اكتشف جزائريون أن بيكاسو استدرج كواعبهم إلى تكعيبيته فاشتعلوا غضبا: كيف لهذا المصاب بمسّ شيطاني أن يعبث بنسائنا ، وكيف له أن يكشف نهودهن على هذا النحو السافر؟
الاكتشاف جاء بعد ستين سنة من تكعيب بيكاسو لنساء دولاكروا المطمئنات في مخدعهن، ومناسبته، بيع لوحة الفنان الاسباني في المزاد بدار عرض نيويوركية والذي أثار غضبا بأثر رجعي. وحدها قناة «فوكس فايف» (السلفية) الأمريكية شعرت بحجم الأذى الذي لحق بالشرف الرفيع فعمدت إلى تغطية النهود في الصور التي بثتها عن اللوحة!
قطاع آخر من الجزائريين اعتبر اللوحة إرثا وطنيا لأنها تحمل كلمة الجزائر في اسمها، وربما نسج كثيرون على مزحة سوداء رفيعة أطلقها الكاتب مهدي براشد حين نصح كبير مقاولي الجزائر بتصحيح زلة لسانه عن نساء الجزائر في الصين بشراء لوحة نساء الجزائر من نيويورك.
دعوات كثيرة “لاسترجاع” اللوحة أطلقت وانخرط في الجدل حتى بعض الفنانين الذين يعرفون حق المعرفة “سوق الفن” في الجزائر ويعرفون فضائل «جامعي الأموال» في هذا البلد.
ويحيل هذا الجدل إلى مستوى مأساوي في تعاطي الجزائريين مع المسائل الفنية، فما تم بيعه في نيويورك هو عمل فني لفنان عالمي وليس “نساء الجزائر” هن من تم بيعهن في المزاد، و بيكاسو ليس جزائريا ولوحته ليست جزائرية ولم تنجز في الجزائر.
وكان الأحرى أن يثار النقاش حول أعمال فنية أنجزت في الجزائر لفنانين عالميين وتم تهريبها أو نهبها من طرف تجار وسماسرة لا يعرفون من هذه الأعمال سوى قيمتها المالية، كما حدث للوحات إتيان ديني، أو كما حدث للوحات بلدية سكيكدة الذي كاد حريق أن يأتي على ما تبقى منها قبل ست سنوات لتنتبه وزارة الثقافة وتصنفها كتراث وطني، وتحدثت الكثير من المصادر عن ضياع عدد من الآثار الفنية التي جمعتها زوجة رئيس البلدية الشهير في العهد الاستعماري بول كيتولي.
ومن الغرابة أن نطلب من أصحاب المال دخول السوق الفنية في بلد كالجزائر يفتقد إلى بورجوازية حقيقية، ولا يعرف الأثرياء فيه من الإنفاق على الفن سوى “التبراح» في الملاهي. ولا تنخرط مؤسساته في دعم الفن بشراء أعمال بصورة دائمة وشفافة.
ملاحظة
من الصعب إقناع الغاضبين المأزومين أن لوحة بيكاسو بيعت ب179 مليون دولار لأنها تحمل توقيعه وليس لأنها تحمل ما أخفته «فوكس 5».

سليم بوفنداسة

 
    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى