العربية يتيمة في الفضاء الرقمي و أهلها السبب
أكد الأستاذ صالح بلعيد، رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، بأن العربية تعيش اليوم أزمة في الفضاء الرقمي، موضحا بأن الكثير من الأفكار الخاطئة أصبحت تحيط بها وتزيد من المعوقات نحو تكريسها، في حين شدد على أن التعليم في المدارس يجب أن يكون بالعربية الفصحى حتى ترسخ في ذهن التلاميذ بشكل صحيح، مضيفا بأنه حري بالمنظومة التربوية أن تهتم بالقراءة والمطالعة والحوار لتجاوز الصعوبات اللغوية وتفادي الوقوع في الأخطاء.
النصر التقت بالأستاذ صالح بلعيد، على هامش ملتقى وطني حول العربية وعلاقتها بالعالم الرقمي نظم بجامعة الإخوة منتوري بقسنطينة، حيث تحدث أيضا عن دور الإعلام في ترويج كلمات من الدارجة ضمن العربية وعن علاقة الجزائر باللغات الأجنبية.
حاوره: سامي حباطي
_النصر: تحدثتم خلال كلمتكم الافتتاحية عن أزمة تعيشها اللغة العربية اليوم على المستوى الرقمي، هل يمكن أن تفصلوا لنا معنى كلامكم؟
_الأستاذ صالح بلعيد: اللغة العربية لا تعيش أزمة في الجانب اللغوي أو النحوي، بقدر ما تعيش أزمة في جانبها التصنيفي قياسا باللغات الأخرى في الفضاءات الرقمية. ولكنها لغة طبيعية لها مضايقاتها التقنية الموجودة في كل اللغات الأخرى بما فيها اللغة الانجليزية، التي هي اليوم لغة علمية. ويمكن حل هذه المضايقات عن طريق البحث وتراكم المعرفة، لأن التقنيات المعاصرة أوجدت ذكاء صناعيا يسمح لنا بإيجاد الحلول.
والأزمة التي نعيشها اليوم هي في مسألة الاستعمال وعدم الاعتزاز باللغة وفي قضية عدم تماهي اللغة العربية في ذاتها ولذاتها، وهي تندرج على العموم في أزمة الانجذاب إلى اللغات الأجنبية، وهذه مشكلة من الممكن أن نقبلها أو نرفضها، فالكثير من الأفكار الخاطئة تحيط باللغة العربية، على غرار القول إنها لغة متخلفة وغير علمية وأنها غير قابلة للتطوير، ويمكننا أن نتخطاها من خلال التعاضد بين الباحثين واللسانيين ورجال المعلوماتية لكي نبين لهم بأن هذه المضايقات طبيعية ويمكن تقديم الحلول لجعل العربية في مقام الند مع اللغات الأجنبية في العالم الرقمي.
_لكن ألا ترون بأن الإنتاج اللغوي لدينا ضعيف؟ فأحيانا نجد أشياء دون أسماء واضحة لها في اللغة العربية.
_ اللغة تقوم على جانب الإبداع، وفي القرون الأولى التي تسمى بقرون الفصاحة، عاشت العربية مرحلة إبداع، بفضل حركة الترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية، وحصل تعاضد المال العربي في سبيل تدعيم الباحث والمنتج والشعر، وهو ما أحدث نقلة نوعية في اللغة التي كانت مهملة لتصبح لغة العالم. وإذا أردنا للغة اليوم أن تتطور لا بد أن يكون فيها إبداع وتجديد وأن يكون لها مناخ مُلحق بمستجدات العصر، ومستجدات العصر تفرض علينا أن نضع برامج ومناطق لغوية تحدث لنا نقلة نوعية، وهي صالحة لكل اللغات، لأنها توضع في أصلها من بنيات نحوية وصرفية، وجميع اللغات الطبيعية لديها ما يسمى بالمنطق اللغوي الذي يجمعها.
لكن هناك مناطق تنطبق على لغة دون غيرها، فاللغات الأوروبية والجرمانية هي التي تنتج المناطق اليوم، ولكن لديها خصائصها، التي من المستحيل تطبيقها على اللغات الحامية والسامية -أو اللغات الطورانية- لأننا لا نجد ذات المنطق، وهو ما يجب أن ينظر فيه المختصون لتدقيق خصوصيات لغة من اللغات، فالمثنى مثلا من خصوصيات اللغات الحامية والسامية وبداية الجملة بالفعل أيضا من خصوصيات هذه اللغات، وقضية الضمائر من خصوصيات اللغات السامية وقضية الإعراب، وهذه من بين المضايقات، لكن أجريت أبحاث وتم حل هذه المشاكل.
_ماذا عن قضية شكل الكلمات، التي يعاني منها كثير من مستعملي العربية؟
_هي من المسائل التي ما زالت قيد البحث، لأن الصائت متضمن في الصامت في اللغات الأخرى، أو ما يسمى بالفرنسية بـ «les voyelles» ، لكن بالنسبة لنا نحن فهي غير موجودة في ذات الكلمة، ولذلك تحتاج إلى أطر أخرى، وهذا الأمر لا تحله علامات الشكل، وإنما تحله المدرسة والتعليم الجيد، حتى ترسخ في ذهن القارئ العلاقة بين الصورة وشكل الرسم، وهذا يأتي بالقراءة المتواصلة والمطالعة، ولهذا كان يجب أن تهتم المدرسة بالمطالعة حتى يرسخ نمط الشكل مع القراءة الصحيحة، ثم لا مشكلة في المرحلة الابتدائية أن يكون الكتاب المدرسي مشكولا حتى يتعود التلميذ على القراءة الصحيحة، لكننا نلاحظ اليوم عزوفا كبيرا عن القراءة، في المدرسة أو في البيت أو في الجامعة، ونحن لن نصل إلى حل لهذه القضايا إذا لم نهتم بالقراءة.
نحن عندما نبحث في مسألة تطوير اللغة العربية، كان الأجدر بنا أن نعطي أهمية قصوى لتشجيع القراءة، وهذه الممارسة العفوية يجب أن تحصل عن طريق البيت والمدرسة لأن التعليم يجب أن يكون بالفطرة. كما ينبغي أن ندرس اللغة باللغة وفي ذات اللغة بأنماطها، دون أن ندخل عليها أنماط لغوية أخرى، حتى يرسخ في ذهن المتعلم الصغير نمط لغة معينة دون أن يقع في الضيم. وهذه الطريقة تسمح للمتعلم بأن يكتسب أكثر من أربع إلى خمس لغات بسهولة، عندما نضعه في حمامه اللغوي الخاص به، لذلك كان من الواجب الاهتمام بالحوار أيضا. تعلم اللغة الأم ممارسة طبيعية ويتم بالفطرة عن طريق وسائط مختلفة، ولا يقتصر على الأسرة، على غرار التلفاز ووسائل الإعلام وغيرها.
_ما رأيكم في الفجوة المتباعدة بين اللغة العربية الأكاديمية ولهجاتها المستعملة أساسا من طرف الناطقين باللسان العربي؟ فالطفل يلجأ إلى العامية كأول لغة، وليس إلى العربية المرجعية للقرآن أو المستعملة في الجامعات ووسائل الإعلام.
_لكل اللغات مستويات مختلفة، واللهجة العامية واحد من مستويات اللغة، ولكن المستوى اللغوي لا يخلو من علاقة مع المستوى الأعلى، وهو ما نسميه بـ»المستوى الانقباضي»، ونعني به لغة العلم والإبداع، بينما توجد اللغة البسيطة ولغة الأنس التي نتعامل بها في حياتنا الخاصة. لكن اللغة العربية لديها فجوة كبيرة بينها وبين دوارجها، ويعود ذلك إلى أننا لا نستعمل العربية التي نقول بأن لديها مستوى راقي، فضلا عن أننا أبحنا لأنفسنا أن نبدع لغات مختلفة في كل مكان، دون أن يحدُث ما يسمى بالردع اللغوي، وهذا الردع لا يعني أن نقارع الناس، وإنما نقصد به أن يكون هنالك تصحيح للغة، لأن الذين يهتمون باللغات، يصححون الأخطاء عندما يسمعون أحدا يستعمل تراكيب محرفة.
لكننا لا نهتم بهذا ونمارس نوعا من التسامح اللغوي، وحتى أساتذة الرياضيات أو المواد العلمية يبررون أخطاءهم بكونهم ليسوا بلغويين، لكن اللغة في الحقيقة مسألة جماعية وليست أمرا اختصاصيا تنفرد به فئة دون غيرها.
السؤال الآن هو كيف نرُد الدارج إلى الفصيح، وهو أن يعود إلى أصوله، وهنالك أبحاث تسير في هذا الاتجاه، وهي مسألة ليست معقدة وتحصل عن طريق المدرسة ووسائل الإعلام، التي يتسامح الكثير منها في المخاطبة بدوارج لا مكان لها في العربية، كما أنه يجب التركيز على القراءة والاستثمار في الموارد البشرية، لأن الشعوب التي ترقت استثمرت في المتعلم الذي سيكون في المستقبل قادرا على إنشاء برنامج جيد في الحقيقة، فحتى لو جئنا ببرنامج جيد من بلد متطور مثل كندا ولم نجد له أرضية مناسبة للتطبيق فإنه لن يعطي نتائج جيدة.
يجب أن نوجد نحن أرضيتنا المعرفية الخاصة بنا، ونهتم بالمُعلم ولهذا نوجه عنايتنا نحن إلى تكوين المُكون، الذي ينبغي أن يكون في المستوى المطلوب، كما أنه من الضروري أن ترسخ في أذهان الناس أنه لا وجود للغة متخلفة وأخرى متطورة، بقدر ما يوجد شعب يهتم بلغته ويرقيها وشعب لا يهتم بلغته فتبقى تعيش على التاريخانية، التي تعتبر أمرا سلبيا ويختلف عن التاريخ، فالعيش على التاريخانية يعني أن تعيش الحاضر على الأمور المأثورة التي عفا عنها الزمن.

_هل هو حال العربية اليوم؟ أهي تعيش على التاريخانية؟
_لا أبدا، فالعربية تعيش اليوم زخما حضاريا متميزا، وخصوصا من سنة ألفين إلى اليوم، حيث نشهد اليوم في العقد الثاني من  الألفينيات أنها تحتل مراتب جيدة عالميا من حيث استعمالها هي الثالثة من حيث عدد الذين لهم مواقع، وعدد الذين يستعملون الأنترنيت أكثر من 100 مليون، وعدد الذين يتلاغون بها يصل إلى المليارين، علميا في الرتبة السادسة، وهي موجودة في كل جامعات العالم والأبحاث والترجمات.
تصلنا بعض المعلومات الخاطئة، مثلا هنالك من يقول بأن ما تنتجه الاسبانية في الترجمة يفوق كل ما يُنتجه العرب، وهذا خطأ، وهي مجرد أشياء استباقية تحقيرية. يوجد في العربية اليوم إنتاج نوعي، ومن يريد أن يتأكد فليذهب إلى الأشياء الذكية، فالأجيال الذكية اليوم لا تفتقر إلى العربية الجيدة، عكس ما كان يعيشه أبناء الأجيال السابقة، فالبرامج أتاحت استعمال اللغة العربية بشكل جيد، لكن مشكلتنا أننا لا نستعمل اللغة، فنحن نساير الجيل الأول الذي جاء في الثمانينيات، على سبيل المثال ما زلنا نكتب الرسائل النصية بحروف لاتينية.
نحن لم نجتهد في تسمية الأشياء، ومازلنا نعاني في الجزائر من الانجذاب الفرنكوفوني، وهل لغتنا غير قادرة على إنتاج ألفاظ الآلة حتى نقوم بنقل الأشياء كما هي؟ توجد كلمات بالعربية لتسمية الآلات فمثلا الفاكس يسمى بالناسوخ، ويجب استعمال الكلمات حتى ترسخ، رغم أنه قد يسجل بعض النفور منها في بداية دخولها الفضاء اللغوي، لكنها بفعل الزمن ستصبح من البديهيات، فالاستعمال أولى.
_ ما رأيكم أستاذ بلعيد في الدعوات التي نسمعها اليوم من هنا وهناك، من أجل التحرر من التبعية للغة الفرنسية وتعويضها بالانجليزية؟ لكن الأمر يجعلنا دائما في تبعية؟
 _الانجذاب اللغوي موجود، لكن لا يجب أن ننكر بأن بعض اللغات أصبحت سباقة على غيرها في كثير من المجالات، لكن مع ذلك تجب الإشارة إلى أن العلم لا يوجد في لغة واحدة، يوجد في الانجليزية والفرنسية والإيطالية والفارسية والصينية وغيرها، كما أن اللغة الانجليزية فرضت نفسها بحكم علميتها، فهي لغة الأمم المتحدة.
أما أن يحدث أن تصبح الانجليزية محل الفرنسية في الجزائر، ففي هذا الأمر نعمل بالقاعدة النفعية، لا يحدث أن نخرج من لغة إلى أخرى نتبعها، ونحن لا يجب أن نتبع الانجليزية فقط، فالفرنسية لديها مواقع متقدمة في مجال الحقوق وفي الطب والسياحة، يجب أن تتعدد نظراتنا وعيوننا فنأخذ عن كل لغة، بعد أن تكون لنا مواطنتنا اللغوية الخاصة بنا، التي هي العربية والأمازيغية، كما أنهما لغتان رسميتان، ويجب أن تسير نظرتنا نحو استعمال مصطلح اللغات الأجنبية بالجمع، وليس لغة واحدة.
والأحرى بنا أن ننفتح على التعدد اللغوي المخطط له مسبقا، فمثلا في الجامعات لماذا لا ندرس بعض مقاييس علم الحاسوب باللغة الانجليزية، في الحقوق مثلا ندرس مقاييس بالفرنسية، كما أننا عندما ننقل العلم من لغة إلى العربية فنحن نثري لغتنا، وعندما ننقل أنفسنا إلى لغة أخرى، فهي قيمة مضافة في لغة أجنبية، ولا يجب أن يقع لنا انجذاب إلى لغة واحدة، فالتعدد هو الخلاص التي تعمل به الدول الأجنبية المتقدمة، ولا يوجد شعب تقدم بلغات أجنبية، كما أن هناك العديد من البلدان الإفريقية التي تستعمل الفرنسية لكنها لم تخرج من تخلفها. الاختلاف لا يفسد للود قضية عندما تكون الغاية واحدة وواضحة.             
س ح

جامعيون يؤكدون في ندوة النصر
العربية غائبة رقميا و الناطقون بها هم  سبب تخلّفها
أجمع أساتذة جامعيون من قسنطينة على أن اللغة العربية ما زالت غائبة في الفضاءات الرقمية، ومازال الإنتاج الفكري المكتوب بها يصدر في الشكل الورقي، حيث تقف عدة أسباب وراء هذا التخلف عن اللحاق بركب اللغات الأخرى، من أهمها عقدة النقص التي كوّنها الناطقون بها عن أنفسهم، لدرجة أنهم باتوا يخجلون من استعمالها، كما أن غياب رؤية واضحة حول وجودها رقميا، سمح بظهور أدب إلكتروني رديء وقراء جيدين لغياب جبهة مقاومة نقدية ترفع من مستوى المحتوى العربي على الشبكة الإلكترونية، بالإضافة إلى أن بعض المؤسسات العمومية تواصل تفضيل الفرنسية على اللغة الوطنية الأولى في نوافذها الرقمية.
جمعها: سامي حباطي
الأستاذ يوسف وغليسي / جامعة الإخوة منتوري
النشر الإلكتروني سمح بظهور كتاب و قراء رديئين
قال الأستاذ يوسف وغليسي، من جامعة الإخوة منتوري بقسنطينة، إن إسهام اللغة العربية في الشبكة الرقمية محدود جدا، موضحا بأن الإحصائيات كشفت عن هذا الحضور الغائب للغة العربية على مستوى الشابكة، حيث اعتبره غير متناسب تماما مع عدد سكان العالم العربي، بل يمكن القول، بحسبه، إنه متناسب تناسبا عكسيا مع نصيب العربية في الشبكة العنكبوتية. وأرجع محدثنا هذا الأمر إلى الكثير من الظروف التي قال إنها أدت إلى هذه النتيجة السلبية. وأضاف وغليسي بأن المسألة المثيرة في هذا الأمر تتعلق بحضور الجامعة الجزائرية، فهي تأتي في مرتبة متدنية في سلم ترتيب الجامعات العالمية، وهذا لا يعني، بحسبه، بأن الجامعة الجزائرية لا تقدم إسهامات علمية جيدة، وإنما يعود الأمر إلى أسباب رقمية بالدرجة الأولى، عبر عنها بالقول «إن مساهماتنا ورقية، ونحن ما زلنا أمة ورقية». وذكر بأن حضور الجانب الورقي قوي في المجال الأدبي والإبداعي، حيث توجد روايات وأعمال أدبية رقمية صدرت في إطار النشر الالكتروني، إلا أن الحضور الرقمي للأدب على مستوى الشبكة العنكبوتية يبقى محل انتقاد، فقد انعكس، بحسب محدثنا، في نوعية رديئة من الأدب على المستوى الإبداعي، في حين ما يزال النشر الورقي في مرتبة جمالية أفضل. وقال أيضا إنه لا وجود للرقابة على النشر الرقمي ولا لمعايير واضحة، بينما يتطلب إخراج أدب جيد «جمارك نقدية»، وقد أتاح هذا الانفلات الرقمي المجال لأسماء أن توجد، رغم أنها لا تستحق ذلك، لكن لا يمكن لأحد أن يمنعها من الظهور رقميا. وأشار نفس المتحدث إلى أنه يمكن إلى حد ما أيضا الحديث عن قارئ إلكتروني، لكنه اعتبر بأنه لا يقل عن الكاتب الإلكتروني رداءة، بل إن القارئ الإلكتروني، بحسبه، هو نفسه الكاتب الإلكتروني تقريبا، «ليبقى القارئ الإلكتروني النقدي هو ما نفقده اليوم»، على حد تعبيره.

الدكتور مراد كريم من معهد علم المكتبات بجامعة قسنطينة 2
 يجب أن تفرض الدولة  على المؤسسات العمومية جعل مواقعها بالعربية
قال الدكتور مراد كريم من معهد علم المكتبات بجامعة عبد الحميد مهري بقسنطينة، إن المحتوى العربي على شبكة الأنترنيت ضعيف جدا مقارنة بباقي اللغات، وحتى بالقياس مع عدد سكان العالم العربي، حيث اعتبرا بأن هذا يعكس قصورا رهيبا في تكوين رصيد عربي على الشابكة، ويعود إلى عدة أسباب، من بينها ضعف الإنتاج الفكري المتاح الرقمي. وأضاف محدثنا بأن النشر الإلكتروني من أهم الأساليب لتدعيم المحتوى على الشابكة، فالنشر ما زال تقليديا في العالم العربي فضلا عن أن الإنتاج الأكاديمي في الجامعات ومخابر البحث ما زال يصدر في الشكل الورقي، لذلك فإن الحركية في شتى المجالات الأكاديمية، وخصوصا في مجال التعليم العالي والصحافة والإعلام، غير مثمنة رقميا وغير مرئية على الشابكة.
وأوضح بأنه من الواجب بذل جهد من طرف مؤسسات الدولة لتدارك الأمر، مشيرا إلى أن المحاولات المسجلة في الجزائر ما زالت مبعثرة وكل قطاع يعمل بمفرده، رغم أنه من المفترض أن تتوحد الجهود لإنتاج رصيد رقمي على الأنترنيت، وفق مخطط واضح. كما أضاف بأن عنصر الفعالية من أهم العناصر التي يجب وضعها على رأس القائمة، من خلال توحيد المعايير والبرمجيات المستعملة في العملية، وقد اعتبر بأنه من غير المعقول أن يعمل كل قطاع ببرمجية خاصة به، لكون ذلك يمنع خلق منظومة وطنية. ونبه محدثنا إلى أن هذا الأمر يجب أن يتم من خلال وضع سياسة للدولة في مجال المعلومات الرقمية باللغة العربية، وأن تكون منخرطة في مشروع واقعي وحقيقي، فضلا عن ضرورة وضع أهداف واضحة على المستويات القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى، كما يجب أن تجسد في إطار نظام وطني، يقوم على مجموعة البرمجيات التي تسير القطاعات المختلفة، ليتكون في الأخير هيكل متكامل يسمح لنا بالولوج إلى منظومة المعلومات وتجسيد المدن الذكية.
واعتبر الدكتور كريم بأن اختيار بعض مؤسسات الدولة للغة الفرنسية في منصاتها الالكترونية من المشاكل المطروحة بقوة، حيث يستوجب هذا الأمر وضع قوانين تفرض عليها أن تكون نوافذها الالكترونية ومواقعها باللغة العربية، لأنها اللغة الرسمية للدولة في الدستور، لكن هذا لا يمنع، بحسبه، وجود ترجمة أو مواقع ثنائية أو ثلاثية اللغات، فيكون لمؤسسة ما موقع باللغة العربية أو الفرنسية أو الانجليزية والأمازيغية، لأن جانب اللغة مهم حتى تكون للمرء هوية في العالم الرقمي، ولا يمكن الوصول إلى هذه الهوية من خلال المحتوى فقط، وإنما يجب أن يترافق ذلك مع امتلاك التكنولوجيا القادرة على تحويلها من هوية مادية إلى هوية افتراضية، للوصول إلى فرض النفس في العالم الافتراضي.

أستاذ اللسانيات بجامعة منتوري عادل بلخيري
العرب يخجلون من استعمال لغتهم ويكتبونها بالحروف اللاتينية
أوضح أستاذ اللسانيات التطبيقية وتعليمية اللغات بجامعة الإخوة منتوري بقسنطينة عادل بلخيري، بأن المحتوى العربي على شبكة الأنترنيت يعرف نقصا كبيرا، حيث تحدث عن مجمع مايكروسوفت التعليمي وإمكانية استثمار هذا المجتمع في رفع نسبة المحتوى العربي التعليمي فيه، وبالتالي على الشبكة عموما، وقد قال إنه اختار هذا المجتمع لأنه نخبوي وفيه طلبة من مختلف بقاع العالم، ويمكن استقبالهم في هذا الفضاء لتوفير معلومات بالعربية لهم. وأضاف محدثنا بأن اللغة العربية تركن في زاوية معزولة في المجتمع الواقعي، لذلك لا يمكن الحديث عنها في المجتمع الافتراضي، ففضاء الشابكة يتطلب القوة وليس كل من ينشر على شبكة الأنترنيت هو أكاديمي، لذلك يظل المحتوى العربي الرقمي ضئيلا جدا بالنسبة للعرب أنفسهم في فضاءاتهم الرقمية، ولا يمكن مقارنته مع المجتمع الدولي الذي لا يعترف إلا بالقوة العلمية، على حد قوله.وأضاف محدثنا بأن المشكلة تكمن في استعمال اللغة العربية حتى خارج الفضاء الرقمي، فمستعملو العربية داخل الأنترنيت يخجلون من لجوئهم لها، لذلك يحولون حروفا عربية إلى معاني انجليزية أو حتى عامية أو يكتبونها بالحرف اللاتيني، فهم لا يتكلفون الكتابة باللغة العربية، في حين يبقى الطموح إلى رفع مستوى المحتوى باللغة العربية خصوصا في المجال الأكاديمي كبيرا. وقال نفس المصدر إن هذه التحريفات «تضرب اللغة العربية في مقتل»،  فأهلها لا يدافعون عنها ولا يمارسونها ولا يكتبون بها، وحتى الذين يستعملون هذه الرموز والكلمات هم من غير الأكاديميين، بحسبه، خصوصا وأنهم باتوا يجدون من يفهمهم في المقابل بهذه اللغة المحرفة، التي لا تحمل حتى معنى اللغة، لكونها فاقدة لأية هوية، ما جردها من أية عناصر قد  تدفع بمستعمليها إلى الدفاع عنها. كما ذكر الأستاذ بأن كثرة مستعملي الرموز العربية الفاقدة لهويتها لا تعني بأنهم محقون، فالسؤال اليوم، بحسبه، هو حول كيفية تنمية الهوية اللغوية لدى المواطن، الذي أصبح يستعمل اللغة الفرنسية في صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي ويجد من يفهم الكلمات باللغة الأجنبية دون العربية.

لعناني عز الدين من جامعة محمد الأمين دباغين سطيف 2
توجد مقاومة لفرض اللغة العربية في الفضاء الرقمي
أفاد الأستاذ لعناني عز الدين من جامعة سطيف 2 بأن مستوى تواجد اللغة العربية في الشبكة العنكبوتية يقدر بنسبة قليلة جدا مقارنة باللغات الأخرى، مشيرا إلى أن السياسة العربية اليوم تبدي مقاومة وصفها بـ»العنيدة» بالنسبة لما يحدث في الساحة الغربية أو في الساحة الرقمية العالمية، حيث توجد، بحسبه، مساع لترقية استعمال اللغة العربية وتعميمها، مستدلا على كلامه بالمدونات العربية، التي قال إن من أهمها مشروع الذخيرة العربية، الذي صادقت عليه الجامعة العربية في سنة 2008، وهو الآن قيد الإنجاز ومركزه بالجزائر، أين يتم إنتاج برامج حاسوبية تقرأ العربية وتتم رقمنة النصوص العربية وله ضمانات مالية وسياسية وزارية مصادق عليها من طرف جميع الدول العربية.
واعتبر الدكتور لعناني بأن الرهان يمكن كسبه في حال انخراط الساهرين على هذا المشروع في العملية، في من الممكن أن يفشل المشروع إذا ساد التشتت في إنجاز مدونات رقمية على الشبكة العنكبوتية، كما قال إن رقمنة العربية بحاجة إلى الاتحاد اليوم.

الرجوع إلى الأعلى