عازف اللون
تتجاوز أعمال التشكيلي القسنطيني صادق أمين خوجة الوقت و الثقافات و تخفي لغة عارف متمرس نهل بعمق من تاريخ الفن، و طريقة تعبير ذاتية لها القدرة على استيعاب كل جوانب الذاكرة و تمثيل القديم و التالد و الموروث في آن واحد، كما تفرض على المتلقي البحث عن معانيها خارج ما هو موجود في الإطار، لأنها تبدو مشتتة ولا يمكن فك لغز قطعها و حلقاتها دون الرجوع إلى أعماله السابقة، كما في رحلة إنشائية لا مكان لكلمة «محطة عابرة» فيها، لبروز مكنونات التغيير و الحرص على التأصيل فيها.
مريم بحشاشي
و بين رمزية «الايديوغرام» و تركيبية الأكياس البلاستيكية و الشبكية النسائية وفن التلصيق  يسرد صادق أمين خوجة مغامرة فنان نجح في التحرّر من كل قيود التيارات الكلاسيكية و أوجد له بصمة خاصة تحمله إلى مصاف التشكيليين العالميين.

لقد استغل الفنان سحر الجوارب الشبكية النسائية و عنصر الإغراء فيها للتعبير عن ظواهر و مواضيع حساسة من خيانة و استهزاء و تلاعب بالعواطف و طلاق، فكل مادة تطوّع بكل سهولة بين أنامل أمين خوجة و تتحوّل إلى حروف و لغة خاصة تعكس جرأته في فضح و تحليل الأشياء ببعد نظر تماما كاختياره و تحبيذه للون الأسود المهيمن على أعماله و الذي لم يكن تلقائيا و لا اعتباطيا و إنما انتقاء يعكس نضج و طول تأمل و بحثا فيما وراء الأبواب المغلقة و الهوات المظلمة و المجهول و الوجود المطلق و الكثير من تعابير الحسرة و التفاؤل و التشتت و الثبات و الجنون و العقلانية و صراعات الروح الفنية الرافضة لسذاجة و مرارة الواقع.
زرناه بمكتبه بالمدرسة الجهوية للفنون الجميلة بقسنطينة، للحديث عن تجربته الطويلة في عالم الألوان الذي يطغى عليه الأسود و المغرة (بين الأصفر و الأحمر)، محاولة لفهم تقنياته و محاوره العصية على الفهم لتشابكها تارة و تشتتها تارة أخرى لتنوّع خاماتها سيّما بعد استحداثه و استخدامه عناصر جديدة كانت محل إعجاب و اهتمام زملائه التشكيليين و زوار معرضه الأخير المنظم على شرفه خلال تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية لما لمسوه فيها من تطوّر ملفت في تقنياته بعد طول غياب عن فضاءات العرض.
سيمفونية مجنونة تعزف ألحان ذكريات متشابكة
الدكتور صادق أمين خوجة المتخصص في تاريخ الفن و المدير الحالي للمدرسة الجهوية للفنون الجميلة رفض بحسه الفني إغفال أي محطة في تجربته الفنية الممتدة على قرابة نصف قرن، لأنها أشبه بسيمفونية مجنونة تعزف ألحان ذكريات متشابكة، و حتمية قدر، سطرت مسيرته و رتبت خطواته و جعلته يلتحق بهذا المجال صدفة ذات يوم من صيف1967، بعد مشاركته في مسابقة الالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة سمع عنها في آخر لحظة و لم يترّدد في تجريب حظه، في اجتياز ثلاثة اختبارات، أسر بأنه فشل في أهم مقياس فيها و المتعلّق باللون، لتجرئه على  الخروج عن محور الامتحان و تعمده رسم غابة بألوان قاتمة، لكن القدر و الحظ لعبا دورا مهما في التحاقه بالمدرسة بفضل عملية الإنقاذ التي طالته بسبب العدد القليل جدا للطلبة المتوجهين نحو تخصص الفنون التشكيلية في تلك الفترة و الذي لم يتعد العشرة طلبة.
أبهرنا بذاكرته القوية و هو يصف بدقة كل جزء في مدرسة الفنون الجميلة في نهاية الستينيات و التي كانت مجرّد فضاء صغير بورشتين و مكتب للمدير بالمتحف الوطني سيرتا، مؤكدا بأن الفضل في إعادة بعثها من مجرّد ورشة بالمسرح الجهوي  كان يديرها التشكيلي روجي ديبا ابن الرسام المعروف غيستاف ديبا، إلى مدرسة مستقلة يعود إلى المدير محمود طاوطاو و الأستاذ آندري بارتيي مدير المتحف آنذاك و السيد بوجنانة الذي كان يشغل منصب رئيس بلدية قسنطينة وقتها، حيث فتحت المدرسة أبوابها عام 1964بأربعة طلبة فقط ، لأن شباب الاستقلال لم يهتموا كثيرا بالفن التشكيلي باعتباره مجالا مرفوضا بالكثير من الأسر القسنطينية، بما فيها عائلة الفنان.
يتذكر صادق بيت طفولته المتواضع بقلب المدينة العتيقة بشارع «فارنا»حي غيموز حاليا، أين ترعرع بين والدين و أربعة أشقاء يعد هو أكبرهم، و محل والده المعروف بحرفة صناعة النحاس التقليدي بسيدي بوعنابة بحي السويقة العتيق و الذي كان قبلة مشايخ الفن القسنطيني كالشيخ علي خوجة و معمر براشي، و عمار خطابي و غيرهم من أصدقاء والده الذي كان ينتسب هو الآخر للأسرة الفنية القسنطينية.
حديث الفنان عن ذكريات الطفولة يجعلك تشعر بأنه لا زال أسيرا بداخلها و يرفض مغادرتها، حيث ذكر بأن قصته مع الألوان مدهشة لأنها أول ما تعلّمه في صغره بفضل والدته، و ألوان و أشكال «الزليج» الذي كان يزّين مختلف زوايا منزلهم القديم، بدار «بن سنسار»، لخصوصيته الفنية و التقنية لهذا الفن العريق، و يلخص صادق ذلك بتعبيره «ولدت من والدين أميين، لكن بيتنا كان مفعما بالحس الفني بين أنغام الموسيقى و صوت النقر على النحاس و ألوان خيوط الطرز».
و من الصور التي بقيت راسخة في ذهنه إلى غاية دخوله المدرسة و طاردته حتى بعد سفره إلى فرنسا لمتابعة دراساته العليا في الفن التشكيلي، صورة الكتاب الذي رآه مرميا على الرصيف في حيه، و لم يدرك أن ما حمله بين يديه و أعاده إلى مكانه، يسمى كتابا لأنه لم يتذكر رؤية كتاب ببيتهم الصغير طيلة طفولته مثلما قال، مؤكدا بأن صور الانبهار لم تختف بل كانت تعود كلما وقف أمام مكتبة مثلما حدث له بعد استضافة صديقته الفرنسية الثرية له بقصر عائلتها أين وقف مشدوها و هو يرى غرفتين كاملتين مخصصتين للكتب، ليدرك حينها بأن تعلّقه بالزليج لم يكن صدفة و إنما قدرا، لأنه لو ترعرع بين الكتب لكان مصيره مختلفا حتما.
من جزرة إلى باقة زهور برنار بيفي
ولعه بفن الرسم كان واضح المعالم منذ نعومة أظافره، لأنه أبهر معلمته و هو في الطور الابتدائي برسم متقن لجزرة لدرجة حفز المعلمة على تعليق إنجازه على الجدار دون أن يدرك بأن قدره سيحمله إلى ذلك المجال الذي دخله دون تخطيط مسبق، و الذي رفضته والدته بشدة و اعتبرته اختيارا سيئا و الأخير في قائمة التخصصات المحبذة لجيل المتعلمين آنذاك و أعربت له عن تخوّفها على مستقبله و تأثيره على أخوته باعتباره الابن البكر.
 و بأسلوبه الطريف و تلقائيته المعهودة قال صادق أمين خوجة أنه يعتبر نفسه محظوظا كون والديه كانا أميين و إلا لرفضا انتسابه لعالم الفن التشكيلي، الذي اكتشف ميله و انجذابه المستمر نحوه في ماي 1967 بعد استفادته من فرصة العمل في عملية إحصاء للسكان كانت الأولى من نوعها بعد الاستقلال،  تحصل بفضلها على بعض المال، فأسرع إلى محل بأقواس حي عبان رمضان حاليا كان يدعى «كوفاديس» و كان متخصصا في بيع أدوات الرسم، و كانت أول مرة يدفع فيها ثمن  مجموعة ألوانه الزيتية الأولى من ماله الخاص، و يسرع لتجريبها و هو الذي لم يكن يعرف عنها شيئا و لا عن كيفية استعمالها، لكنه تمكن من تجسيد أول رسم له بهذه الألوان على علبة للحذاء و كان عبارة عن إعادة لرسم تعبيري يحمل صورة باقة أزهار جميلة من توقيع الفنان الفرنسي برنار بيفي، فكان ذلك تمهيدا لالتحاقه بعالم الفنون الذي حمله إلى فرنسا و هي المحطة التي يتذكرها بكثير من الحنين و الحزن و الفخر أيضا.
الجزائري و الأجنبي الوحيد بين أرستقراطيي فرنسا
 فابن مدينة قسنطينة الفقير على حد تعبيره وجد نفسه بين أبناء الأثرياء و الارستقراطيين بفرنسا و كاد أن يستسلم و يتخلى عن كل شيء بسبب نظرة التمييز التي عاناها من بعض أساتذته لولا روح التحدي و دعم صديقته الثرية «كلير بريدون» الذي منحه فرصة الاستمرار و التخصص في تاريخ يعد الوحيد على المستوى الوطني في تحصيل دراسة منهجية متكاملة في تاريخ الفن.
و عن تجربته يروي صادق أمين خوجة قائلا بأنه و بعد تلقيه فرصة عمل بجريدة النصر كمصمم و مخرج صحفي و احتكاكه بأسماء إعلامية لامعة في بداية سبعينيات القرن الماضي لا زال يتذكر بعضها، اختار الاستسلام لإغراءات صديق له لم يكف عن مراسلته لإخباره كم الحياة ممتعة للفنان الطموح، لكن اختياره كان بمثابة مغامرة حقيقية، حيث سافر و رأس ماله لم يتعد 300فرنك فرنسي وقتها.
اعتبر انعدام المختصين في كتابة تاريخ الفن بالظاهرة غير المفهومة ببلادنا، و تذكر سنة التحاقه بجامعة باريس 10، عام 1975 أين كان يعد الأجنبي الوحيد في دفعته بقسم تاريخ الفن ، و الذي كان يتشكل من 80بالمائة من الطالبات، 50بالمائة منهن من الطبقة البرجوازية حسبه، الشيء الذي حمله على التفكير في ترك كل شيء، خاصة و أن الأساتذة المحاضرين و المساعدين كانوا ينظرون إليه نظرة لا اهتمام، و يتساءلون عن سر  تواجده بين الفتيات الجميلات، مؤكدا بأن أكثر زميلاته كن يعتبرنه من العائلات الثرية أو من أمراء الخليج.
مغامرة بطعم بؤس فناني مونبرناس
و لم يخف فناننا المعاناة و الصعوبات التي واجهها لأجل تحقيق حلمه،حيث شبّه نفسه بفناني مونبرناس في بداية القرن العشرين(1910)و ما عانوه من بؤس وفقر، حيث لم يكن يجد ما يأكله و كان يتحايل للحصول على طعام من خلال استغلال بطاقة الطالب لدخول مطعم الجامعة، و الجلوس أمام أي طالب و انتظاره حتى ينهي وجبته ليقوم  بحمل صينيته للاستفادة من حق الطعام الإضافي.
كل تلك الذكريات الحزينة كانت تهون أمام عشقه للفن و أمله في احترافه، إلى غاية تحسن أوضاعه بفضل الوظائف الموسمية التي كان يقوم بها في العطل لتحصيل المال الكافي لدفع تكاليف إقامته و دراسته، حيث تمكن من تأجير قبو بالطابق السادس بحي راق بالدائرة14بباريس، إلى أن ضحك الحظ له بفضل زميلته الثرية «كلير بريدون»، التي منحته فرصة البقاء بقسم تاريخ الفن، بعد أن ساعدته على تقديم بحث معمق حول «بول سيزار»أمام لجنة مهمة أشاد أعضاؤها بتمكنه الكبير في قراءة و تشريح عمل فني بتلك الأهمية، و هو ما أنقذه و مكنه من البقاء بذلك التخصص، ليكون أول جزائري يتحصل على ليسانس و ماجستير ثم دكتوراه في تاريخ الفن.  
سيزار .. لقاء أسطوري غيّر نظرته للفن
و من المواقف الطريفة التي وقعت له خلال مشواره كطالب جامعي، لقاؤه بالنحات المشهور سيزار الذي كان في حالة سكر يومها، و الذي روى له و لزميل له بالجامعة، كيف أنه أراد يوما ما  رؤية الفنان المشهور  بيكاسو و طلب بكل عفوية ذلك و تفاجأ باستقبال هذا الأخير له في بيته أين اشتكى له سيزار معاناته من نقص الإلهام طالبا النصح و التوجيه فتفاجأ برد بيكاسو «افعل مثلي ارسم أي شيء» فعمل بنصيحته و منذ ذلك الحين تعدت شهرته الحدود  و دخل باب الخلود.
و قد أثر ذلك الحوار على أمين خوجة ، تماما كما تأثر في بدايته برواد الحركة الانطباعية، خاصة بعد زيارته لأول معرض دولي لرواد هذا التيار، أين اعتبر نفسه متأخرا بمدة قرن عن غيره، و زاد ولعه بالالتحاق بركب الحداثيين بعد رؤيته عن قرب كبار التشكليين أمثال كلود موني، كامي بيساربو و بيرت موريزو، أوغيست موروار، ألفريد سيسلي، الذين تأمل لوحاتهم الأصلية في معارض ليس من حظ أي كان حضورها.
«المسفوف»للحفاظ على روحانية الفن
للفنان طقوسه الخاصة التي يرفض التخلي عنها مهما كان الثمن، حيث تعوّد على تخصيص يومي الجمعة و السبت لتجسيد أفكاره الإبداعية في ورشته الكائنة بحي عواطي مصطفى بقسنطينة أين يحتفظ بجل أعماله التي تعد بالمئات و التي أكد أنها تزيد عن 1500لوحة، قال أنها تعبّر عن أحاسيسه و رؤاه التي يعجز عن التعبير عنها بالكلمات و يفضل ترك المساحة للألوان و الأشكال و مختلف المواد لتجسيد ذلك مكانه، آسرا بأنه تعوّد على أكل «المسفوف» الذي يحضره بمفرده بالورشة حتى لا ينشغل عن فنه و لا يفقد خيط إلهامه الذي يأسره إلى غاية وضع لونه الأخير في أعمال قال أنه راض عنها و عن ابتكاراته في مجال الفن التشكيلي، لأنه أول من استعمل البلاستيك و شرائح «ديا بوزيتيف» و الجوارب النسائية التي يبقى لكل  منها حكاية خاصة و إلحاح داخلي و إدراك و حاجة ماسة للتعبير عن كل ذلك بأسلوب مغاير يحمله في الكثير من الأحيان عن التساؤل عن سر لجوئه إليه تماما كتساؤله في الماضي عن سر استعماله و تفضيله للألوان القاتمة التي أصبح اليوم ينتقيها بكل قناعة و بإدراك تام، مثلما قال، معلنا حبه لكل ما هو أسود و مظلم و عميق و لا متناهي و ليس له معنى، لأن المعنى بالنسبة له و بلغته الفلسفية لا يوجد داخل اللوحة و إنما خارجها، معلّقا « مع مرور العمر يصبح من الممكن فهم ذلك بنظرة نفسية و عقلية و فلسفية».    
م/ب

كمال رحمة ناقد فني
أشعار غنائيـة راقية بألـوان مغرة
أفضل الحديث عن صادق أمين خوجة بالتقيّد بمعارضه بدءا بمعرضه الأخير المنظم في إطار قسنطينة عاصمة الثقافة العربية بين شهري ديسمبر 2015 و جانفي 2016، أين لاحظت رضا الفنان عن معرض فني خاص به من حيث المستوى و التوزيع و المضمون المنتقى بمهارة و ذوق راق، بدا جليا في مجموعته التي تضمنت 104لوحات جسدها في العقدين الأخيرين.
وإن كان ليس من السهل الحديث عن لوحات أمين خوجة بشكل انفرادي لأنها متشابكة فيما بينها، فلوحاته تتمتع بحركية وديناميكية، باعتبار كل لوحة تتحدث عن فترة معيّنة.
المعرض كان مهيئا بطريقة ذكية ومدروسة تعكس ذوق المشرف عليه و هي زوجته الفنانة ختيمة. فاللوحات  كانت إما معروضة في تجاويف تختلف فيها نتوءات الرسومات البارزة، بفضل العمق الذي يفرض على المتلقي باحترام مسافة تأمل كل لوحة بحسب ما تقتضيه فمنها ما تفرض الاقتراب كثيرا منها لحسن قراءة كل جزء منها وثمة ما يفرض الابتعاد بمسافة لا تقل عن 35سم للاطلاع عليها بوفاء، مما يضفي حركية خاصة، تجعل المتلقي كقارئ يتصفح كتابا أو شخص يستمتع بألحان موسيقى جميلة، لو سحب جزءا ما عنوة غاب الانسجام، والتنظيم واضح في أعمال صادق و يفرض اتباع تسلسل معيّن لفهم انجازه وفنه الذي يمتد إلى قرابة نصف قرن من الزمن، و التي لا يمكن الإلمام بها دون معرفة مسبقة لمسيرة الفنان. المعرض في حد ذاته كان تظاهرة، وليس مجرّد عرض عادي، بل كشف عن انجازات فنان من منظور و مفهوم خاص وبيّن تميّز مبدع فاجأ زملاءه التشكيليين تماما كباقي المتلقين العاديين ممن تعوّدوا على الأعمال التقليدية ، بأعمال جديدة فيها نوع من التنقيح، و الاستمرارية و التنويع في أعمال متجانسة ومتناسقة تكشف عن وحدة متراصة تتنوّع لأجل تقديم رؤى أكثر وضوح، من خلال ما اعتبره أقرب من الـ «إيديوغرام» أو الرسم التصويري للأفكار.
أعمال صادق عبارة عن أشعار غنائية تتجلى في ألوان مغرة، مثل لوحاته الثلاثية التي يطلق عليها اسم تشكيلة و التي ليست مجرّد إعادة  لأشكال نمطية و خاوية المعنى، و إنما هي أشكال مجسدة حسب أحاسيس و أفكار.
هناك أيضا لغة الإشارة وأخرى تلميحية توحي إلى المدينة، والشخوص و الطبيعة و مظاهر الحياة بكل تجلياتها العاطفية والاجتماعية و الفكرية والتي تترجم بصدق بحث الفنان عن ذاته الفنية و رؤاه الخاصة في المجال الجمالي.
كما أراه موضوع الإشارة إلى معرضه في نهاية التسعينات لأهميته في التوثيق لمرحلة شهدت من المفارقات المثيرة و الاندفاع على مستوى التظاهرات الفنية وبشكل خاص التشكيلية بفضل حرص عديد الفنانين على الصمود و البقاء في الساحة و فرض النقاش الفني وإشراك كل الفئات و المؤسسات فيه  وهي الفترة التي نقرأ عنها في أعمال صادق التجريدية التي تجاوزت حدود القدرة البصرية ببراعته في نقل أحاسيسه و أفكاره المستلهمة من محيطه  و حياته و من أمهات الكتب ودراساته وأبحاثه، دون التخلي عن رغبته في التحرّر من الواقع و التعبير عنه بلغته الخاصة التي برزت في تقنياته المبتكرة وما تحمله من معان فلسفية جميلة، تظهر براعته في إبراز الجمال دون رسمه.
 وكل لوحة لصادق تفرض دراسة و وقتا أكبر لمناقشتها بعمق، و إلا كان ذلك إجحافا في حق مبدع متميّز لا يشبه الآخرين.

النحاتة جنات هبريح دهال
فنــان خجـول صمـت فــأبهـر
استرجعت النحاتة الجزائرية جنات هبريح دهال ذكريات من أيام الدراسة التي جمعتها بالفنان أمين خوجة الذي لا زالت ترى صورة زميلها الخجول والمتواضع الذي انقطعت أخباره عنها بعد سفره إلى فرنسا أين اختار تخصصا مهما وهو تاريخ الفن الذي عمق نظرته التشكيلية و منحه جرأة أكبر على الابتكار و معالجة المواضيع الحساسة بتقنيات و أسلوب قد يجده البعض عصي الفهم خاصة المتلقين العاديين و غير المتخصصين.
و قالت الفنانة بأن زميلها يتمتع بكفاءة عالية و ليس من السهل تشريح أعماله في بضعة أسطر، خاصة تلك التي عرضها في معرضه الأخير و التي فاجأ الجميع بمستواه العالي في ابتكار تقنيات جديدة و بشكل خاص مجموعته المجسدة بالجوارب النسائية و ما حملته من لمسة فنية و نظرة فلسفية و تحليلية ثاقبة.
فالفنان حسبها برهن بتنويعه الكبير و المدروس للمحاور المنتقاة، عن جهود طويلة وعزيمة و إصرار على التقدّم و تطوير الذات الفنية في المجال التشكيلي الذي لا يقبل التقاعس ويقبر كل من يكتفي بالقليل والنمطي فيه.
وعن أعماله قالت أنها متجانسة ومتنوعة بشكل راق تعكس مسار فنان اشتغل كثيرا لتطوير نفسه ورسم خريطة طريق لذلك مدروسة بإحكام لا مكان للاعتباطية فيها، و تجريديته تحتاج لتدقيق و خبرة لفهم معانيها الحقيقية أو على الأقل الاقتراب من الفكرة التي يريد الفنان إيصالها.

التشكيلية لطيفة بوالفول
لا مكان للخطأ و العشوائية في لغة ألوانه
أعمال صادق أمين خوجة تعكس عبقرية  فنان تعب و اجتهد لتطوير تقنياته، و تمكن من تحويل أعماله إلى ما يشبه كتابا يلخص مسارا فنيا حافلا بالمغامرات و الأحاسيس و التأملات و مفعما بالأحداث المثيرة التي تخفيها كل لوحة كما في رحلة استكشافية تنقل المتنقل من عمق و سحر الجنوب الجزائري إلى خفايا و تطلعات الفنان و آماله.
و الأمر الأكيد الذي لا يختلف فيه اثنان من الوسط التشكيلي المقرّب و المطلع على سيرة و تجربة أمين خوجة هو التطوّر الملفت الذي حققه في العقود الأخيرة.الفنانة تحدثت بإسهاب عن تفوّقه في انتقاء الألوان و التي تكتنز حسبها الكثير من معاني الانسجام و التناسق الراقي، وعلّقت بقولها »أعشق لغة ألوانه التي لا مكان للخطأ و العشوائية، فكل شيء عنده مدروس بدقة لا متناهية».
رصدتها مريم بحشاشي 

 

الرجوع إلى الأعلى