حكـــايـات العــتبـة
العنوان هو العتبة الأولى للعمل الأدبي. فكيف يختار الكاتب عناوين كتبه وهل يجد صعوبة في هذا؟، وهل يتدخل الناشر عادة في اختيار العنوان أو رفض عنوان الكاتب واقتراح ما يراه هو الأفضل والأنسب للعمل، وهل يختاره من زاوية فنية أو من زاوية تجارية بحتة؟. أيضا يلجأ الكثير من الكُتاب إلى تكليف بعض الأصدقاء المقربين بأمر اختيار ما يرونه مناسبا من عناوين لأعمالهم الأدبية سواء كانت روايات أو مجموعات شعرية أو قصصية. إذ يحتار الكثير منهم في اختيار العنوان، وهناك من يتردد في وضعه على غلاف كتابه، وهناك من يبقى عمله معلقا في المطبعة ينتظر الإفراج، إذ يبقى الكاتب أسير التردد والانتظار حتى آخر لحظة يتم فيها اختيار العنوان والموافقة والاستقرار عليه. حول هذا الموضوع يتحدث بعض الكتاب والأدباء في ملف «كراس الثقافة» لهذا العدد، وهذا انطلاقا من تجاربهم الخاصة.
استطلاع/ نـوّارة لحــرش
الأخضر بركة/ شاعر
قد يكون العنوان مراوغا وقد يستعير الشعر والجنس للتسويق!
تنشأ العنونة في مجال الكتابة، بمختلفِ أصنافها وأجناسها، بوصفها خطابا موازيا، يقوم مقام العتبة، أو يأتي بمثابة الاسم الطباعي في الوسط التداولي بين القارئ والمؤلّف، وتجارة الكِتاب. وهي قد لا تخلو من اعتباطيّة في العلاقة بالمتن، كما لا تخلو من مقصديّة ما، يؤوّلها المتلقّي.
الأكيد أنّ العنوان يتأخّر عن ولادة النص، لدى المبدعين. حتّى أنّ بعضهم قد يحتار في إيجاد العنوان المناسب بعد الانتهاء من الكتابة، إذ يقتضي الأمر أن يأخذ الكاتبُ مسافة ممّا كتب ليقف على تسمية ممكنة، للعمل الأدبي، ينطوي في رمزيّتها على علاقة ما بالمكتوب، سواء من حيث الموضوع، أو شكل الكتابة، أو التيمة الغالبة. وهذا يعني أنّ العنونة تنبني على إمكان تأويلي من قبل المبدع تجاه نصّه المنجز. و العنوان هنا يلعب دور التسمية المميّزة للعمل، في حقل القراءة، أكثر من كونه مفتاحا لمغاليق ما في النّص. فقد يكون في العنوان شيء من النص، وقد لا يكون. شيء شبيه بالاسم للكائن البشري، ولكنّ وظيفته أساسية في التداول النقدي وغير النقدي في سوق القراءة والطباعة والنّشر وإعادة النشر.من الظواهر السائدة في مسألة العنونة، سواء في المجال السردي أو الشِعري، هو شعريّة اللغة. إذ صار ثمّة ميل كبير إلى الترميز، وتفادي المباشرة في صياغة لغة العناوين، بشكل يكاد يُشعر القارئ بعشوائيّة ممكنة، ترتبط بجلب القارئ، وإثارة انتباهه، وتسويق الكتاب، أكثر ممّا ترتبط بضرورة جماليّة تقتضيها العوالم الداخليّة للنصّ. قد نستسيغ العنونة الشعريّة للنص الشعري، إذ تكون لغة العنوان من طينة لغة النص. ولكنّ الملفت، والمحيّر هو شعريّة العنوان للعمل السرديّ. إذ تصير لغة الشعر ذات وظيفة إشهاريّة، تنبيهية للبضاعة السردية. وأقول بضاعة، لإحساس القارئ بأنّ الهدف التجاريّ يضع قدمه بقوّة، في صناعة عنوان مفخّخ، لاصطياد فضول القارئ. وهو ما يمكن أن نلحظه أيضا في العنوان ذي الإيحاء الجنسي والتركيب الشعري الاستعاري لمحتوى سرديّ ما قد ينطوي وقد لا ينطوي على أيّ دلالة تمتّ إلى ذلك. وهنا يمكن أن نفهم التدخّل الذي قد يكون لصاحب المطبعة في صناعة العنونة، باتفاق مع المؤلّف، أو بنصح المؤلّف بالعدول عن عنوان لصالح عنوان آخر أكثر جاذبيّة.للعنوان أيضا أثره السلبي، في العلاقة بالقارئ، حين يحكمه منطق المراوغة، إذ يوحي للقارئ بما ليس في النص، فتخيب توقعاته، بعد القراءة. كما قد يحجب قيمة النص، حين يوحي بما لا يحبّه القارئ. كأنْ يتعرّض هذا النص للإهمال، أو التهميش، لأنّ العتبة تفتقر إلى جماليّة الجذب والإثارة. وهنا تصبح العنونة مسؤوليّة إبداعية حرجة يتحمّلها المؤلّف، ويتحمّلها معه أيضا رجل المطبعة في تسويقه للكتاب. وهو أمر يضعنا أمام سؤال صعب متعلّقٍ بالعتبة النصيّة التي يبدو أنّها لم تعد، في زمن الطباعة، ملكَ المؤلّف المبدع وحده. كما أنّها ليست إبداعا محضا، مثل الإبداع الداخليّ للنص. بقدر ما هي أيضا خبرة ومهارة ومعرفة بعوالم تسويق الكتاب.

محمد العيد بهلولي/ روائي
سحره ضروري ووضعه ليس بالأمر الهيّن
العنوان في التعريف الدلالي هو قناة أو أداة وبوصلة تؤدي إلى موضع أو محطة أو شخص معلوم. بواسطة العنوان نصل للمراد الوصول إليه. في الكتابة قد نصل للمؤدى ذاته تقريبا، غير أن العنوان في الكتابة يشتمل غالبا على مساحات عديدة من الأفعال والفصول والأحداث يجمعها عنوان واحد دال على مجملها/ العناوين تتمايز من جنس أدبي إلى آخر.
فعنوان القصيدة قد يختلف على عنوان القصة، وعنوان القصة يختلف عن عنوان المقال العلمي أو النقدي والسياسي. أما بالنسبة لي وحسب تجربتي المتواضعة أرى أن العنوان يجب أن يكون جامعا لكلّ خيوط الموضوع، عنوانا موحيا للنص الروائي والقصصي بالخصوص، مشوقا ومشيرا على دخيلة العمل، محفزا، يدفع بالقارئ لاقتناء الكتاب. كثيرا ما نستقي فحوى النص من العنوان، نقبل عليه أو نتجنبه. إذن قوة العنوان وسحره ضرورة معنوية دامغة.
ليس سهلا إدراج العناوين كما يتخيل البعض، هناك عناوين تتطلب وقتا معينا لتثبيتها نهائيا. فكثيرا ما أتردد بين عدة اختيارات، للموازنة أو للمقارنة بين من تعبر على المضمون وبين من هي بعيدة عنه. أحيانا ينطلق الكاتب من عنوان ما قبل الشروع في الكتابة وعلى ضوء ذلك العنوان الجاذب يستمر الكاتب في الكتابة، يستحضره في كلّ مرة إلى أن يفرغ من النص.
هناك من يستقي العنوان من قلب النص، من محور أو مفصل أو كلمة نافلة، أحيانا ينتظر الكاتب زمنا كي يدرج العنوان المناسب، وفي زمن الانتظار هذا تحضر الصدفة في التسمية، هكذا دون استئذان يقفز العنوان إلى الذهن، وإذا به يؤدي المقصود الذي عبرت عنه الرواية أو النص القصصي.
إلى هنا أعطي بعض العناوين الجامعة لتلافيف النص وما أكثرها، على سبيل المثال لا الحصر اختار عنوانا للروائي   -شتاينبيك- «الأوطوبيس الجامح thewayar dbus –»، الغريب لـــ albert camus – «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ، «الشيخ والبحر» لهمنغواي، «حضرة الجنرال» لكمال قرور. تبقى عملية اختيار العناوين بالدرجة الأولى من اهتمامات الكاتب مؤلف النص. أمّا ما يخص العناوين التجارية فتبقى المسالة في نظري تفاوضية بين الناشر وبين الكاتب. لا أدري بالضبط إلى أيّ حد يمكن للعناوين التجارية أن تغري باقتناء الكِتاب أم تسيء إليه. لم يسبق لي هذا الأمر لذلك يبقى رأيي بين بين.

بشير مفتي/ روائي
الذي يجذبك أحسن من الذي يشعرك بجفاء
عندما أدخل مكتبة أتساءل ما الذي يجذبني لهذه الرواية من أول نظرة وما  يجذبني لتلك الرواية. في البداية لا شك أنّه العنوان، إن كان عنوانا موفقا فلا بدّ أن يكون هو أوّل شيء تتوقف عنده. صحيح العناوين مخادعة، بعض الكُتاب يحسنون صناعة العناوين واللعب على أوتار محددة عند جمهور معين مثلا أو يحسنون تأليف عناوين مثيرة بينما نصوصهم لا تحمل جديداً، أو ما يغري بالقراءة. العنوان مهم للنص الأدبي سواء أكان شعرا أو رواية أو قصة قصيرة أو حتى أفلاما سينمائية.. وهنالك كُتاب يكتبون بشكل جيّد لكن لا يحسنون تأليف عنوان جيّد. عادة ما أنصح هؤلاء أن يستشيروا ناشرهم إن كان ناشرا مهتما ومتذوقا وقارئا جيدا للأدب، فالعنوان الذي يجذب أحسن من ذلك الذي تشعر نحوه بجفاء أو لا يستفزك ولا يثير فيك حماسة الدخول، وأنا أتحدث هنا عن مجتمعاتنا التي لا تقرأ كثيرا، وليس عن مجتمعات القراءة التي لا يرتبط الأمر عندها بالعنونة فحسب بل بالنص نفسه، بدليل أنّه في فرنسا توجد دور نشر كثيرة لا تستعمل أي صورة في الغلاف وتقدم النص عاريا للقارئ من دون تزيين خارجي، نحن في وضع مختلف بحاجة أن نستعمل كلّ الطرق لجلب القارئ ولفت انتباهه وإغرائه بالقراءة، لهذا ضروري أن يكون للعنوان قيمة مفكر فيها جيدا، سواء من طرف المؤلف أو الناشر.بعض العناوين تبدو بسيطة جدا مثل «على الطريق» لجاك كيرواك، أو حتى «لوليتا» لنابوكوف، أو «مدام بوفاري»..الخ، وبعض العناوين تبدو ساحرة للغاية مثل «مائة عام من العزلة» أو «عصفور الليل الماجن»، «العجوز الذي يقرأ روايات عاطفية»..الخ. بعض العناوين لأحلام مستغانمي تبدو لي تجارية محضة مثل «ذاكرة الجسد» أو «عابر سرير» أو «فوضى الحواس» وكأنّها تركز على نقطة محددة تريد أن تستميل بها القارئ وهي ليست لوحدها في هذا المجال، كثيرون يفعلون ذلك رغم أنّها الأكثر نجاحا وشهرة ولم تعد بحاجة إلى مثل هذا العزف على وتر واحد.لا أدري إن كنت وفقت شخصيا في عناوين رواياتي، وإن كنت أجدها تعبر عن الحالة التي عشت فيها وكتبت عنها -حالات عنف مأساوي وألم وجودي.. بعض العناوين شعرت أنّني أبدعت فيها بعض الشيء مثل «أرخبيل الذباب» و»أشجار القيامة» أو «بخور السراب» أو «دمية النار»، والبعض الآخر أتمنى أنّها كانت جميلة ولم تزعج قارئي، إنّني أفضل الآن السهل الممتنع، والبسيط الجاذب مثلما كان الشأن مع روايتي «غرفة الذكريات» أو الأخيرة «لعبة السعادة، الحياة القصيرة لمراد زاهر». وبالنسبة للنصوص التي تخرج عن النوع الأدبي ومفتوحة على الشعر والنثر فأفضل أن تكون مجازية أكثر مثلما فعلت مع نصوصي «والأرض تحترق بالنجوم».

أحمد طيباوي/ روائي
يأتي بالتزامن مع الكتابة أو أثناء المراجعة
لا أحدد عنوانا لرواية أكتبها من البداية، ولا أجهد نفسي في ذلك كثيرا، فالعنوان يأتي بالتزامن مع كتابة النص أو أثناء مراجعته، أو حتى بعد الانتهاء منه. العنوان أول العتبات وأهمها، وأحسب أن الكاتب يولي لعناوين نصوصه أهمية خاصة، كي تعبر عن تلك النصوص على النحو الذي يجذب القارئ ويغريه بها، ثم إن العنوان يبقى لازمة للنص بعد الانتهاء من قراءته، بل ويرسخ في ذاكرة القراء أكثر من أي شيء آخر في الرواية. وهنا يؤخذ في الحسبان -إضافة إلى الجانب الإبداعي- الجانب التجاري والتسويقي.
كان اختيار عنوان «موت ناعم» مقصودا لجهة جعل من لم يطلع على النص يتساءل كيف يكون الموت ناعما، وينشأ لديه فضول عن هذه المفارقة في عنوان الرواية، ليجد الإجابة في المتن بأنّ البطلة أنثى مثقفة تبحث لها عن دور في مضمار الحياة الخاصة والحياة العامة، لتجد كلّ السبل تسوقها إلى الموت الناعم كمرادف للضمور تحت وطأة ظروف خشنة تغالب مصيرا تريد هي أن تعيد اختراعه. أما «مذكرات من وطن آخر» فكان عنوانا للتاريخ المضاد، لنقيض الوقائع والأشخاص المروج لهم في التاريخ الرسمي، أردت أن أقول من خلاله بأنّ هذه الرواية تسير عكس خط الرسمي الثوري والرسمي الناتج عنه بعد الاستقلال وحتى الآن. «مذكرات من وطن آخر» تسجيل لحالة اغتراب ومنفى داخلي غير معترف به من قبل «الرسميين» يمثلها الصديقان -بطلا الرواية: علاوة دراز ومصطفى عبد الباقي- كما تمثلها المجاهدة فطيمة عبد السلام، التي اختارت منفى طوعيا على العيش في وطن لا يشبه وطنا كانت تناضل من أجله.
«المقام العالي»، باكورة نصوصي كتابة وآخرها صدورا، تتضمن حكاية ملونة بسوداوية تلك المرحلة العصيبة، أو ما أصبحنا نسميه العشرية السوداء، وتبين أن الحياة لا تحتفظ أبدا ببراءة البدايات. إذ تُخرج الأزمات أسوأ ما في البشر ضد بعضهم البعض ولو كانوا ذوي قربى، وكيف تعيد الظروف تشكيل الإنسان في صورة لم يتوقعها هو أو غيره. إنّها رواية غنية بشخوص متفردين، بين سلبيين ومنقادين، وانتهازيين بلا ضمير، وفاضلات وساقطات، وهامشيين تمر عليهم الحياة كأنّهم ليسوا شيئا مذكورا.    وكان للعنوان إحالة على مقامات المريدين، وكيف أن أبطال الرواية يرهقون أنفسهم في المجاهدة والارتقاء من مقام يرونه لا يليق بهم إلى آخر يبتغونه. يجاهدون في معاكسة مقام الحال إلى مقام عال يرون أنفسهم جديرين به، والخلاص من حقيقة أنّهم كانوا مسحوقين في القاع دون أن يستمع إليهم أحد. ولكن الفشل كان متربصا بهم في الأخير.

عبد الكريم ينينة/ قاص وناشر
وجه الكتاب وهويته
غلاف الكِتاب أو دفتاه وسيلة قديمة جدا وضعت لحماية ما هو مكتوب داخله، وتعددت مواد صناعته في القديم، أما في عصرنا فهو وجه الكِتاب وهويته التي تعرف بالعين للوهلة الأولى، فبنظرة أولى نعرف عنوانه الذي يحيلك منطقيا إلى موضوعه إن كان أدبيا أو غير ذلك، ونعرف كذلك اسم مؤلفه وناشره.
من المتعارف عليه هو أن يكون عنوان الكِتاب الأدبي معبرا عن المحتوى، أو محيلا إليه، فهو العتبة التي منها نلج إلى العوالم الموجودة في المتن، لهذا خصصت الدراسات الأكاديمية ما يعرف بقراءة العتبات، وتشمل الغلاف ككل، يحظى العنوان بالحصة الكبرى، أغلب الكُتاب يتركون وضع العنوان إلى ما بعد الانتهاء من كتابة النص، أي بعد أن يكتمل كائنا من اللغة، تماما مثلما نفعل مع المواليد من البشر، ومنهم من تتحدد الفكرة العامة والتيمة لديه مسبقا فيضع العنوان مع بداية العمل أو قبل اكتماله، وهكذا يفعل بعضهم أيضا مع المواليد بعدما يتم تحديد جنسهم عن طريق صورة «الإيكوغرافي»، وفي المحصلة فإنّ وضع العنوان صعب جدا بالنسبة للكاتب، فهو واجهة النص ووجهه الذي ينظر الناس فيه قبل النظر في تفاصيله الأخرى.في صناعة الكِتاب يتدخل الناشر أحيانا ليقترح على الكاتب تغيير العنوان، يكون ذلك لسبب تقني أو تجاري أو لسبب آخر سياسي أو اجتماعي تفاديا لمتاعب تنجر عن ذلك، إذ لا يحدث هذا إلا في الدول العربية أين لا زلنا لم نتقدم كثيرا في مجال الحريات، وما زلنا نرسف أيضا في أغلال تقاليد اخترعها سابقونا لحماية القبيلة.
كثيرا ما يقترح الناشر عنوانا للكِتاب من زاوية تقنية بحتة، كأن يكون العنوان غامضا أو طويلا فوق اللازم أو غير معبر أو يكون مسبوقا، وأحيانا يفعل ذلك من منطلق تجاري فيقترح عنوانا يدور في فلك «الطابو» لإدراكه بأن كلّ ممنوع مرغوب، ولكي يضمن بعض الرواج للكتاب تجاريا، غير أن اقتراح تغيير عنوان الكتاب الأدبي نادرا ما يحدث في الجزائر، أما مع الكُتب الأخرى فيحدث ذلك، خاصة مع الكِتاب التعليمي أو شبه المدرسي الذي يتمتع برواج تجاري كبير.

خالد بن صالح/ شاعر
هاجس لا يختلف عن النص
شكل عنوان الكِتاب بالنسبة لي، ولا يزال هاجسا إبداعيا لا يقل أهمية عن محتوى ما أشتغل عليه من قصائد ونصوص. في كُتبي الثلاثة كان العنوان هو أكثر شيء أفكر فيه وقد يطول زمن التفكير مع بعض الأصدقاء الذين أثق في آرائهم ليتجاوز الأشهر. نُشرت مجموعتي الأولى إلكترونيا أو جانب كبير منها بعنوان: «مطر خفيف يخدش زجاج النافذة». ولكن عندما بات أمر النشر الورقي مُتاحا ترددت كثيرا في الإبقاء على هذا العنوان لولا مقترح الصديق الكاتب أحمد عبد الكريم بعد قراءته لعنوان: «سعال ملائكة متعبين». وهو العنوان الأنسب في اعتقادي للكِتاب من عدة نواحي. أما عنوان مجموعتي الثانية: «مائة وعشرون مترا عن البيت». فجاء بمحض الصدفة بعد عودتي إلى البيت من جنازة أحد الأقرباء، وكنت أفكر في خطاي التي شرعت في عدها لأقرر لحظتها بعد نقاش مع زوجتي لم يستغرق بضع دقائق لأن يكون العنوان هو المسافة بين البيت والجبانة. عنوان كتابي الأخير: «الرقص بأطراف مستعارة»، كان العنوان الأصعب بالنسبة لي ولا أنكر أنني كنتُ متوجسا منه، اقترحته عليّ الصديقة «يارا المصري» والتي ترجمت عدة مقاطع ونصوص من الكتاب إلى الانجليزية، وتمسكتْ به منذ اللحظة الأولى. أما أنا، وربّما لأنّني كنت غارقا في ذاكرة التسعينيات، فعدلته ليصبح: «كلب يحرس جثة صاحبه»، ثم كانت مقترحات الصديق الكاتب زياد عبد الله الذي أورطه معي دائما منذ أن كنت أرسل له قصائدي إلى «أوكسجين» بدون عناوين. من بين اقتراحاته: «الأيام في لحظة سابقة». وأشار كذلك إلى عنوان «الرقص». لتكون بعدها عودتي النهائية لعنوان «الرقص بأطراف مستعارة» الذي حين فكرت فيه أردت أن يلامس المأساة ويقترب منها بفعلٍ حياتي صريح.
أستطيع وأنا أختصر بعض اللحظات التي شكلت ملامح عناوين كتبي، أن أجزم بأنّ اختيار العنوان يخضع عندي للمعايير الفنية وفقط. ولم يحدث أن تدخل الناشر في مقترحاتي لأيّ سبب كان. ليس من باب إقصاء هذا الأخير الذي قد تكون لديه رؤيته الفنية وإنّما للانحياز إلى الإبداع وروح القصائد التي تقضي مدة طويلة من حياتك معها، ثم لا يمكن أن تتخلى عنها في اللحظة الحاسمة. حتى الأصدقاء الذين يشاركونك قراءة ما تكتب منذ البداية، لا شك ستكون لهم مقترحات جميلة تساعدك في اختيار عنوان كتابك.

الرجوع إلى الأعلى