برزت في الأيام الأخيرة حملات ومواجهات إلكترونية بشأن «اللباس» في الجزائر. فبعد أن قامت مرتادات بنشر صور سيقانهن تضامنا مع الطالبة التي منعها حارس من دخول الجامعة لقصر لباسها ، بدأت حملة مضادة يستخدم أصحابها الزيّ الرسمي كلباس الجيش والشرطة يرفعون فيها شعار:”إن كنت رجلا لا تترك زوجتك أو ابنتك تخرج بلباس غير محتشم”!
هذا «النقاش» يستدعي الانتباه والدراسة، حتى وإن كان محدودا في فضاء الكتروني، لأنه يكشف عن «المكبوتات الوطنية» وعن طريقة فهم الجزائري للعيش المشترك والفضاء العام، و استدعاء الأنوثة  والاستنجاد بالرجولة في الحالتين يعبّر عن مشكلة مرضيّة لدى أفراد تحيل إلى مرض سياسي واجتماعي لدى شعب يعاني من اضطراب في الهوية ويفتقد لمشروع مجتمع ولا يحتكم لفضائل الاستحقاق. وليس اللباس سوى مظهر بسيط من مظاهر هذا الاضطراب الذي أصبح يتجلى، أيضا، في مختلف السلوكات  وفي انهيار سلّم القيم الذي جعل من أي مواطن مغلوب على أمره ينصب نفسه وصيا على الأمة من زاويته الحزينة التي يكسوها الغبار.
 وبعيدا عن الحق في كشف الساق أو تغليف الجسد كلّه، فإن تعاطي الجزائريين مع اللباس يبدو فريدا من نوعه، ففي الجزائر فقط يمكن  أن تجد موظفين يذهبون إلى العمل بلباس البحر أو لباس النوم، أو موظفات يعملن بلباس الحفلات أو طالبات يدرسن بلباس الملهى، وفي الجزائر يمكن أن ترى الناس يذهبون إلى المقهى والجامع بلباس الرياضة، وفي الجزائر – وفيها فقط – يعري سائق «الطاكسي» ساقيه وفخذيه لركابه ويريهم شعر إبطيه.
وكل ما سبق من تعبيرات يحيل إلى معاناة من «عصاب هستيري»، كما يعلّمنا التحليل النفسي، ويتساوى في الهستيريا ذاتها  الإسراف في كشف الجسد أو في إخفائه ويسبح حولها الدعاة إلى هذا وذاك.
 فاللباس منذ ورقة التوت الأولى إلى التشادور الأخير يحمل الرموز والتعبيرات الجنسية، والإسراف في الاحتشام وإخفاء الجسد، برأي بعض المختصين في سيكولوجيا اللباس، هو نوع من «الستريبتيز»، لأن الإخفاء يحمل وعدا كريما بعكسه.

ملاحظة
من الأولويات التي تحتاج إليها «السيقان الجزائرية» مكشوفة  أو مغطاة: تدريب فوري على كيفية السير في الطرقات.

سليم بوفنداسة

 
    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى