطينة في  فبراير 1913 قادما من فرنسا، حيث تم وضعه في بداية الأمر بساحة لابريش (ساحة أول نوفمبر حاليا)  قبل نقله إلى حي باب القنطرة عند مدخل الجسر و من ثم نقل إلى محطة القطار غير بعيد عن أخاديد وادي الرمال، في الذكرى المئوية لاحتلال فرنسا للجزائر، و جاء ذلك بقرار من السلطات البلدية الاستعمارية التي أرادت له أن يكون رمزا لسيادتها على المدينة، علما أن وثائق من الأرشيف الفرنسي موجودة في مقر الولاية حاليا تشير إلى أنه لم يتم العثور على تمثال قسطنطين الأصلي بقسنطينة أبدا، لكن عثر فقط على القاعدة التي كانت تحمله و قد عرفت من خلال النقوش التي حفرت عليها.  
 و يروي مؤرخون أن عاصمة نوميديا سيرتا ساندت قسطنطين العام 307 في مواجهته مع الإمبراطور ماكسنس، و عرفانا بهذا الجميل أصبحت قسنطينة تحمل تسمية قسطنطينة بداية عام 313 وهو من قام بإعادة بنائها بعد الحرب.
نصب الأموات نصر فرنسا و دماء الجزائريين
تمثال إلهة  الانتصار» نيك» جالبة الحظ السعيد عند الرومان و اليوناينين، الذي يزين نصب الأموات، يعد الأكثر شعبية في قسنطينة نظرا لموقعه و علاقة السكان المحليين به، فالتمثال المصنوع من البرونز على هيئة امرأة مجنحة تشبه طائرا خرافيا يتأهب للتحليق، يعلو قاعدة حجرية مصقولة تشبه إلى حد بعيد قوس النصر في باريس، وهو عبارة عن نموذج للتمثال الأصلي صغير الحجم  الذي اكتشف بقسنطينة  بالقصبة تحديدا في الفترة الممتدة ما بين 1940و1944.
نصب الأموات وهو الاسم الذي يطلق على المعلم الذي يضم التمثال شيد سنة 1934 على يد الفرنسيين، تخليدا لأرواح جنودهم الذين سقطوا في ساحات المعارك  ضد النازية وهم فرنسيون و جزائريون نقشت أسماؤهم على ألواح من البرونز ثبتت داخل المعلم، الذي اجتمع عنده سنة 2015 كل من سفيري ألمانيا و فرنسا في ذكرى انتهاء الحرب العالمية الأولى، هو أيضا شاهد على نضال الجزائريين من أجل التحرر بعدما دفعوا دمائهم ثمنا لوعد فرنسي انتهى بمجازر 8 ماي 1945.

معركة تماثيل الجزائر المستقلة
يتذكر الكثير من أبناء قسنطينة أن حديقة أول نوفمبر، المعروفة بلابريش كانت تحوي على عدد من التماثيل البرونزية الجميلة التي لا يزال لونها المائل إلى الاخضرار عالقا في أذهان الكثيرين، وقد كان أشهرها هو تمثال فرقة فنية اعتاد منحرفون أن يضعوا قارورت الخمر بين أيدي أفرادها ليلا، هذه التماثيل اختفت فجأة نهاية الثمانينيات و بداية التسعينيات و تم  تحويل بعضها نحو متحف سيرتا خوفا من سرقتها أو تعرضها للتخريب خصوصا وأن تلك المرحلة عرفت انزلاقات أمنية خطيرة وسيطرة فكر تكفيري صنف الفن و تحديدا النحت كضرب من ضروب الكفر و الشرك و تعامل معه بعنف، وعليه تم سحب التماثيل و إخفائها في المتحف كما أفادنا قائمون عليه خصوصا. لكن يؤكد الفنان أحمد بن يحيى بأن المشكل بدأ قبل ذلك بكثير بل أنه يعود لسنوات الاستقلال الأولى إذ تعالت أصوات طالبت بتحطيم ما تركته فرنسا من تماثيل في ساحات و شوارع المدينة بحجة القضاء على مخلفات الاستعمار، وقد كان تمثال قسطنطين أول ضحايا هذا المسعى، إذ  تعرض للاعتداء قصد التخريب أول مرة في 24 جويلية 1962 عندما هاجهت الولاية الأولى الولاية الثانية وقد حدث إطلاق نار كثيف تسبب في بتر يد قسطنطين التي كانت تحمل سيفا أو خنجرا  كما يقال ، بينما لا تزال اليد الأخرى تحمل مخطوطا. تمثال قسطنطين لم يكن الضحية الأثرية الوحيدة بل إن المدينة جردت من نصب آخر لا يقل جمالية عن الأول، ففي حديقة أول نوفمبر التي كانت تعرف " بجنان المركانتية" أو الأثرياء، كانت السلطات الاستعمارية قد نصبت فوق قاعدة عمودية بطول 5 أمتار تقريبا تمثالا لديك مفرود الجناحين من البرونز كرمز للنصر بعد اقتحامها لقسنطينة مباشرة سنة 1937، و قد اختارت الحديقة لكونها النقطة التي أحدثت من خلالها دبابات المستعمر ثقبا في باب الواد أحد أبواب قسنطينة السبعة و منها تم الاختراق، بعد الاستقلال حاول البعض تخريب التمثال  بإطلاق النار عليه لكن فشل مسعاهم جعلهم يستعينون بالحبال و السلاسل و تم سحب التمثال بقوة بحيث تحطمت القاعدة و تعرض جناحا الديك للتلف، بعدها أخفي التمثال لسنوات في المحشر البلدي بباردو و ضاع إلى يومنا.
كذلك الأمر بالنسبة لتمثال زيغود يوسف الذي نحته الفنان بن يحيى أحمد سنة 1986، تحفة فنية جابت شوارع قسنطينة في موكب ضخم، و كان من المقرر أن تنصب في وسط المدينة و تحديدا في حديقة أول نوفمبر، لكن التمثال اختفى لفترة قبل أن ينقل إلى مقبرة الشهداء بطريق عين سمارة.
تمثال "لاموريسيار" الذي كان يزين  مدخل كنيسة الكدية " مسجد الاستقلال حاليا"، اختفى  بدوره و لم يعرف له أثر، بينما نقل تمثال " لا بينيوز" من حديقة دنيا الطرائف " جنان الزوالية" سابقا، إلى مركب الفروسية حيث لا يزال هناك حاليا، ويذكر أن متطرفين أحضروا غطاء لحجب التمثال الذي يمثل سيدة عارية ظلت مغطاة لمدة خلال سنوات الأزمة.
حتى تمثال آلهة النصر بنصب الأموات كان معرضا للتخريب و قد حاولت جهات معينة التخلص منه سنة 1982 لولا تدخل والي قسنطينة آنذاك شعبان عبد الرحيم بمعية الفنان أحمد بن يحيى.
وقد أكد فنانون و باحثون بأن إشكالية عدم اهتمام المواطنين بالتماثيل كفن و موروث حضاري إنساني و جزء من التاريخ و الهوية  لا تختزل في  الوازع الديني الذي تحول إلى عداء قديم للتماثيل باعتبارها حجارة مصقولة، ولكنها نتاج مجموعة من الأفكار مجتمعة لها علاقة بالنظرة غير الواضحة للفن من الناحية العقائدية، و كذا بأوضاع اقتصادية و اجتماعية و حتى أمنية  أعادت بناء الفرد و المجتمع وفق اهتمامات جديدة  لا يعد الفن و الجمال من أبرزها.

الباحث حسين طاوطاو
هذا الفن ضحية محاولات لتجريد الشعب من هويته و اختزالها في مرحلة واحدة
يرى الباحث حسين طاوطاو مدير فرع المركز الوطني للآثار و التاريخ، بأن علاقة الجزائريين عموما و القسنطينيين على وجه الخصوص بالتماثيل كفن، هي نتائج محاولات عديدة لتجريد الشعب من هويته الثقافية و الحضارية و حصرها في ثقافة معينة،  هي الثقافة العربية الإسلامية، مع إلغاء شبه تام لجوانب أخرى من هوية المدينة التي لطالما كانت حاضنة للحضارات و الثقافات منذ العهد النوميدي إلى غاية المرحلة الاستعمارية، فنحن أثرنا في هذه الثقافات و تأثرنا بها كذلك كما قال.
 لكن يضيف المختص، هنالك بعض الأيديولوجيات التي فرضت على الشعب خلال مراحل عديدة من تاريخ الجزائر المستقلة و ربما قبل ذلك جردت الفرد من اهتماماته الفنية و اختزلتها في الجانب الاجتماعي و المعيشي ما خلق نوعا من العنف تجاه كل ما هو فني ثقافي، ترجم مؤخرا بشكل واضح من خلال التماثيل التي شوهت رموزا وطنية و أثارت الجدل، و التي تعد انعكاسا لنظرة اجتماعية دونية لهذا الفن لا تستثني أي فرد مهما كانت درجة مسؤوليته. بمعنى أن الفرد لم يتربى على الاهتمام بالفن في المدارس و الجامعات، كما أن الفن و المتاحف عموما تعتبر جوانب ثانوية من الحياة اليومية،  لأن الفرد الذي يعاني الجوع و المرض و حتى الجهل لا يمكنه أن يهتم بالفن و الثقافة و التاريخ، فضغط الحياة الاجتماعية يجعله بعيدا عن جانبه الإنساني المرهف الذي يلتقط الفن كزاد روحي. من جهة ثانية يقول الباحث بأن ذلك لا يعني أن الشعب لا يملك الحس الفني، بل هو موجود كما علق، لكن تبقى إمكانية ترقيته  مشروطة بعوامل اجتماعية و اقتصادية و كذا بتغيير الإيديولوجيات، مشيرا إلى أن ثقافة المتاحف و رغم أنها ضعيفة إلا أنها موجودة منذ العهد الاستعماري و قبل ذلك فالأتراك الذين حكموا لقرون كانوا يهتمون بالتماثيل و يزينون بها قصورهم إلى غاية مرحلة معينة من التاريخ بدأت معها الأفكار في التغير.

الفنان أحمد بن يحيى  
نظرة المجتمع للتماثيل مستمدة من فهمه للعقيدة و الحل يكمن في الاجتهادات
علاقة القسنطينيين بالتماثيل حسب الفنان التشكيلي و النحات أحمد بن يحيى، لطالما كانت معقدة و متشعبة الفصول، فبالرغم من الانفتاح الكبير الذي كان يميز المجتمع في سنوات الستينات و السبعينات إلا أن المرحلة التي تلت الاستقلال عرفت تعالي أصوات طالبت بالتخلص من التماثيل الفنية القليلة الناجية من عملية التأميم الواسعة التي قامت بها السلطات الفرنسية قبل مغادرتها الجزائر سنة 1962، وقد اختلف معارضو هذا الفن في حججهم فمنهم من اعتبر التماثيل مخلفات استعمارية تذكر بمرحلة سوداء من تاريخ الجزائر وجب محو كل أثارها، ومنهم من عارض النصب من باب عقائدي و ديني بدعوى حرمة تصوير الخلق.
الفنان قال بأن المجتمع يعي جيدا الجانب الجمالي لهذا الفن لكنه يقلل من قيمته كموروث حضاري و تاريخي و جزء من الهوية، لأن شعوره بالنفور تجاهها يجعله يتجنب رؤيتها من هذه الناحية، و السبب هو تمسكه بالعقيدة و احترامه لها، وبما أن الشريعة الإسلامية تعتبر التماثيل و تصوير  خلق الله حراما، فإن الجزائري يميل عموما إلى النظر إليها بسلبية.
يضيف المرحلة الأسوأ بالنسبة لهذا الفن بدأت مع توافد المشرقيين إلى الجزائر لتعليم أبناء البلد بعد الاستقلال، إذ أن غالبية من توافدوا على المدارس و الجامعات نشروا أفكارا متعصبة نوعا ما غيرت مفهوم الجزائريين للثقافة و الفن، وقد ساء الوضع أكثر سنوات التسعينات مع بداية الأزمة الأمنية و انتشار الفكر التكفيري، و من ثم عرقلة عملية بناء الفرد ثقافيا و فكريا ما أفقد الفن قيمته.
مع ذلك فإن الجزائري يملك القابلية لتذوق الفن و الدليل هو أن آخر معارضه  استقطب 30 ألف زائر في شهر واحد، ما يعني أن علاقة الجزائري بالفن و النحت و التماثيل قابلة للرأب، لكن يبقى ذلك مشروطا بوجود اجتهادات من قبل علماء الدين تربط تطور الصورة و أهميتها الحضارية بدور الفن في بناء الفرد و المجتمع.

شعيبي عبد الحق رئيس مصلحة النشاط بمتحف سيرتا
 علم الآثار في الجزائر حديث و فهم التراث يتطلب أجيالا
 يؤكد رئيس مصلحة النشاط بمتحف سيرتا بقسنطينة عبد الحق شعيبي، بأن نفور المجتمع من التماثيل نابع من ارتباطهم العقائدي و نظرة الدين لهذا الفن، وهي حقيقة تتجلى بوضوح من خلال عدم اهتمام زوار المتحف بالمنحوتات و التماثيل الفنية الجميلة المعروضة، رغم كونها نماذج أصلية دقيقة و باهرة تعود لقرون مضت و تروي قصص حضارات تعاقبت على المدينة.مع ذلك تصنف اهتمامات الزوار حسب نوعهم القسنطينيون يركزون أكثر على الفترة النوميدية و يبدون اهتماما كبيرا برؤية سيف ماسينيسا و بعض القطع النقدية القديمة و كذا اللوحات الزيتية، بينما يركز الطلبة الجامعيون على الفترة الرومانية و تحديدا الفخار و نمط الحياة و العملات النقدية، أما العامة من الزوار فتستهويهم أكثر اللوحات الزيتية.  وحسب المتحدث فإن زوار المتحف عموما لا يبدون اهتماما بالتماثيل ولا يسألون عنها  إلا نادرا  بالرغم من أن المتحف استقبل السنة الماضية  5 آلاف و 700 زائر، و قبلها بسنة بلغ عدد الزوار 6 آلاف ، بينما كان يصل العدد في الفترة ما بين 2010 و 2011 إلى 10آلاف زائر. و يرجع المتحدث مشكلة هذا الفن أولا إلى الوازع الديني، إضافة إلى غياب مرشدين سياحيين يتولون مهمة تحفيز فضول الأشخاص و جذب اهتمامهم، كما يرى بأن علم الآثار في الجزائر حديث العهد حسبه، و تكوين أفراد يهتمون بالتراث و يفهمون قيمته يتطلب أجيالا و سنوات، لا بد أن نؤسس خلالها لاستراتيجيات ثقافية جديدة.

الرجوع إلى الأعلى