يتناول ملف «كراس الثقافة» لهذا العدد، موضوع التواصل الاجتماعي عن طريق الفيسبوك، ويطرح بعض الإشكالات حول الآثار الاجتماعية والتطورات. حيث أصبحت هذه الوسائل تُشكل محور وعصب التواصل بين الناس في مختلف المجتمعات، والسؤال الذي يُطرح هنا ما هي ملامح التطور التي أحدثتها هذه الوسائل التواصلية في حياة الأفراد والمجتمعات؟ وما هي الآثار الاجتماعية التي حدثت بسببها، أو التي تكون قد نشأت من خلال هذه الوسائل العنكبوتية.
إستطلاع/ نــوّارة لـحـرش
 حول هذا الشأن، يقول الدكتور عبد السلام فيلالي، أنّ أدوات التواصل الحديثة غيّرت في طبيعة المجتمع التواصلي من حيث العدد ومن حيث المكان، وأنّ كثيرا مِمَا تتضمنه وسائل الاتصال الحديثة يظلُ بعيدا عن أهداف الاتصال الجماهيري، لأنّ عنصر التوجيه غائب نظرا لانعدام رد الفعل والتأثير.  في حين، يرى الدكتور العيد كحلول، أنّ «الفايسبوك» الذي نشأ كشبكة تجمع الأباعد أصبح هاجسا يدخل البيوت ليفرق شملها. مؤكدا من جهة أخرى أنّه ورغم ما يستنزفه «الفايسبوك» من وقت ومن حياة المشتركين فيه، إلاّ أنّه ظل مُكتسحا في كلّ مرّة حيزا جديدا وجاذبا منتسبين جدد.
أمّا الدكتور مصطفى ثابت، فيرى أنّ الشبكات الاجتماعية الافتراضية تُؤسس لعالم جديد متعدّد متناغم ومتجانس اجتماعيا ورمزيا، يتشكل فيه طراز جديد من العلاقات الاجتماعية والهويات، ومن جهة تعكس عالما فقدت فيه الجماعات وظيفة الوسيط لصالح الشبكات. ويؤكد الدكتور ثابت من جهة أخرى، أنّه ورغم ما أصبحت تكتسيه شبكات التواصل الاجتماعي من أهمية لا يمكن تجاهلها في حياة الفرد والجماعات، إلاّ أنّها قد تنعكس سلبا على حياة الأفراد وسلوكياتهم.
من جهتها ترى الدكتورة أمينة فلاح، أنّه وبالرغم من إجماع البحوث على الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي، إلاّ أنّ الدراسات الحديثة أثبتت أنّ لهذه المواقع فوائد خاصة على الصحة النفسية. وأنّها تساعد على الإحساس بالاندماج والترابط الاجتماعي خاصة للأشخاص الذين يعانون من صعوبة التفاعل مع المجتمع أو من يشعرون أنّهم من الأقليات، فضلا عن رفع مستويات تقدير الذات وخفض مشاعر الوحدة.
وتذهب الدكتورة سميرة ناصري، إلى أنّ لوسائل التواصل الاجتماعي أكثر من دور فعّال في المجتمعات إذا اُستخدمت من أجل التوعية ومن أجل الثقافة فلا يمكن أن نبقى خارج تيارها خوفا من مخاطرها أو أن نقف في عزلة منها بهدف الحماية.

عبد السلام فيلالي/ أستاذ محاضر –جامعة عنابة
أدوات التواصل الحديثة غيرت في طبيعة المجتمع التواصلي
في علم الأنثروبولوجيا تكون الأداة هي وسيلة فهم تطوّر العمل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية. حيث أنّ تفاعل الإنسان مع الطبيعة والسيطرة على البيئة، هو الذي يحكم تطوّر البُنى الاقتصادية والاجتماعية. وفي العلاقات الاجتماعية تُحيل عملية التفاعل الاجتماعي إلى معطيات تخُصُ جوانب مادية ورمزية، هي مُرتبطة بمحددات البيئة والإنتاج والرموز التي تحكم نشاطها. وحين نُركز على البحث في ماهية التفاعل، يجب الانطلاق من قاعدة فيبرية وهو أنّ الفِعل الاجتماعي هو فِعلٌ موجهٌ بحسب مجموعة من الكودات ووفق ما هو مقبول ومُتاح. فإنّ عامل السلطة (بمفهوم التأثير والتأثر) يلعب دورا حاسما في تحديد وظيفته ثم بنيته. ونستطيع بهذا المرور إلى وصف التفاعل من حيث أنّه مُحايث للبُنى الاجتماعية التي هو منضوٍ فيها، من حيث أنّه يتمأسس وفق الرموز الاجتماعية.
تظلُّ وظيفة التوجيه هي التي تُحدّدُ هُوية التفاعل وبالتالي الخِطاب الناشئ، وأمّا الوسيلة فهي ترتبط بحجم الجماعة فقط. وإذا موضعنا أدوات التواصل الحديثة ضمن هذه الرؤية، نقول أنّها غيرت في طبيعة المجتمع التواصلي من حيث العدد ومن حيث المكان. ففي هذا يمكن مقارنة هذه العملية بمجتمع التواصل في أكاديمية أفلاطون أو معلمي السفسطائية أو الفلاسفة السكولاستيكيين أو مختلف المنابر ذات العلاقة بالمعبد والسياسة. حيث أنّ الجوهر هو ما يتضمنه التفاعل من سلطة (رمزية أو مادية) بين المرسل والمتلقي. إنّ هذا الأمر في اعتقادنا يظل قائما، على الرغم من أنّ المُتلقي مجهول وغير محدد المعالم في حالة أدوات الاتصال الحديثة. تلك خصائص الاتصال الجماهيري، وهي تبقى محكومة بالرسالة وطبيعة التلقي. إنّ كثيرا مِمَا تتضمنه وسائل الاتصال الحديثة يظلُ بعيدا عن أهداف الاتصال الجماهيري، لأنّ عنصر التوجيه غائب نظرا لانعدام رد الفعل والتأثير. فليس كلّ ما يُكتب يحملُ صفة التأثير، وهذا ما يؤدي إلى الانتقال إلى زاوية الأهمية. ففي نهاية الأمر ليس العبرة بما يُكتب بل بالتأثير.

العيد كحلول/ قسم الإعلام الآلي- جامعة بسكرة
بين قصة نجاح مبهر ونظرية المؤامرة المحبكة
ربّما أنّ ذلك الشاب الخجول المدعو «Mark Zuckerberg» لم يكن يعلم أنّه على وشك إحداث تغيير لن يمس حياته فقط بل سيؤثر سريعا على محيطه وعلى العلم بأسره. ففتى هارفارد الذكي الذي كان -في ليلة من ليالي أكتوبر 2003- يتسلى بقرصنة حاسوب الجامعة للاستيلاء على صور الطالبات ووضعها في موقع سماه «Facemash» ساخرا ومُعلقا على صورهم ومُستدعيا زملاؤه الطلبة للتعليق والسخرية أيضا، فتى هارفارد هذا كان يؤسس من حيث يعلم أو من حيث لا يعلم لانطلاق نوعٍ جديد من التواصل الافتراضي. فبعد أن تدخلتْ إدارة هارفارد وأغلقت له الموقع الذي أحرجها، قرر Mark الانتقال إلى شيء آخر دوما له علاقة بالصور والوجوه وقرر تسميته «Thefacebook» أو كِتاب الوجوه، في الرابع من فبراير 2004.
وبعد يومٍ واحد فقط من إطلاقه كان المُسجلون في موقعه قد تجاوز 1500 مشترك. كانوا طلبة من جامعته قرروا أن يضعوا جزءا من حياتهم ربّما العامة وحتى الخاصة في موقعه. وإذا كانت البداية عفوية ومغامرة من شاب جامعي ليس له أيّ خلفيات غير ولعه بالشبكة العنكبوتية، فإنّ الفكرة سرعان ما جذبت أنظار أشخاص لا يمكن أن نعتبرهم ببراءة الشاب مارك في بداياته. ففي سنة 2005 عندما قرر مارك تغيير اسم موقعه إلى ««facebook وشراء النطاق www.facebook.com بمبلغ 200 ألف دولار كان قد تحصل مسبقا على أوّل دعم سخي -يصرح أنّه بـــ 500 ألف دولار- من طرف Peter Thiel أحد أبرز رجال الأعمال ذي الارتباطات العميقة والمتجذرة بلوبي تجارة الأسلحة وكذا وزارة الدفاع الأمريكية. دعمٌ آخر أكثر سخاءً -يصرح أنّه بــ 12 مليون دولار- تلقاه الشاب مارك وكان هذه المرّة من طرف شخص يُعرف بــ James Breyer رجل أعمال ذو علاقات بجهاز المخابرات الأمريكية ووزارة الدفاع الأمريكي. هذا الدعم الأخير دفع صاحبه James Breyer ليتبوأ مقعدا في مجلس إدارة الشركة الناشئة.
خرج «الفايسبوك» من هارفارد سريعا ليغزو بقية جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، فثانوياتها ثم انتشر لبقية العالم حتى قارب عدد المشتركين فيه «النصف مليون» مشترك بحلول سنة 2008. ازداد انتشار الفايسبوك بطريقة مُذهلة وسريعة حتى أصبح ثالث أكثر المواقع زيارة في العالم بعد جوجل ويوتيوب سنة 2015 وسجل أكبر عدد من مشتركي الشبكات الاجتماعية بعدد يقدر بــ1.55 مليار مشترك سنة 2016. تغلل «الفايسبوك» في حياة الناس الذين اعتقدوا أنّه وسيلة تواصل وتقارب تتجاوز الفاصل الزماني والمكاني، ولكن سرعان ما بدأ المحللون وعلماء النفس والاجتماع بدق نواقيس الخطر. فــ»فايسبوك» الذي نشأ كشبكة تجمع الأباعد أصبح هاجسا يدخل البيوت ليفرق شملها، مُبعدا الابن عن والديه والزوج عن زوجته. وبين فكرة النجاح المُذهل لمشروع شاب طموح وفكرة المؤامرة المُحبكة لاستغلال العقول والتجسس على الحياة الخاصة يمضي «الفايسبوك» مُكتسحا في كلّ مرّة حيزا جديدا وجاذبا منتسبين جدد. لتبقى الكرة دوما في مرمى المشترك وكذا المجتمع والأسرة. فــ»فايسبوك» يبقى سلاحا ذا حدين يُعاب مستعمله إن أدمى به معصمه.

مصطفى ثابت/ أستاذ مساعد – قسم الإعلام والاتصال. جامعة قاصدي مرباح-ورقلة
شبكات التواصل تؤسس لعالم جديد وقد تؤدي إلى تدمير القيم
مع التطورات البارزة لتكنولوجيا الاتصال الحديثة ظهرت العديد من مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت، وبشكلٍ مُثير للانتباه قامت باستقطاب ملايين المستخدمين إليها، واشتركت جميعها في خصائص مُعينة لتبرز بذلك كأحد أكبر مواقع الانترنت من حيث الاشتراك والاستخدام، ولعل أهم ما يُميز هذه المواقع تركيزها على بنية العلاقات وأهميتها، ابتداء بالتعارف ووصولا إلى بناء علاقات متينة ووثيقة، وقد ساعد في نجاحها عناصر عديدة تتداخل في الأهمية، حيث مكّنت المستخدم من التواصل مع أكبر قدر ممكن من الأشخاص المُشابهين له في المصالح والانتماءات الديموغرافية وفي آن واحد، وليس ذلك فقط بل ومناقشتهم وتداول الأفكار والآراء معهم بكلّ حرية لم يسبق لها مثيل، لتمكٍّنهم في الأخير من توضيح وإبراز شبكاتهم الاجتماعية وجعلها من المواقع الأكثر زيارة مما يؤدي لصناعة اتصالات بين أفراد لا يمكن أن يكون بينهم أي اتصال بدونها.
كلّ ذلك يجعل من مواقع التواصل الاجتماعي في النهاية تؤثر بشكل فعّال في العمليات الاجتماعية، وذلك من خلال الوصول للإنسان، والمجتمع، ورأس المال، بالإضافة إلى المعلومات والمعرفة، وتقوم بالتأثير الجلي على السياسات والإستراتيجيات والبرامج والمشاريع في مختلف مراحل تصميمها وتنفيذها ونتائجها.
كما أصبح من الممكن إنشاء هذه المواقع لأغراض محدّدة مُسبقا، إذ اُستخدمت لمكافحة الفقر ودعم الحملات السياسية، وباتت مسرحا لتنظيم التظاهرات والاجتماعات، وفضاءً للاحتجاجات على الأوضاع السياسية والاقتصادية السائدة في بعض الدول، ومكانا لإيجاد الوظائف وإبرام الصفقات التجارية وغيرها من الخدمات.
إذن، وفي هذا السياق تؤسس الشبكات الاجتماعية الافتراضية لعالم جديد يعيش داخله مستخدميه، وهو عالم متعدّد متناغم ومتجانس اجتماعيا ورمزيا، يتشكل فيه طراز جديد من العلاقات الاجتماعية والهويات، كما يُعبر تنامي الشبكات الاجتماعية عن تحوّل حاسم في ظاهرة الجماعات الالكترونية، عبر الانتقال من مبدأ التنظيم حسب معيار الاهتمامات، وصولا إلى موضوع الجماعات التي تنتظم حول قضايا مشتركة سياسية أو اجتماعية أو مهنية حسب معيار الأفراد أنفسهم، فالشبكات الاجتماعية تتمحوّر حول الذات وهي تضع الفرد في المركز، كما تعكس عالما فقدت فيه الجماعات وظيفة الوسيط لصالح الشبكات. فالشبكات الاجتماعية في العالم الافتراضي هي ظاهرة تتداخل في تشكيلها عمليات عديدة تتصل بالتكنولوجيا، وبالسياق الاجتماعي، والمسارات الحياتية الخاصة بالمستخدم ذاته مُحولة البنية الاجتماعية التقليدية إلى بنية حديثة مرهونة بشتى التطورات التي تعرفها ميادين تكنولوجيا الاتصال الحديثة عبر وسائلها ومحتوياتها التقنية.
ورغم ما أصبحت تكتسيه شبكات التواصل الاجتماعي من أهمية لا يمكن تجاهلها في حياة الفرد والجماعات، إلاّ أنّها خلفت أمامه جملة من الرهانات والتحديات التي قد تحولها في أي لحظة من شبكات عالم افتراضي إلى فوضى الكترونية تتجاوز كلّ العمليات والعلاقات الاجتماعية لتنعكس سلبا على حياة الأفراد وسلوكياتهم، ولعلّ أبرز القضايا التي أثارها استخدام الشبكات الاجتماعية مسألة الهُوية والخُصوصية وإشكالية العزلة الاجتماعية، فالأمان والخصوصية لم تكن الأولوية الأولى لمالكي هذه المواقع نتيجة لذلك تعدّدت المخاطر التي قد لا يدرك المستخدمون مدى تأثيرها، فقد يتشاركون بأكثر مما يجب سواء في الأمور الشخصية أو ما يتعلق بأماكن عملهم، وما يخص شؤونهم المالية والتغييرات الحاصلة في حياتهم اليومية، مما يتسبب في مشاكل كثيرة بدءًا من الإحراجات الاجتماعية وانتهاءً بالملاحقات القانونية.
وعلى نفس المِنهاج يُحذر كثير من الدارسين والأخصائيين النفسيين من خطورة إدمان الأفراد على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لِمَا له من انعكاسات سلبية على حياتهم وسلوكياتهم، حيث تؤدي إلى تدمير قيم المجتمع ومعاييره وانتشار السلوكيات المضادة كالجريمة والعنف والفوضى وغيرها من التأثيرات السلبية.
وبين مؤيد ومعارض لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي وسياقات توظيفها تبقى هذه تكنولوجيات الاتصال وتقنياتها المتنوعة بريئة من سوء الاستخدام، وأنّ الحلول لكلّ عقباتها برمته مرهون بطبيعة المستخدم ذاته، وحدود إدراكه ووعيه بما لهذه التكنولوجيا من تداعيات وتأثيرات عليه كفرد أولا وعلى مجتمعه والبيئة الإنسانية ككلّ ثانيا.

أمينة فلاح/ أستاذة وباحثة في العلوم السياسية -جامعة قسنطينة 3.
خطـــــــر على الصحــــــــة النفسيـــــــة
لقد اقتحم الإعلام الجديد أو مواقع التواصل الاجتماعي: فاسيبوك، تويتر، أنستغرام، سناب شات، واتس آب... حياتنا وحتى نفسياتنا دون استئذان، فكان لها من الأثر السلبي على حياتنا النفسية ما يقابله من الأثر الإيجابي، فقلصت تلك المواقع المسافات بين الأفراد وحصرت التواصل بينهم في مجرّد النقر على الزر بعد أن كان تواصلا حقيقيا وجدانيا (التخاطب اللغوي، المصافحة، الابتسامة...) مُخلفةً بذلك آثارا قد تكون مُدمرة على النفس البشرية.
فقد أثبتت الدراسات العلمية أنّ الأشخاص الذين يقضون ساعات طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر عرضة للضغوط النفسية العالية على رأسها الرُهاب الاجتماعي، الاكتئاب، القلق، الانطوائية والعزلة، ضعف الروابط الأسرية والفشل في إقامة علاقات اجتماعية داخل المجتمع. وأكدت أبحاث لمتخصصين في الصحة النفسية، أنّه كلّما زاد استخدام الفرد لأكثر من 07 مواقع للتواصل الاجتماعي يُضاعف 03 مرات من احتمال الإصابة بالاكتئاب والقلق مقارنة بمن يستخدم موقعين أو أقل، كما أنّ قضاء أكثر من ساعتين في التصفح يؤدي للانطوائية، العزلة، الأرق والانتحار.
وفي دراسة نُشرت على دورية «أجهزة الكمبيوتر والسلوك البشري» في أفريل 2016، أثبتت أنّ التواصل الافتراضي شيءٌ مهم إلاّ أنّه لابدّ وأن يظلّ مُكملا للعلاقات الحقيقية وليس بديلا عنها. وأوردتْ أنّ متابعة مِنصّات مُتعدّدة يخلق تصورا غير واقعي لدى المستخدم ويُفقده علاقاته على أرض الواقع ويُسبب الشعور بالانعزال نتيجة اعتماده على العلاقات الافتراضية المُضللة، لهذا أوصت الدراسة بضرورة تقليل المنصات المُستخدمة واختيار المفيد منها فقط.
وبالرغم من إجماع البحوث على الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي، إلاّ أنّ الدراسات الحديثة أثبتت أنّ لهذه المواقع فوائد خاصة على الصحة النفسية. فالمواقع الأكثر انتشارا كـــ»الفايسبوك»، «تويتر» و»اليوتيوب» تساعد على الإحساس بالاندماج والترابط الاجتماعي خاصة للأشخاص الذين يعانون من صعوبة التفاعل مع المجتمع أو من يشعرون أنّهم من الأقليات، فضلا عن رفع مستويات تقدير الذات وخفض مشاعر الوحدة. واستطاعت هذه المواقع تحقيق نتائج إيجابية لعلاج مرضى الاكتئاب والقلق والانتحار والاضطرابات النفسية، من حيث منحها ممارسي الصحة النفسية فُرصا ومسارات جديدة لتوفير الدعم النفسي لمرضاهم والتواصل المباشر معهم من خلال المِنصات الاجتماعية الالكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية. وفي هذا السياق طوّر باحثون بجامعة «بورتسموث» بالمملكة المتحدة تطبيقا للهواتف المحمولة يُعرف بــ»أشيائي الجميلة» يهدف لعلاج بعض الاضطرابات النفسية، أين يقوم المستخدم بتحميل أجمل ذكرياته لمشاهدتها مِمَا يُحفز حالة من التسكين الذاتي في حالات المعاناة من المزاج السيئ.
ومع كلّ هذا يجب ألاّ نجعل هذه المواقع الوسيلة الوحيدة أو البديل للتواصل الاجتماعي الطبيعي، فآخر الأبحاث لجامعة «يونغ بريغهام» الأمريكية أثبتت أنّ قضاء وقت سعيد مع الأهل والأصدقاء يُقلِل من خطر الموت المبكر بنسبة 50 %، وأنّ العلاقات الاجتماعية القوية مُفيدة للصحة كعلاج إدمان الخمر والتوقف عن التدخين حيث أنّ ضُعف العلاقات الاجتماعية يُوازي تدخين 15 سيجارة في اليوم، لهذا علينا أن نُحقق التوازن في استخدامنا لمواقع التواصل الاجتماعي وفقـا لقاعدة لا إفراط ولا تفريط حتى نعيش الحياة الحقيقية وليست الافتراضية.

سميرة ناصري/ أستاذة العلوم السياسية ومحاضرة بجامعة خنشلة
لهـــــا دور فعّـــــال إذا اُستخـــــدمت إيجابـــــيا
إنّ ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وفر  فتحا تاريخيا، نقل الإعلام إلى آفاقٍ غير مسبوقة وأعطى مستخدميه فُرصًا كُبرى للتأثير والانتقال عبر الحدود بلا رقابة إلاّ بشكلٍ نسبي محدود وأبرز حِراك الشباب العربي الذي يتمثل بالثورات التي شهدتها بعض الدول العربية، قدرة هذا النوع من الإعلام على التأثير في تغيير ملامح المجتمعات وإعطاء قيمة مُضافة في الحياة السياسية وإنذار لمنافسة الإعلام التقليدي.
أضحت مواقع التواصل الاجتماعي عبر الانترنت، مثل «الفيسبوك» «تويتر» تُعرف بالإعلام الاجتماعي الجديد، الذي يشهد حركة ديناميكية من الطور والانتشار، وقد كان في بداياته مجتمعا افتراضيا على نطاقٍ ضيق محدود، ثم ما لبث أن ازداد مع الوقت ليتحوّل من أداة إعلامية نصيّة مكتوبة إلى أداة إعلامية سمعية وبصرية تؤثر في قرارات المنظمين فيه.
في العالم الرقمي حيث تتلاشى الحدود بأشكالها ويصبح العالم كلّه قرية افتراضية صغيرة بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى تنتقل الأفكار والقيم والثقافات فيه بسرعة الضوء من مكان إلى آخر دون حواجز أو قيود. وعلى ما في هذا الأمر من فوائد كبيرة لجهة تنوّع وتلاقح الثقافات، إلاّ أنّه لا يخلو كذلك من مخاطر قد تؤدي إلى فقدان الهُوية بأبعادها الوطنية والعربية والإسلامية.
وقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي اليوم من المؤسسات المُهمة التي تقوم بدورٍ مُهم في تربية وإكساب سلوكيات جديدة وأداة مُهمة من أدوات التغيير في المجتمع حيث أنّ هذه المواقع كانت المُحرك الأساسي للثورات والمظاهرات والأحداث التي حدثت في العالم مؤخرا وفي العالم العربي خاصة.
ناهيك عن دورها الايجابي والسلبي في حياتنا اليومية تُعد هَذهِ الوسيلة سلاحا ذا حدين خصوصا إذا تُرِكت في أيدي من ليس لهم وعي باستخدامها ونعني بذلك فئة الأطفال والمُراهقين حيث كشفت الدراسات في العالم أنّ أكثر فئة استخدامًا لمواقع التواصل الاجتماعي هي فئة الشباب من سن 15 سنة فما فوق، ففي بلادنا تُعدُ نسبة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي 82 % من مجموع المستخدمين متبوعة بنسبة 24 % للبحث حيث يستخدمه الشباب والمراهقين في الألعاب والاستماع للاغاني.. الخ. لكن لابدّ لنا أن نعي حجم خطر هَذِهِ الوسائل على هؤلاء إذا غاب دور الأهل في المراقبة والمُتابعة، وهذا طبعا أنموذج للاستخدام السلبي إذا تُرِكت بأيدي الجيل الذي يُعُدُ لَبِنَة وطاقة المجتمع.
لو تحدثنا عن مواقع التواصل في الجانب الايجابي ربّما خير دليل لاستخدامها تجربة الانقلاب في تركيا واستخدام وسيلة الفايس تايم من أجل إنقاذ الديمقراطية وقرار الشعب حيث طالب الرئيس أردوغان شعبه بالخروج وحماية الديمقراطية، وبعد لحظات كان الشعب التركي برمته بالشوارع. ومن هنا نجد أنّ لوسائل التواصل الاجتماعي دورا فعّالا في المجتمعات إذا اُستخدمت من أجل التوعية ومن أجل الثقافة فلا يمكن أن نبقى خارج تيارها خوفا من مخاطرها أو أن نقف في عزلة منها بهدف الحماية. علينا الاستفادة من هَذهِ الوسائل في الجانب الذي يخدم طموحاتنا وأهدافنا.

 

الرجوع إلى الأعلى