الميزونة.. صرخة في وجه الانهيار  وغياب الاستحقاق في المجتمع
أصدر منذ أيام  الإعلامي الصحفي ابن الأوراس الطاهر حليسي رواية «الميزونة الشياطين هم الأبطال» التي تعد
أول إصدار أدبي له، و يعترف في هذا الحوار أن الرواية صرخة في وجه انهيار سلّم القيم ويؤكد أن ممارسة مهنة الصحافة خدمته لأنها وضعته في تماس يومي مع الواقع الاجتماعي، إلى جانب قضايا أخرى تطالعونها في هذا الحوار.   
أجرى الحوار: يـاسين عبوبو
بداية نهنئك على إصدارك الأول، فكيف تولدت «الميزونة الشياطين هم الأبطال»؟
شكرا لك، في حقيقة الأمر فكرة كتابة هذه الرواية «الميزونة» جاءت منذ سنوات بعد مشاهدة عدة أفلام سينمائية مثل العراب و حدث ذات مرة في البرونكس وهذه الأفلام التي حققت شهرة كبيرة اثر انتقالها من الرواية للسينما، وبحكم  أنني عايشت في الحي الذي أقيم فيه شخصيات مرت بمسار خاص واستثنائي رغم كونها شخصيات شعبية. لذا قررت أن اكتب هذه الرواية التي لا تخلو من الادهاش و الغرائبية بل تقاطعت مع أحداث جسيمة عاشتها البلاد على مدار عقدين من الزمن. من انفجار أكتوبر 1988 و التجربة السياسية المضطربة و إلغاء المسار و ميلاد الإرهاب و مأساة العشرية الحمراء ثم المصالحة الوطنية الني مكنت من عودة الاستقرار على الصعيد الأمني.
ما الميزونة ولماذا الشياطين هم الأبطال؟
الميزونة هي كلمة دارجة تعني الميزونات أو دار عسس القطارات. و لست أنا من اخترع هذه الكلمة بل هي مكان يعرفه كل سكان حي شيخي أو حي النصر و مدينة باتنة، و قد اخترتها مسرحا لبداية الرواية ونهايتها، حيث مر بها أبطال الشخصيات و كان مكانا يسهرون فيه ويخططون للسرقة لوقوعها على هامش الحي و لا يصل إليها أحد، كما أنها ذات دلالية قوية فهي عالم موبوء يقع على هامش الحي و المجتمع و قربه سكة حديد حيث يمر القطار.. قطار الحياة. من قبو الظلمة، سينطلق مهمشون في رحلة البحث عن الثراء و الجاه و يصل بعضهم لأعلى المراتب فأزير عبدوس يصبح رجلا ثريا ومقاولا شهيرا و شخصية نافذة ستقفز لمنصب مستثار مدير ديوان رئيس الحكومة. زميله مليك العرفي سيقفز لمرتبة نائب في للبرلمان..أما سركال عبد الحي الشهير بكنية ديغول سيصبح بعدما كان ساقي الخمر بالميزونة، أميرا خطيرا في كتيبة الموت معروف باسم أبو حمزة المغير. من هنا نستنتج أن الشياطين هم الأبطال دلالة على أن من يتولى المشهد، أشخاص يجدون أنفسهم يخرجون من القبو نحو سطح العمارة ضمن إشكالية انهيار السلم الاجتماعي و القيم و التسلق السياسي والمالي.
تمارس مهنة الصحافة لأكثـر من عقدين من الزمن.هل لتجربتك المهنية الأثر في الرواية؟ هل يوجد تداخل بينهما؟
ليس بالضرورة أن يكون كل صحفي روائي أو العكس.التجربة تختلف حسب التكوين و الاهتمام والمطالعة. بخصوص التداخل يملك الصحفي زاوية ابعد من الكثيرين بحكم احتكاكه اليومي بالمجتمع و الطبقات الشعبية، كما أن عمله يجعله أكثر تلقفا لبعض القضايا التي يمكن أن تتحول لأفكار روايات. من خلال تجربتي هناك تداخل حيث وظفت بعض الأحداث التي لم يتسن لي كتابتها أخبارا في الجريدة في هذه الرواية.
وظفت الخيال في نسج فصول رواية انطلقت من بيئتك. فكيف كان هذا التوظيف في رواية مستوحاة من الواقع؟
في بادئ الأمر الرواية هي نوع الرواية الواقعية وربما أدب الهامش أو المزيج بينهما، وهي على هذا الأساس واقعية موسعة بالخيال الذي يمنحها القالب الذي يريد القارئ أن يقدم فيه، لأن الكاتب يضع نصب عينيه أدوات مثل التشويق و المفاجأة أو المفاجعة كي يستمر القارئ لمعرفة النهاية. انطلقت من شخصيات تنتمي للبيئة التي أعيش فيها و رصدت الملحمة الشخصية لكل فرد فيها، وهي مستمدة من فكرة وشخصيات و تفاصيل واقعية تخص عوالم أزير عبدوس و صليح الكوربو و القزمة و ديغول و مليك العرفي ثم حينما ينفذ ازير عبدوس السرقة العبقرية بواسطة القزمة سيتفاجأ القارئ بأن السرقة تزامنت مع يوم 5 أكتوبر 1988، و ما يعنيه هذا التاريخ لذا ستتحول الرواية من مسار شخصي يخص أبطالها نحو سياق عام شهدته البلاد بدء من تلك اللحظة لتنشطر الرواية نحو أحداث جسيمة شهدتها البلاد. سيتحول الصراع الناشب بين الأبطال لصراع جماعي داخل المجتمع. وفي الواقع سيكتشف القارئ أن كاتب الرواية سلط الضوء على مجتمع برمته من خلال شخصيات تعيش مسارات فردية و جماعية تماما مثلما فعل كاتب رواية العراب الصحفي ماريو جونلويجي بيزو الذي لم يرو فقط ملحمة دون فيتو كوليون الذي تحول لفيلم عالمي بل روى قصة فساد المجتمع الأمريكي من خلال علاقات العائلات المافياوية الكبرى مع أجهزة العدالة و السياسة و الشرطة. بعبارة أخرى هناك خطوط وهمية بين السياقين الفردي و الجماعي في مثل هذا النوع من الراويات التي تغوص في خفايا الواقع.
اعتمدت بعض الشيء على العامية في لغة روايتك انطلاقا من العنوان الميزونة وأسماء شخوص شعبيه. فإلى أي مدى ترى أن استخدام هذه اللغة والشخوص تخدم الرواية؟
العنوان فرض نفسه فهو كلمة دارجة معربة من الفرنسية مثلها مثل كلمات عدة نستخدمها كالكمبيوتر مثلا. المصطلح ابن بيئته ويحمل دلالة كبيرة ومكثفة سهلت على الكثيرين التعرف عليه خاصة لأولئك الذين يقيمون في مدينة باتنة وضواحيها. و العامية هي في الأصل كلمات فصيحة حورت بعد الاستعمال، و أنا استخدمت الكثير منها لمصالحة القارئ مع عاميته ستجد أنني استخدمت كلمات مثل القرعة و المغرفة و الطاقة و نتشة و نتفة و هي كلمات عربية فصيحة موجودة قي معجم المعاني و أعدت إدراجها لأنها فصيحة و الناس يعتقدون أنها عامية. أما الكلمات المحلية الشعبية فقد استخدمت بعضها بين ظفرين لإعطاء النص نكهة محلية، و كي يحس القارئ أنها رواية جزائرية الروح و الأسلوب والمضامين. كما أنني وظفت بعض الرموز مثل ثابزيمت أو الخلالة في عبارات ذات دلالة. كما قدمت مشهدا عن العرس الأوراسي التقليدي في رصد لأعراس زمان و الرحابة والسباحة حيث أن أبطال الرواية يرقصون الرقص التقليدي في مشهد العرس كدلالة على البيئة الشاوية الأوراسية.
 رسمت العرس الشاوي في مشهد في الرواية، فماذا يصور الطاهر حليسي من خلال فصول الميزونة وحول ماذا تدور وماذا تريد أن توصل من خلالها للقارئ؟
الرواية هي تتبع لشخصيات من قبو المجتمع نحو سطح الحياة. هؤلاء الأشخاص الذين ينطلقون مثل جرذان تتطير يخرجون من الميزونة التي تعني مكان هامشي مظلم موبوء ليصبحوا أبطالا في الحياة المتصارعة. يتسلقون السلم الاجتماعي بسرعة وقوة و يحتلون مراتب لم يكونوا يحلمون بها. فالبطل زعيم العصابة سيصبح رجلا نافذا يصل لمنصب مستشار حكومي و زميله يصبح نائبا برلمانيا و آخر على النقيض يصبح عدوهما بعدما أصبح أميرا في كتيبة الموت. أنا لا أقدم رسالة ما بدليل تركت الشخصيات تطرح عالمها الخيالي قدمت وجهات نظرهم للصراع و السلطة و المال والنفوذ بل حتي الحب سيصبح وقود النار.. الرواية تشخيص لغياب روح المعنى في المجتمع و انهيار السلم الأخلاقي والوظيفي و ابتذال المبتذل..وهي فضح لمجتمع لا يملك معايير الاستحقاق الشخصي..مجتمع يصبح هدفه المال و النفوذ و النفوذ و المال دون اعتبارات جماعية و اجتماعية يفرضها العقد الاجتماعي و النتيجة أن الأبطال الذين يصيرون شياطين يتحولون لأغوال يلتهمون بعضهم البعض.

ربطت ولادة روايتك بالسينما وتحدثت عن نماذج أفلام سينمائية تأثرت بها، فكيف ترى الترابط بين الرواية والسينما بالجزائر، وهل يمكن أن تترجم الميزونة إلى عمل سينمائي؟
في الجزائر كانت الرواية مرتبطة بالسينما فرواية ريح الجنوب لعبد الحميد بن هدوقة تحولت للسينما عبر الفيلم الشهير في فترة ازدهار السينما الجزائرية. الأفيون و العصا لمولود معمري كانت رواية قبل ان تصير فيلما. ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي صورت مسلسلا قبل سنوات. روايات ياسمينا خضرا الاعتداء و فضل الليل علي النهار نقلتا للسينما. لذا يكون من الطبيعي ان تكون الرواية بما أنها كتابة تحمل صورا و حوارات و قضايا و صراعا عملا سينمائيا و بخصوص الميزونة اغلب الذين قرؤوها  أو تلقفوا مقاطع منها اجمعوا أنها تحمل توابل فيلم سينمائي أو تلفزيوني بما أنها تمتد زمنيا على مدار عقدين من تاريخ الجزائر و تطرقت لمراحل جد حساسة وخطرة من تاريخ البلاد.
الميزونة تشخيص وتعرية للواقع ، لماذا هذه النظرة المتشائمة؟
علينا أن نتفق بأن الكاتب لا يملك الحقيقة المطلقة، الكتابة و السينما والفن هو تقديم وجهة نظر ورؤية و الناجح هو من يكشف له القراء انه يشبههم. الرواية أو الكاتب لا يقدم حلولا جاهزة هو يثير المواجع يفضح ينتقد يصرخ مثلما هي عبارة المثقف الفرنسي الكبير أنا اتهم.. هو يقدم الواقع كما يراه و أحيانا الناس لا يودون النظر إلى حقيقتهم و عليهم على ضوء ذلك ان يتغيروا هذا تحديدا ما سيقع للبطل ازير عبدوس حينما سيسمع رأي الحقيقة فيه دون أن يعرف الشيخ حفار القبور انه صاحب القصة التي روتها له شقراء و عن نبل زوجته حينما حاولت ستره بمالها دون ان تخبره بذلك سيقول اكتشفت الحقيقة كي لا أحقد على أحد بل لاحتقر نفسي. وظيفة الكاتب أن يقدم ما يراه حقيقة كاملة و الحقيقة في حد ذاتها مزعجة. الكاتب يزعج و لا يعالج.
بعد ولادة الميزونة هل من مخاض لرواية جديدة للطاهر حليسي؟
.لدي رواية أخرى ستكون جاهزة خلال الفترة المقبلة وتحديدا المعرض الدولي المقبل. كل ما أستطيع قوله ان الكاتب يكتب ثم يأتي الدور للقراء و النقاد حيث ننوي عقد جلسات عروض وبيع للكتاب بعد تجربة المعرض الدولي للكتاب و الذي كان الهدف منه التعريف بالرواية و التسويق الإعلامي لها.               
ي.ع

الرجوع إلى الأعلى