أَجُسُّ خُفُوتَ اليَدِ الّتِي لَوَّحَتْ ذَابِلَةً
بَرْدُ هَذَا الشِّتَاءِ يَسْحَبُنِي إِلَيَّ فَلَا أَرَانِي
كَأَنَّنِي بَقَايَا النَّدَى عَلَى نَظْرَةٍ تَعَلَّقَتْ
فِي شَرَاشِفِ الغِيَابِ
كَأَنَّنِي مَا يَجْرحُنِي فِي الظِّلَالِ البَاقِيَةِ
مِنْ كَأْسٍ خَاسِرَةٍ
أُشْبِهُ أَشْلَائِي وَلَا أَجُرُّهَا
أَتْرُكُهَا مَرْصُوفَةً فِي الفَقْدِ
عُضْوًا.. عُضْوَا..
تَتَنَاهَشُهَا كَوَابِيسُ طَالِعَةٌ مِنْ قَعْرِ الجَحِيمِ
هِيَ أَيَّامِي الَّتِي بَادَلْتُهَا بِالخُسْرَانِ
لَمْ أُرَمِّمْ صُدُوعَهَا
لَمْ أُسَمّْهَا
خَوْفًا مِنْ تَآَكُلِ مَا بَقِي مِنْهَا
أَحْمِلُهَا كَالسَّهْوِ، وَأَرْفَعُهَا بِحُنْجُرَةٍ
لاَ تَصْرُخُ إِلَّا دَاخِلَهَا
لَا تَبْتَعِدْ أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ فِي هُطُولٍ
تُرَتِّقُهُ ظُنُونٌ جَافِلَةٌ
هِيَ أَنْفَاسِي الّتِي بَذَّرْتُهَا كَمُقَامِرٍ
يَرْهَنُ كُلَّ يَوْمٍ رِئَتَيْهِ لِلصُّدْفَةِ
وَيَلْعَنُ خُطَاهُ الّتِي تَقُودُهُ أَعْمَى
إِلَى سَرَادِيبَ مُوغِلَةٍ فِي العَتْمَةِ
هِيَ أَيْضًا هَذِهِ الفُسْحَةُ
بَيْنَ مَا يَنْتَهٍي فِي الزَّوَالِ
وَمَا يُولَدُ نَاقِصًا
هَذِهِ الرَّجْفَةُ الَّتِي تَزْرَعُ دَبِيبَهَا
بِذَارًا عَقِيمًا فِي تُرْبَةٍ مَالِحَةٍ
حَمَّلْتُهَا مَا يَتْبَعُنِي كَظِلِّي
فِي شُرُودِ الجِهَاتِ
وَكُلَّمَا أَطْعَمْتُهَا خُبْزَ شُكُوكِي
تَمَادَتْ فِي افْتِراسِهَا
أَهُزُّ نَخْلَهَا فَلَا رُطَبٌ جَنِيٌّ
وَلَا قُبْلَةٌ نَازِفَةٌ
فَقَطْ هَمْسَةٌ مَا زَالَتْ تَرْصُدُنِي
وَتُنَادِي عَلَيّ بِغَيْرِ اسْمِي
الَّذِي نَسَيْتُهُ فِي المَطَالِعِ
بِلَا وَجْهِي الّذِي يُصَفِّفُ التَّجَاعِيدَ
فِي خِزَانَةِ الذِّكْرَى
وَيَطْرُدُ عَيْنَيْهِ أَعْمَقَ فِي المَهَاوِي
بِلَا نَجْمَةِ الرَّاعِي
وَلَا دُعَاءِ الأُمَّهَاتِ السَّاهِرَاتِ
أَمَامَ أَبْوابِ الخَوْفِ
حَيْثُ تَذْبُلُ الشَّمْعَةُ الّتِي تَحْرُسُ دُمُوعَهُنَّ
هَكَذَا نَاقِصًا كَمَا أَشْتَهِي
بِحَدْسٍ أَقَلَّ مُنْذُ لَيْلَيْنِ لَمْ أَحُكَّ صِوَانَهُمَا
بِبَرْقِ الدَّمِ النَّافِرِ مِنْ جِرَاحِي
لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ حَجَرٌا
لِتَنْبُو الحَوَادِثُ عَنِّي وَأَنَا مَلْمُومٌ
لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ مَا سَالَ فِي الصَّلْصَالِ
مِنْ وَشْمِ تِلْكَ المَرْأَةِ الّتِي حَبَلَتْ بِرُؤَايَ
عِنْدَ مُنْحَدَرَاتِ البَحْرِ
وَكانَتْ تَحْمِلُ حَطَبًا نَدِيًّا لِتُشْعِلَ
الفَرَاغَ المَفْتُوَح لِنَحِيبِ الخُيُولِ
الغَارِقَةِ فِي الوَحْلِ
لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ أَنَا
بَعْدَ كُلِّ ذَلِكَ الرَّمَادِ
بِلَا رَأْفَةٍ أَيْضًا
لِأَنَّنِي لَمْ أُصَادِقْ الفَرَاشَاتِ
وَهِيَ تَجِفُّ سَرِيعًا عَلَى رَفِيفِهَا
سِرْتُ فِي بَهَاءِ الحَتْفِ
مُوقِنًا بِمَا يَلُوحُ
مُوقِنًا بِمَا يَبُوحُ
وَلَا يَرُدُّهُ صُرَاخُ مَوْتَى يَمْلَؤُونَ السَّهْلَ
وَتَرْقُصُ أَرْوَاحُهُمْ مِنَ الفَزَعِ
لَمْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى أَشْجَاٍر كَمَا ادَّعَوا
وَلَمْ يَسْكُنُوا فِي الأَنْسَاغِ كَيْ يُطَاوِلُوا الجِبَالَ
بَقَوْا وَاضِحِينَ فِي حَفِيفِ الهَوَاء
بَقَوْا سَاهِرِين عِنْدَ شَوَاهِدِهِم
يُكَلِّمُونَ النَّبْعَ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ عُيُونِهِمْ
وَنَشْرَبُ مَاءَهُ كُلَّمَا خَانَنَا النَّهَارُ
وَيَتَنَزَّهُونَ بِأَكْفَانٍ مُخَرَّمَةٍ
تَحْتَ أَمْطَارِ الشِّتَاء
لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْهُمْ لِأَرَانِي...
بِأَنْفَاسٍ مَتْرُوكَةٍ فِي العَرَاءِ وَحْدَهَا
كَأَيْتَامِ الحُرُوبِ
فِي الشِّتَاء الّذِي جَرَّهُ العَرَّافُونَ
مِنْ رُزْنَامَةِ القِيَامَةِ
وَأَسْلَمُوا لَهُ النِّهَايَات
كَانَ بَارِدًا كَمَا لَمْ يَكُنْ شِتَاءٌ
مُنْذُ فَجْرِ الخَلِيقَةِ
كَانَ دَامِيًا
تَحُفُّهُ جَوْقَةُ الرِّيَاحِ السَّمُومِ
وَتَسْبِقُهُ غِرْبَانُ البَيْنِ بِأَعْلَامِهَا
فِي المَجْزَرَةِ الَّتِي تَفْتَحُ أَشْدَاقَهَا..

ميلود حكيم

الرجوع إلى الأعلى