الثورة التحريرية ليست من صنع الملائكة
يعترف المخرج أحمد راشدي أن منهجه في إخراج الأفلام الثورية يعتمد بالأساس على التمجيد بالدرجة الأولى، التي يرى أنها رسالة.  في جلسة حميمة يفتح المخرج قلبه للنصر على هامش تصويره فيلمه الجديد أسوار القلعة السبعة، للبوح بهموم المخرج . 

-بعد فليم بن بولعيد تعود إلى قسنطينة لإخراج أسوار القلعة السبعة ما السر في اختيار قسنطينة ؟


قسنطينة كانت دائما حاضنة للتاريخ سواء القديم أو الحديث، و لدي ارتباط وجداني بهذه المدينة التي لدي فيها جذور عائلية، لم أكن أعرف الجزائر العاصمة قبل الاستقلال، قسنطينة كانت هي العاصمة بالنسبة لنا، قسنطينة عبر تاريخها النوميدي و البيزنطي و الروماني  وبالرغم من كل الحقب التي تعاقبت عليها غير أنها ظلت محتفظة بسرها،  كما أنها كانت ملجأ للعديد من رموز الثورة.  كان يمكن للمدينة أن تكون عاصمة للثقافة العربية منذ سنوات رغم بعدها الأمازيغي.

-ما الجديد الذي تقدمه في فيلم أسوار القلعة السبعة ؟

الفيلم مقتبس عن قصة واقعية للكاتب محمد معارفية، ترمز إلى الأسوار التي أحاط بها الاستعمار الفرنسي الجزائر التي  كانت قلب فرنسا و أمام هذا الوضع لم يبق أمام الجزائريين سوى كسر هذه الأسوار من خلال الثورة التحريرية، بعد أن استنفدوا كل الأساليب السياسية و السليمة.

-هل التعامل مع هذا النوع من الأفلام أسهل من تلك التي تروي سير الرموز؟


يكاد يكون أسهل، لأن هناك جانب من الخيال و هامش المناورة كبير، عكس ما هو الحال عندما تشتغل على شخصية تاريخية معاصرة، مازال رفاقها و أسرتها و أولادها على قيد الحياة، و بإمكانهم التأثير شيئا ما على بلورة السيناريو وحتى في كتابته و لا مجال للخيال وللخطأ، لأن طبيعة العمل تتطلب التقيد بقصة رجل عاش في عصرنا وكافح في نفس الفترة و رفاقه في السلاح مازالوا على قيد الحياة، وإن كان لكل واحد نظرته الخاصة وفق ما تحتفظ به ذاكرته خاصة إذا ما تعلق الأمر برموز الثورة الجزائرية.

-  ماذا حدث مع أحد أفراد عائلة عبان رمضان في فيلم كريم بلقاسم؟

ما حدث أن أبن شقيق عبان رمضان عبر عن أمنيته في رسالة وجهت لنا، ورسم لنا ما يجب ذكره عن عبان رمضان في حالة ما إذا جاء ذكره في الفيلم أو بالأحرى أملى علينا ما يجب فعله وإلا من الممكن أن يرفع علينا دعوى قضائية، كريم بلقاسم ملك للتاريخ وليس ملكا لأحد مع احترامي لأخيه الذي هو كاتب ودكتور و إنسان طيب له وجهة نظر لقراءة التاريخ نحن لم نأت لتحريف التاريخ و كما قال بن بولعيد جئنا لنولد التاريخ على الأقل بعض الرموز التي فتحت صفحات في التاريخ حتى نوصل هذه الرسالة إلى الجمهور، ميزة السينما أنها تشخص  فمثلا الممثل الذي أدى دور بن بولعيد، أصبح الناس ينادونه باسم سي مصطفى هذه الشخصية التاريخية تصبح أقرب من المتفرج ، هذه الأفلام تمكن من التعرف على بعض الأشياء الخاصة  لدى مؤسسي هذه الثورة الذين كانوا شبانا و أكبرهم سنا لم يتعد 30سنة.

-لماذا غيرت اسم فيلمك من درقاز إلى كريم بلقاسم؟

جاء ذلك بطلب من وزارة المجاهدين، التي تكفلت بسلسلة من الأفلام المخصصة للشخصيات التاريخية للثورة وكل واحدة بإسمها مصطفى بن بولعيد، العربي بن مهيدي، العقيد لطفي كريم بلقاسم، وبالتالي طرحوا علينا سؤالا لماذا هذا الفيلم شذ عن القاعدة ؟ ولماذا لا يحمل اسم صاحبه الحقيقي؟ من جهتنا لم نر مانعا في تغيير اسم الفيلم .

-كثيرون انتقدوا المقاربة التاريخية لفيلم كريم بلقاسم ؟

أقدر واحترم حرية التعبير، لكل شخص نظرته الخاصة في الموضوع منطلقنا في هذا الفيلم تمجيد هذه الرموز، من الممكن أن يرى البعض أننا أخفينا بعض الأشياء ولم نذكرها أو لم نعط لها الفرصة أو المساحة الكافية حتى تبرز في الفيلم، هناك شخصيات عاشت مع كريم بلقاسم غائبة في هذا الفيلم لا يمكن حصر مسار هذا الرجل في فيلم واحد، العمل السينمائي له مقتضياته من حيث التسلسل،السرد في مدة زمنية محددة، ففي ساعتين لا يمكن أن تروي مسار رجل دخل الحرب ضد فرنسا قبل سبع سنوات من اندلاعها وحياته كلها كانت ثورة، وآخر الانتقادات لماذا لم نواصل سرد حياة الرجل بعد الاستقلال إلى غاية اغتياله؟

-أنتجنا أفلاما ثورية ولم ننتج أفلاما عن الثورة لماذا؟

 هذه بلاغة لغوية، من الممكن أننا أنتجنا أفلاما عن الثورة، غير أنها في اعتقادي ليست بالعدد الكافي هناك جوانب عديدة من الثورة لم تظهر في السينما، ليس هناك فيلما عن فرحات عباس، مؤسسات الثورة، الحكومة المؤقتة، شخصيات ثورية كبيرة، هناك رجال الخفاء الذين ساهموا بشكل مباشر في الثورة لم نشاهدهم سواء في فليم تلفزيوني أو سينمائي هناك الكثير من الناس كانوا يعملون في الخفاء من أجل الثورة، بحاجة إلى أن  تخلد مآثرهم هؤلاء ببساطة لم نولهم الاهتمام الكافي و لم نخصص لهم المساحة اللازمة.

-قد نكون مازلنا نخشى و نخاف مما تخفيه هذه الثورة؟

ليس هناك خوف وإنما هناك مراحل يجب أن نمر عليها وتتمثل أولا في كتابة التاريخ حتى يصبح مرجعا لنا، ثم تصبح المادة التاريخية مادتنا الأولى لصياغة أو كتابة السيناريو نعتبر التاريخ الذي يكتب من قبل المختصين، الدكاترة، الباحثين، المؤرخين، الذي يصبح فيما بعد يمكن اعتماده ويعتبر التاريخ الرسمي، كما انه يمكن أن نقع في فخ التاريخ نفسه، التاريخ في حياة الإنسانية و كل الشعوب  هناك سؤال هام من يكتب التاريخ؟ المنتصر دائما هو الذي يكتبه، وهذه الأبعاد تختلف بين كتابة التاريخ و صياغة الكتابة السينمائية.

-هل يمكن للسينما أن تكون لها قراءة أخرى للتاريخ؟

عندما نرى الأعمال التاريخية في بلدان كثيرة عرضت أحداثا تاريخية من زاوية معينة لنشر فكرها الذي أسس لقراءة معينة لأحداث تاريخية معينة، ولنا في الأفلام الأمريكية خير مثال على ذلك، سواء في حربها الأهلية أو في الفيتنام ، لقد تم عرضها من زاوية المنتصر، فالسؤال الذي يبقى يتردد من هم أهلا لكتابة التاريخ؟ فمثلا كريم بلقاسم لم يكتب عنه سوى كتابا واحدا سنة 1972، بن بولعيد ولا كتاب باستثناء بعض المحاولات القليلة والأمر كذلك بالنسبة للعربي بن مهيدي، و الأمر ينطبق على المعارك الكبرى التي خاضها جيش التحرير هناك شهادات من قبل أشخاص عاشوا الحدث، هذا شاهد و ليس كاتبا تاريخيا، ليس هناك شيء مدون شامل وكامل اسمه تاريخ الثورة الجزائرية، لم نصل بعد إلى هذا الحد.

-لماذا كل هذا الاهتمام بأفلام سير رموز الثورة ؟

ليس هناك اختصاص في السينما، قد أكون اشتغلت كثيرا على هذه النوعية من الأفلام لأن أرى فيها رسالة، لقد ركزت على هذا الجانب عندما رأيت ابني المنحدر من أسرة ثورية لم يكن له اهتمام بهذا الجانب و لم يشاهد فيلم العفيون و العصا سوى وعمره 25 سنة رأيت في ذلك نوعا من التقصير من جانبنا اتجاه هذا الجيل، من واجبي أن أنقل هذه الرسالة لهؤلاء.

ابن أخ عبان رمضان هددنا برفع دعوى قضائية

تنقلت في العديد من الجامعات الجزائرية، قدمت فيها سواء العفيون و العصا أو مصطفى بن بولعيد، لاحظت أن هناك اهتمام، لكن هناك عجز عند شبابنا في قراءة التاريخ أو الاهتمام به ، من الممكن أن يكون مملوء بالأمجاد التي تجعلهم فخورون به.

-ما هو موقفك من إسناد فيلم الأمير عبد القادر لمخرج أمريكي؟

في كل مرة يعود الحديث عن فيلم الأمير عبد القادر، لكن عن أي أمير يتحدثون، لا يهم من يخرج الفيلم سواء من الداخل أو الخارج ، أن يجلبوا مخرجا أمريكيا أو سيرلانكيا، هذا المخرج سيشتغل بنفس المعدات التي أعمل بها، وهو ينطلق من نفس انطلاقاتي وهو السيناريو، الشيء الأساسي الذي يحب أن نتفق عليه مسبقا هو السيناريو و نتفق على مرحلة معينة من حياة  الأمير، حياته مملوءة ولا يمكن حصرها في فيلم واحد، حتى لا يحدث ما حدث لبقية الأفلام الأخرى، لماذا لم يتم التطرق لجانب دون غيره من حياته ؟  ثم  إذا لم نجد مخرجين مؤهلين في الجزائر لترجمة هذا العمل عندها نلجأ لمخرجين أجانب. تصوير فيلم عمل بسيط، الأهم ما قبل الشروع في تصويره ما هي الإمكانيات المرصودة له ؟ جلبوا مخرجين أمريكان ليست لهم صلة بهذا البلد، هل هذا المخرج مؤهل أكثر من أي جزائري لترجمة هذا السيناريو ؟ سيترجمه من منظور أجنبي و أنا أترجمه من داخلي بوجداني، لأنني أحس به كجزء من مكوناتي  التاريخية وحتى الإنسانية، سبق لي وأن قلت أعطوني 50بالمئة من الإمكانيات التي منحت لهذا للمخرج وإن لم أخرجه أحسن منه اشنقوني، الأمير عبد القادر يستحق أكثر من فيلم، ليخرج الأمريكي الفيلم و أعطوا لنا الفرصة لإخراج فيلم آخر ولكل واحد وجهة نظره، وبهذا يمكن للأمير عبد القادر أن يظهر بمنظور أجنبي و آخر جزائري.

-لمن تنتج الأفلام في غياب الجمهور؟

تعد صناعة السينما في الولايات المتحدة الأمريكية ثاني صناعة بالنسبة لاقتصادها بعد صناعة الأسلحة، لا يمكن أن تكون لدينا صناعة سينمائية دون جمهور، نحن ننتج الأفلام للمهرجانات، يعرض البعض منها في مرات قليلة على شاشة التلفزيون أوفي الجامعات إفتقدنا للجمهور في غياب القاعات، كانت هناك أكثر من 500 قاعة كانت تباع في الجزائر أكثر من ملياري تذكرة في السنة هناك من شبابنا تعدى عمره 30سنة ولم تطأ قدماه قاعة سينما، غير أن ذلك لا يعني أنه يفتقر للثقافة السينمائية، لأنه أصبحت لديه 600 قناة تليفزيونه ويمكن أن يشتري بـ100دج قرصا مضغوطا به أكثر من 5أفلام البعض منها لم يعرض بعد في أمريكا هذا إيجابي لأنه يمكنه من رفع مستوى معرفته للأعمال السينمائية وهو ما يفرض عليك أن تنتج أفلاما في نفس المستوى، يتحدثون على الترميم و لأن تفكيرهم منصب فقط على الترميم، بينما يجب بناء مجمعات سينمائية  بقاعات بـ30 مقعدا و أخرى بـ300مقعد حسب طبيعة كل فيلم، كما يمكن فرض برمجة أفلام جزائرية في مختلف القنوات التلفزيونية.

-حتى الذاكرة بحاجة إلى الترميم أليس كذلك؟

الاهتمام بالذاكرة ليس فقط مهمة المثقف، و إنما مؤسسات المجتمع و الأعمال السينمائية ما هي سوى مكملة لهذا العمل،  لا يمكن أن نبني مستقبلنا إلا إذا اتفقنا على كتابة ماضينا. كنا نعتقد أن ماضينا يبدأ مع الفتوحات الإسلامية  علينا أن نترك الباحثين يجتهدون لتكوين رؤية واضحة عن تاريخنا، ومن وجهة نظري تكون المرحلة الأولى للتمجيد لهذا القاسم المشترك الذي يربطنا، ثم بعدها نمر لمرحلة النقد، ثورتنا  ليست ثورة ملائكة وإنما ثورة بشر، لا يمكن أن نضع كل شيء في فيلم  واحد، انطلاقتي بسيطة هي تمجيد الماضي و في المرحلة الثانية تحليل التفاصيل التي تؤدي لفهم أوسع للثورة، والتي يمكن إسنادها للبشر.

الأمير عبد القادر أكبر من أن يحتويه فيلما واحدا 

-فقدت الساحة مؤخرا سيد علي كويرات ، هل يمكن خلافة هذا الجيل؟

شيء مؤلم أن تفقد أسماء لامعة، و من الصدف أن 90بالمئة من الممثلين الذين شاركوا في فيلم العفيون و العصا ساروا إلى رحمة الله، هناك جيل جديد من الممثلين خاصة في المسرح يمكن أن يقدموا الكثير إذا ما منحت لهم الفرصة، في فيلم كريم بلقاسم اسندت الدور الرئيسي لممثل لم يشتغل قط في السينما و الأمر كذلك في فيلم العقيد لطفي، يجب إعطاء الفرصة للشباب و بعدها يمكن الحكم عليهم، وعندها يجب وضع تقييم موضوعي لهؤلاء الشبان .

-لكن الفرصة ليست دائما متاحة ؟

هذه هي الإشكالية، على الممثل الشاب أن ينتهز الفرصة التي تتاح له، أكتشفت العديد من الوجوه الشبانية،  وتدريجيا يمكن لهؤلاء تفجير كل طاقاتهم إذا ما وضعت فيهم الثقة اللازمة من دون شك فإن النتيجة ستكون في مستوى التطلعات، أعتقد أن هذا الجيل قادر على رفع التحدي فالشعب الجزائري متشبع بروح المقاومة، فنها مترسخة في الذاكرة الجماعية.
حاوره: عبد الرحيم قادوم  

الرجوع إلى الأعلى