في بعض الأحيان يتحول الاسم إلى جحيم، لعنة تطارد صاحبها وتضعه في حرج، قد يضطره إلى تغيير اسمه أو التنكر له بكل بساطة. كما قد تدفعه هذه الحالة إلى التماهي مع اسمه، وخلق نوع من الانسجام بين المكونين. قد يكون اختيار الاسم في البداية اعتباطا، كما قد يكون اختيارا مع سبق الإصرار، فيكون المسمى ضحية له.
حسيـــــــــن خمـــــــــــري
إن الاسم، كما سبق و أن تكلمنا عن ذلك ليس علامة فارغة ولكنه إضافة إلى وظيفة التعيين التي هي أصلية فهو يميل إلى ثقافة مخصوصة، سواء كانت دينية أو عرقية أو حضارية أو تاريخية. فما هو مرحب به هنا، يصبح محل شبهة هناك رغم أن صاحب الاسم أي الشخص المسمى ليس له أي دخل في القضية ولم يستشر فيها مثل كثير من الشبان الذين يحملون اسم صدام حسين أو ياسر عرفات أو بن بلة أو هواري بومدين أو محمد الخامس.
هؤلاء يتحملون إرثا قد يكونون غير راضين عنه كما قد يفتتنون بأسمائهم إلى درجة التماهي.
لعنة طارق في معركة الزقاق
نجد في رواية معركة الزقاق لرشيد بوجدرة (1986) أن اسم البطل هو طارق، الاسم الذي اختاره له والده فأثقله به ونمى لديه روح الفضول لمعرفة المصدر الأول فأصبح يعيش حياتين متوازيتين، حياة الطبيب، صاحب عيادة في حي راق في الجزائر، وحياة بطل تاريخي غاب عن الحياة منذ قرون عديدة، فأصبح الواقع ظلا للتاريخ. يعبر الراوي عن هذا الإحساس بكثير من المرارة، وفي بعض الأحيان بنوع من الافتخار «سماني به (طارق) يوم ولادتي فخلق بالتالي عقدة رهيبة لم أتخلص بعد منها فغرزها في نفسي إلى الأبد. ولقد حدت بي روح الفضولية أن قرأت فيما بعد كل ما كتب حول هذه المعركة وكل ما صنف حول هذا القائد.»(معركة الزقاق 104)
الاسم أصبح عقدة وللشفاء من هذه العقدة قرأ طارق كل ما كتب حول ابن زياد ومعارك القائد. ربما ليجد بعض التقاطعات بينهما مع فارق في الزمن والشخصية لأن السياق التاريخي ليس نفسه، فمن أنجز الحدث ليس هو من قرأه.
هذا ما أثار سخرية ابن عمه وصديقه شمس الدين الذي علق بقوله: «يا لها من عقدة سماك طارقا وتركك تطرق الأبواب المفتوحة.»(معركة الزقاق57) مثل فرنسي يطلق على الجهد الذي يبذل دون طائل، أو الاجتهاد في عمل لا يتطلب مجهودا لأن الأبواب المفتوحة لا تحتاج لطرق، نطرق الأبواب إذا كانت مغلقة. لقد انتبه شمس الدين إلى عمق العقدة التي يعاني منها ابن عمه طارق لا لشيء إلا أن اسمه يتوافق مع بطل تاريخي أنجز عملا يفتخر به كل العرب والمسلمين بفتحه بلاد الأندلس.
إذا كان طارق يقضي حياته في إعادة بناء صورة خيالية لتمثاله، محاولا «التخلص من «العقدة « ولم يستطع أن يجد شبها له مع «مثاله» وعبثا حاول، فإن عمه حسين والد شمس الدين اكتشف نقطة تقاطع بين «طارقين» اللذين افترقا في الكثير من الخصال واتفقا في الوطنية «حقيقة كنت وطنيا غيورا منذ الصغر....صدق باباك سماك طارق.» (101) ولكن هل يكفي أن يكون اسمنا طارقا حتى نكون وطنيين. ربما هذه الصفة تولدت عند الراوي من خلال قراءته لسيرة طارق ابن زياد.
لم يتوقف تعلق طارق بابن زياد عند قراءة الكتب، المراجع الموثوق بها المتعلقة بهذا البطل، وكذا معركته الحاسمة، لأن التاريخ لم يذكر له إلا معركة الفتح فصوره المؤرخون كبطل نبوي جاء ليقوم بدور ثم يختفي ويكتفي بمعركة واحدة تمنحه صفة البطولة. البطل ظهر كما يظهر الممثلون على خشبة المسرح، لا يذكر ماضيه، معاركه قبل الفتح، ولد بطلا دفعة واحدة، كما لم تذكر معاركه بعد الفتح، ربما لأن قائده موسى بن نصير قد كبحه فأوقف انتصاراته. البطل، يجب أن يموت، حتى لا يهزم، ليحافظ على مكانته في التاريخ ويثبت بطولته إلى الأبد فيبني أسطورته الشخصية.
ولإحياء هذه الأسطورة، أو للتأكد من صدقية الأحداث والألغاز ومكر التاريخ، تبدأ الرحلة على خطى طارق بن زياد، اقتفاء آثاره، بحثا عن دليل مادي يتشبث به الراوي، وقد تكون هذه الرحلة طريقة لبعث البطولة «يا لك من بطل يجري وراء آثار طارق بن زياد.»(51) ربما الأثر الوحيد الباقي هو جبل طارق، إنه الاعتراف ببطولة غامضة أنجزها رجل لم ينل حقه من التاريخ وطمست مآثره، لكن جبل طارق بقي الدليل المادي لانجاز لم يتم الاعتراف به كما ينبغي. إنه التاريخ المنتصر، ربما الجبل الذي وقف عليه يشبه الجبل المقدس قد أنصفه من تعنت المؤرخين و تجاهل الإخباريين.
الرحلة إلى الأصل، جبل طارق، رحلة إلى الينبوع، البدايات الأولى للتاريخ هي في نفس الوقت نائية وفي الوقت ذاته آنية. بعيدة جغرافيا (نسبيا) خاصة مع فصل الصيف، في   سيارة ليست مريحة تماما و من دون مكيف هواء أو مبرد، وعبر طريق شاق وفي بعض الأحيان متدهور، من الجزائر إلى جبل طارق تبدو رحلة سفرة شاقة ولكنها قريبة لأن  الكتب والخرائط وأدلة الطريق والخطابات الأدبية والنصوص السردية جعلتها قريبة وفي متناول اليد أقرب من دقات القلب وليست أبعد من الخيال. مدينة تشكلت سرديا وخياليا عبر القراءات المتنوعة والمتواترة هو ما أثار تساؤل شمس الدين، رفيق الرحلة والمحرض عليها بطريقة خفية وماكرة «أيمكن زيارة مدينة أجنبية نائية لسبب نرجسي فقط؟ أنت أبله يا طارق. فقط لأنك تحمل الاسم نفسه.»(110) يحاول البطل أن يجمع بين سياقين متباعدين تاريخيا، زمن فتح الأندلس وزمن نهاية القرن العشرين مسافة زمنية شاسعة لكن عن طريق المفارقة يحاول طارق أن يعيد التوازن للتاريخ وبنية الأحداث. ما كان مدينة الأهل وبيت إخوتنا أصبح مدينة أجنبية وما كان قريبا أصبح نائيا والنأي هو البعد الأبعد أي الذي يصير من مستحيل الوصول، ألا نقول نأى بنفسه أي ترفع.
لم يكن لطارق أي رأي، لم يستشر في أمره، ولكنه تحمل رغبة صاحب القرار (والد طارق) «سماني طارقا، هزني هذا الاسم بثقله.»(125) ثقل الاسم يحمل صاحبه طول حياته، أليس من حقه أن يصرخ كما المعري (هذا ما جناه أبي علي) ويطالب بأن يكتب فوق قبره. وهل ارتكب أبوه جرما حقيقة ؟ يمكن ترجمة ثقل الاسم على صاحبه بواسطة امرئ القيس «ضيعني  صغيرا وحملني دمه كبيرا.» ألا يمكن أن تنطبق هذه الطريقة على وضعية طارق بطل الرواية؟ لقد حرمه صاحب القرار طفولته، فرض عليه ترجمة نصوص ابن خلدون وكل النصوص التي تتحدث عن مآثر معبوده، دفعه إلى قراءة كل ما كتب عن فاتح الأندلس ولم يترك له وقتا للعب أو المرح مع خلانه. لقد استحوذ على طفولته وجعلها جزءا من حياته الخاصة، خدمة له، وإرضاء لنزوة مدمرة شكلت ذهنية قارئ ما زال طريا فأخرجته من فضاء الطفولة والبراءة إلى ميدان التاريخ بحروبه ومؤامراته ودسائسه وأبعدته عن لغة اليومي والمدرسة إلى لغة الفطاحل وأرباب الخطابة التي تفوق مستواه اللغوي وتتجاوز مداركه العقلية وقدراته العاطفية.
منذ خروج طارق من جبة أبيه لم يستطع التحرر من أوامره ولا التخلص من سلطته، حمله أمانة كبيرة، الجري وراء نموذج تاريخي، رجل أسطوري، ظهر فجأة ليختفي بنفس الطريقة لكن بين الحركتين غطته طبقات من الخطابات والأخبار والأساطير والقصص ولكنها لم تتحدث عنه بعد الفتح. تخلت عنه بعد أن تحول إلى بطل و إلى أسطورة. جاء في مهمة محددة، مرتبطة بزمان ومكان معينين بعدما أنجز المهمة خلد إلى الراحة الأبدية. إنجاز لم يكن أي أحد بقادر عليه إلا طارق بن زياد.
إذا كان اسم طارق بطل «معركة الزقاق» قد اختاره والده لأسباب حضارية عرقية، ولإعجابه بشخصية الاسطورة فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال، قسوة من الأب تجاه الابن، هذا ما جعله يقتنع بأنه أحد ضحايا اختيارات والده الوجودية «هذا ما جناه أبي علي.» هل تبقى الجناية بلا عقاب إلى الأبد؟ لماذا لم يشتك أبو العلاء من أمه؟ بكل بساطة لأن الابن في الشريعة الإسلامية ينسب إلى أبيه، وهذه المشتبه بها في حد ذاتها كافية لإدانته.
ما يوحي به صدر البيت الشعري أن أبا العلاء كان ضحية ولكنه لم يذكر نوع الضرر الذي كان ضحيته لم يقابل العدوان بمثله «وما جنيت على أحد» إنه النفي التام لمقابلة الإساءة بمثلها بما فيها «أبي» الذي هو الجاني الأول.
لكن هناك من جنت أمه عليه، باختيارها اسما لمولودها، وهل يمكن لأم أن تجني على ولدها؟ هناك أسماء اختارتها الأمهات لأبنائها لأسباب عرقية أو عقدية لا تقل مأساوية عن قصة طارق «معركة الزقاق» مع اسمه. فجعلت بهذا الاختيار فلذات أكبادهن يعانون ويحسون بالغربة، كما يتعرضون للإقصاء بسبب شكوك لا أساس لها من الحقيقة، مثل حالة الكاتب العراقي صموئيل شمعون أو حتى التعرض إلى الاغتيال مثل الروائي واسيني لعرج.

الاسم كمحنة  في رواية صموئيل شمعون وفي حياته أيضا!
لقد عانى صموئيل شمعون من ثقل الاسم «قبل أن يتم الاعتراف به من قبل القارئ العربي والاطمئنان إلى نواياه السياسية وموهبته الفنية. بعد خروج الروائي من العراق وتغير السياق التاريخي والسياسي، التقى والدته بأمريكا مطلع سنة 2004، اعترفت لولدها بنبرة فيها الكثير من الندم «هل تعرف، يا شموئيل، بعد لحظات من تسميتك، شعرت بحزن شديد وقلت لنفسي، إننا بهذا الاسم الثقيل، نضع الكثير على كتفي هذا الطفل.» (عراقي في باريس 9) حزنت الأم لأنها حملت ابنها «اسما ثقيلا». ولكنها لماذا لم تغيره مباشرة بعد أن انتبهت لهذا «الجحيم الثقيل»، قبل أن يتم تداوله وقبل أن يعرف به. ربما هذا الشعور بالذنب الذي بقي يلازمها لأنها، بهذا الاسم، قد عرضت ابنها لكثير من المتاعب.
لم تفت هذه الملاحظة الطفل، الذي حمل فوق طاقته، أي ثقل الاسم، الذي بدا له غريبا وسط بيئته اجتماعية أغلبها من إثنية مختلفة، وهذا ما جعله يسأل أمه حول حكاية الاسم محاولا إيجاد تفسير لهذه الغرابة والتعرف على السر في ذلك. أليس وراء كل اسم حكاية؟ يطلب الطفل سماع القصة، وكيف أنجب السرد كائنات تحول بفعل اسمه إلى كائن سردي ليتحول فيما بعد إلى منتج السرد، أي إنه استعاد القصص المتداخلة والمتراكبة لوجوده لجعلها تحكي قصة الحياة.
تقدم كرجية، والدة البطل، قصتين لتسمية ابنها الذي اكتشف أن اسمه غريب (من الغرابة) وهو ما سبب له بعض الحرج، ليس فقط في محيطه القريب، ولكن أيضا في الخارج وسأل وهو طفل من هو شموئيل لتجيبه أمه بأنه نبي، ثم تروي له بنبرة حزينة، لأنها ربما جعلت ابنها نبيا فحملته مسؤولية تفوق طاقته، أجابته قائلة: «في اليوم الذي ولدت فيه، زارنا قرياقوس وسألني إن كنت قد اخترت لك اسما، كنت وحيدة وكنت محتارة في تسميتك، فأخذ قرياقوس الكتاب المقدس وفتحه، ثم سألني عن رأيي في اسم شموئيل، فوافقت على الفور.»(عراقي في باريس 240) هذه هي القصة الأولى للاسم. الاسم له دلالة دينية، اسم نبي، لم يكن الاسم من اختيارها تماما ولكنه كان من إيحاء قرياقوس أحد المسيحيين المتواجدين في مدينة «الحبانية». رجل من بقايا اليونان أو من بقايا الأرمن، تربطه علاقة  صداقة بالعائلة لكونه مسيحيا يعيش في مجتمع تتداخل فيه الأعراق والإثنيات والأديان.؟ إنه اسم مثقل بدلالات دينية وعرقية، ثم كيف قبلت كرجية بالاسم لمجرد اقتراح قرياقوس، أم إنه بفعل سحر الكتاب المقدس.
قد تكون هذه القصة غير مقنعة بالنسبة لطفل يحمل اسما ثقيلا، ولكي تنهي حيرته، ربما حكت له حكاية مختلفة تماما، كانت إحدى جاراتنا تدعى سورما، وكانت امرأة عاقرا، وعندما كانت  أمي حاملة بي قالت لها سورما: «إذا كان ولدا، أرجوك سمه شموئيل» كان حملها دائما أن تنجب ولدا لتسمية شموئيل.»(عراقي في باريس241) ) القصة  الثانية  تبدو هي الأخرى غير مقنعة، الأم كرجية تتصرف بإيحاء من الآخرين، في القصة الأولى بإيعاز من قرياقوس، وفي الثانية نزولا عند رغبة جارة حرمت من الإنجاب. والقصتان كما نرى لا تتقاطعان وليس بينهما رابط يجمعهما. الأم في القصتين تتنصل من مسؤوليتها، لا دخل لها في الاسم. قد تكون هناك قصة ثالثة، وهي الحقيقية التي يختفي وراءها الاسم ولكنها لم تفصح عنها.
لا يمكن لطفل في حداثته أن يتحمل لمز الآخرين، ولا سخريتهم، وربما اقصاءاتهم، لا لسبب إلا لأن اسمه غريب، فتبنى اسما آخر أشبه ما يكون بالقناع، يرد به سهام الآخرين وهو يشبه لباس الممثل أداءه لدور أسند إليه. الممثل يتخلى عن ثوبه التنكري واسمه في الدور حالما تنطفئ الأضواء ويسدل الستار فينزل من الخشبة، لأن الاسم وكذا الثوب، هو في حالات عدة دور.
يكشف الطفل هذا الدور التراجيدي أثناء دخوله المدرسة للمرة الأولى عندما يسأله الأستاذ عن اسمه فيجيب "جويي كيكا."(عراقي 239) يتلطف معه الأستاذ، ربما أدرك حجم المأساة: "بني اسمك في المدرسة هو شموئيل شمعون، يمكنك أن تكون جويي كيكا خارج المدرسة." (عراقي 240) إذن هناك اسم للخارج الذي يقبله الآخرون واسم للداخل للعائلة وعلى الطفل أن يحمل اسمين، اسم مدرسي إداري واسم مجتمعي تجاري، لأن الطفل كان بائعا متجولا. كان يحبذ جويي كيكا، لأنه يقضي معظم وقته كبائع متجول، أما شموئيل شمعون فلا يحتاج إليه إلا  في المدرسة فقط، كما إن  الاسم الأول، اسم الشارع، أقل غرابة وأخف وزنا.
ينتقل الطفل من الحبانية إلى الرمادي، وهي قصة الانتقال إثر انقلاب أدى إلى تهجير السكان فاختارت عائلة كيكا، جزئيا، الرمادي ولكنه يصطدم في المدرسة بحيرة التلاميذ وتعجبهم من غرابة اسمه لولا تدخل المعلم لإزالة جزء من الحيرة "شموئيل زميلكم الجديد، من عائلة آشورية، من أبناء بلدنا العريق."(عراقي301) تزول الغرابة مع العراقة في العراق، رغم الاختلافات فالعراق يجمع الأعراق، العراقة تلغي الغرابة كما يلغي الأليف الغريب.
هذه الغرابة /الغربة تضطر البطل إلى الخروج، مغادرة الدائرة المغلقة التي أطبقت عليه من جوانب عدة والخروج إلى فضاء آخر بحثا عن توازن مفقود في الفضاء الأول. الخروج يكون دائما بهدف أمل في الحصول على مفقود، وهي الوظيفة الثامنة حسب بروب (مورفولوجيا الحكايةص47)، استعادة استقرار لم يستطع تحصيله ومغادرة المكان تعني القضاء على الغربة أي الخروج.
كان البطل يهدف من الخروج إلى تحقيق هدف ظل يلازمه وهو العمل في السينما وكانت أول محطة ينزل بها هي دمشق، لكن لعنة الاسم بقيت تطارده، لأن المخابرات السورية شكت بأنه جاسوس يهودي، الاسم صموئيل واللقب شمعون، عنصران كافيان لإدانته. ولكن هل يحافظ الجاسوس على هذه الأدلة، إلا إذا كان غبيا. فطلبوا منه نزع لباسه الداخلي (عراقي في باريس15) فتأكدوا بأنه ليس يهوديا لأنه لم يعرف الختان وهي ممارسة دينية عند اليهود كما هي عند المسلمين وكانت نصيحة الضابط هي أن يغير اسمه.
لم يستطع الخروج من هذه الورطة إلا بعد عبوره إلى بيروت، وكانت الحرب الأهلية مشتعلة، فألقي  عليه القبض  وكان يأمل أن يكونوا من الكتائب فيقول لهم بأنه آشوري يريد السفر إلى أمريكا عن طريق إحدى الجمعيات المسيحية."(ص 16) ولكن تهمة الجاسوس بقيت تطارده، تعرض للتعذيب والإهانات ليتم لاحقا إخلاء سبيله. لا يمكن لأي شخص أن يعيش في بلد أجنبي دون عمل. فكانت الرحلة شاقة وتساوقا مع وعيه السياسي ونظرته الإيديولوجية انظم إلى إحدى الفصائل الفلسطينية وبدأ يكتب فيها باسم "سامي شاهين" أي أنه تنازل عن اسمه مكرها وربما خدمة للقضية التي يناضل من أجلها.
لم تتوقف تهمة الجاسوس اليهودي في دمشق وبيروت ولكنها استمرت معه حتى وهو في باريس، حيث يحضى اليهود بالاحترام والبجيل، حتى لو كان في  الكثير من الأحيان تحت قناع من النفاق سواء بين العرب أو بين الفرنسيين أنفسهم، كما هناك من تعاطف معهم ومنهم من لا يهتم للأمر. واجهت العراقي هذه التهمة عندما كان في بيت صديقه الجزائري مراد وهو أستاذ رياضيات عندما انتقل أخوه عبد العزيز من مرسيليا إلى باريس ليسكن عنده ولو لبعض الزمن، وكان متطرفا إسلاميا فثار في وجه أخيه مراد: "لا أعرف ما الذي يعجبكم في هذا اليهودي."(عراقي 68) فما كان من صموئيل إلا أن يرد، حقيقة، بأنه ليس يهودي. (69) فاسمه لا يمكن إلا أن يكون اسما يهوديا، ورغم ذلك فهذه حقيقة.
هذا الرفض من قبل مجموعات وأشخاص بسبب الاسم، أي أن الاسم أصبح مصدر كل مشاكله، لذلك قرر التشرد. والتشرد لا يعني رفض الإقامة لأسباب مالية، ولكن كفلسفة لرفض الأمر الواقع والتمرد على الصورة النمطية والأحكام الجاهزة التي تطلق في كل الاتجاهات(63) كما صرح بذلك لصديقه رياض. وأصبح الصعلوك الجميل"(102) والكاتب البوهيمي(94)، والبوهيمي الأرستقراطي، كما يصفه الشاعر العماني سيف الرحبي، لأن صموئيل شمعون لم يتخل عن أناقته ولا تنازل عن عزته وأنفته، كما كانت كل حالاته حالات فنان وهشاشة شاعر.

بغرض عدم إحراجه، ولا تعميق مأساته ولا التذكير بأصوله الآشورية التي يعتز بها ولا يتنكر لها، و يعلنها في كل مناسبة، وهذا ربما عيبه، كان أصدقاؤه ينادونه باسم "سامي" وهو الاسم الذي كان يمضي به مقالاته عندما كان يشتغل في إحدى الصحف الفلسطينية وهي في الحقيقة اختصار لاسم صموئيل.
قد يتغير الاسم، عند الانتقال من مكان إلى آخر، قد يكون لأسباب عملية، كما يمكن أن يكون لأغراض أخرى، معلن عنها أو مبطنة. فكان لاسمه أن يتحول من سامي إلى سام.  
هنا تتحول الهوية الاسمية من الميدان السامي ـ العربي إلى الميدان الأنجلو- سكسوني، لأن أمريكا تسمى بلد العم سام (ص 148)، ثم لأنه كان أثناء تنقلاته في باريس يتكلم الانجليزية بطلاقة لارتباطه أثناء وجوده بالعراق بالانجليز وعلاقة والده بالعسكر العاملين في العراق، أو ما تبقى منهم، أثناء الملكية. يؤكد هذه الملاحظة حادث الاعتداء الذي تعرض إليه منزله في الريف الفرنسي من قبل سكارى انتقموا من "الصعلوك الأمريكي"(ص 186) وصفة الأمريكي التي ألصقت به تعود إلى اسمه "سام" .
إذا كان الاسم يميل إلى هوية مخصوصة و لغة معينة، فإن اسم صاموئيل شمعون يظهر نوعا من اللاتطابق بين الاسم والمسمى، الاسم الأوروبي والمسمى العراقي.
 هذا الوضع أثار استغراب حارس العمارة التي أخلتها له إحدى صديقاته الرسامات أثناء غيابها لعطلة، بعد إعلام البواب، لأسباب أمنية، أن عربيا سينزل بشقتها. لكنه تفاجأ عندما قرأ اسمه فوجد أنه غير عربي (ص 141،142) ظنا أنها مزحة من طرف مالكة الشقة أو أن هناك خطأ ما. يضطر البطل إلى تبرير اسمه الاسباني بأن العراق، بتعدد أعراقه ودياناته يشبه البايلا الإسبانية (ص 264) وهو ما جعل الحارس ينفهم الوضع.
Samuel Shimon".
لم تتوقف إحراجات صموئيل شمعون عند الاسم وتعدده، بل وحتى تحوله في كل مرة يتم فيها تغيير المكان أو ترتيب العلاقات، فهو صموئيل وشموئيل وجويي وسامي شاهين وسامي وسام. ربما قد تكون هذه هي محنة الاسم وتراجيديا الذات أثناء مواجهتنا للوجود. ولكن هناك تواطؤ آخر مع الجسد، جسد الراوي، الذي عند تخليه عن "شواربه" أزالها ذات مرة وهو يحلق ذقنه، وهذا الفعل عند بعض المجتمعات تخلي عن الرجولة، لأن الرجولة هي "الشنبات"، فتتطابق وجهه مع وجه الممثل الإيطالي آلدو ماتشيوني إلى حد التماهي. ربما أزعجه ذلك لكن لم يكن يرغب في العمل في السينما. قد يعود سبب الإحراج إلى نبل في ذات الراوي، لا يريد أن يكون نسخة عن الآخر، يريد أن يكون ذاته، حتى أمه، عندما إلتقاها في المطار، بعد غياب دام طويلا مازحته: "ما زال أنفك يكبر." (ص 9) لأن أنفه يشبه أنف آلدو ماتشيوني و أنف لينو فانتورا.
و للدفاع عن ذاته، كي لا  يقع الخلط بينه وبين الممثل الإيطالي، ولتفادي فضول الآخرين ونظراتهم اقترح عليه صديقه مراد (الجزائري) حلين: "إما أن تعيد شواربك مرة أخرى، أو أن تقرأ صحيفة عربية كلما دخلت الميترو."(ص 78) فكان أن اختار الحل الثاني وداوم على التظاهر بالقراءة، نسخة قديمة يفتحها كلما ركب الميترو. ولكن لماذا رفض أن يعيش في بلد آلدو ماتشيوني وهو المهووس بالسينما؟ ربما لأن روبير دي نيرو، الممثل الأمريكي من أصل إيطالي كان بالنسبة إليه ممثله المفضل فلم يشأ أن يتقمص صورة من الدرجة الثانية أي آلدور رغم أن المارة كانوا ينظرون إليه ثم يلتفتون يمنة ويسرة بشكل غير طبيعي."(143) هل اكتشف صموئيل من تلقاء ذاته شبهه بآلدو، أم هو مجرد إسقاط خارجي؟
رواية "عراقي في باريس" هي رواية الاسم لأن الاسم هو البطل الحقيقي، فهي لا تصور الصدام بين الذهنية الشرقية والذهنية الغربية، بل تركز على المغامرة الثقافية لجيل من الأدباء يحاول خلق مساره المتميز ضمن فضاء ثقافي بالغ التعقيد وأنساق فكرية متناقضة تبحث عن مروجين لها ومستهلكين، لهم وعي بسيروراتها وانعكاساتها الراقية.
كما هناك بعض الأسماء تشتغل كفزاعة، لأن ذكرها لوحده يثير الرعب حتى في غياب المسمى. هذا ما أورده أبو الفرج الأصبهاني بصدد تأبط شرا الذي سأله أبو وهب، من أهل ثقيف عندما التقاه: بم تغلب الرجال يا ثابت وأنت كما أرى دميم ضئيل؟ قال: باسمي "(ديوان تأبط شرا و أخباره 269) الاسم هو الذي يخيف، وهو الذي يغلب، فيتخلى عن كل ما لديه، فيأخد المسمى غنيمته دون عناء ولا مقاومة من طرف المغلوب.

الرجوع إلى الأعلى