قمرٌ داخلَ السّوادِ
محمد عادل مغتاجي
كنّا نتفرّج على المرناة، كانت الظلماء مستديرة بحجم حدقة العين البشرية ومطابقة لدورة وجه القمر، وكانت السُّدفة اللونية نضرة، وكان اخضرار السواد أشجارا  مدهامّة، تقع موقع العيون منّا والجبائن، فجأة: صورة  القمر في سماء كأنها اسوداد حتّى اسوادّ الليل، ومرّت الثواني ونخالنا أكثر من سنتين ونحن في مكاننا لا نبرحه وأعيننا مسمرة، القمر رأيته خدا للبياض،  والمسافة داخل الشاشة مدلهمّة، حلكة، دون نكتة واحدة، كأن النور لم يتكلم يوما، ولم تتفتق نار شفاه اللاّبياض، وبدهوش مفاجئ  اكتشفت، لاحت أصابع فأشعلت الكهرباء فوعيت انقطاع التيار الكهربائي، وبقي القمر معلقا في جسد الظلام الأبديّ.

ذُكاءُ البريدِ
 أعجبتها القصيدة، استرجأتني لإنهاء عملها، بأصابعها الذهب، كان وجهها يتفطر بسماوات الحسن تّذاوب على رقّة جبينها، جبال الألب والهملايا وجرجرة ووو، بينما أنا أنتظرها واستبصرها، تذكّرت أن هناك  تناقضاتٍ في الحياة قمينةً بالضحك، كأن تكون بطاقتنا الشخصية القصيدة الرواية انتظرتها أحببنا بعضنا تواشجت المواددة وانتهت بالزواج، فكانت لي وكنت لها، وكان يلوط خاطري: آه لو تمنحني العاملة: عشرين ألف دينار، تشوّفتها، أسافر بها إلى قسنطينة، وضعت بدل البطاقة ورقة بيضاء كالثلج، فيها قصيدة غزلية، كنت شاردا، أخذت ترد عليّ العيون، هل يتغير الإنسان، كيف يتوقف القتل، فلان نادى: علّان: دراهمك، فإذا  بالعاملة تبتسم لي.

الحمامة الفتاة
نامت في عشّها المخضوضر المعسوسل، ذات ضحى ربيعيّ جميل، على شجرة نضرة، جذرها الهناءة المطلقة، أغصانها الهدوء، أثمارها سلال من البهجة والفرح المقطوفتين، دخلت في حلم سخن مفزع، تحولت فتاة جميلة عيناها بحيرتا حسن متدفق، وخداها رمّانتان، جاء شخص واغتصبها، سال دم الشّرف، وفاضت غواربها بالبكاء، لم تستطع إخفاء حسرتها، ساقها مجتمعها إلى الرجم حتّى الموت، بينما هي مكبلة اليدين، سالت بُلالة دمع على خدها فأحرقت ريشها الأبيض، فهي الآن تسبح في بركة  ندم، فجأة جاءت صيصانها وأيقظتها: أمّنا أمّنا هلمّي لنقتات من فمك، فوجدت نفسها حمامة: فقالت والسعادة أنهار على وجهها: الحمد لله أنّني حمامة.

الرجوع إلى الأعلى