لا يعرف الناس ماذا حدث بالضبط، لكنهم يقدّمون رواية عن ذلك وقد يقترحون الحلول. روايات كثيرة قد تُروى عن حادثة واحدة ويقول لك كل راو أن الحقيقة كل الحقيقة هي ما صدر عنه.
نحن هنا في «حالة جزائرية» وفي الجزائر فقط يصعب عليك أن تجد شخصا  يقول لك “لا أعرف”  أو “ لا أدري”.
حتى المشاهدين والمستمعين الأعزاء يتظاهرون بأنهم يعرفون كل شيء وهم يجيبون عن أسئلة لا يعرفون أجوبتها في المسابقات الإذاعية والتلفزيونية، فيصطنعون التفكير العميق كأنهم يعرفون الجواب  وحجبه عنهم النسيان الماكر.
يعرف العارفون ماذا حدث بالضبط في غرداية  وماذا يحدث في “كواليس النظام” وحتى في دهاليز الديبلوماسية الدولية. ويعرفون من يقف وراء من  ومن يعادي من  و من يتآمر مع من ومن يخدع من ومن يلعب مع من. يعرفون ما يقال خلف الأسوار وما خفي من أسرار، هكذا دون أي جهد أو توثيق أو بيّنة.
لا تؤخذ روايات الناس العاديين على محمل الجد، لكن حين تنتقل إلى وسائل الإعلام تصبح مشكلة. لا يكلف الصحفيّ نفسه عناء الانتقال إلى غرداية – مثلا-  لنقل الأخبار أو إجراء روبورتاج ومحاورة الناس، لكنه لا يتردّد في تقديم تحليل “عميق” من مكتبه غير الوثير في العاصمة، يبدو من خلاله وكأنه هو كاتب سيناريو ما حدث. لا يكلف الصحفي نفسه مشاق التحري في القضايا المطروحة، بل لا يطرح حتى أسئلة على معنيين بأمر يريد الاشتغال عليه ومع ذلك  يدلي بفتواه، وانتقلت العدوى إلى “محللين” جامعيين يفترض أنهم  مشبعون بالروح العلمية التي تجبرهم  على فحص الحقائق الميدانية والوقائع قبل الحديث عنها، خصوصا حين يتعلّق الأمر بأحداث معقدة تتداخل فيها معطيات اجتماعية ودينية وسياسية وتُحجب فيها معلومات أساسية.
لذلك تغيب “المعلومات» عن أغلب الأحداث التي تعرفها الجزائر وتكثر «الروايات».
هذا الوضع تمتدّ جذوره إلى ثورة التحرير، حين كان “رجال النظام” يعتمدون السرية كعقيدة في نشاطهم وفيهم من عاش عمرا مديدا ورفض الحديث عن بعض الحقائق التاريخية. ولا زالت “ثقافة السرية”  عرفا ساريا داخل نظام الحكم، حيث تستأثر قلّة بمعرفة المعلومات والحقائق وتترك الروايات و الأحاديث الضعيفة للصحافة والساسة والمحللين وعموم الشعب العظيم.
ملاحظة
وحدها الديمقراطية تجبر الساسة على قول الحقائق  وتحرم  الصحافيين من اختلاقها.

 
    • قطارُ الباطل

      سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على الجامعات ومراكز البحث، سواء من حيث الاستثمارات والشراكات أو التمويل والتبرّعات التي تهدف إلى الهيمنة والسيطرة على القرار، وهو ما...

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى