تتقاطع في هذا العدد من كراس الثقافة نظرتان لكاتبين جزائري وبريطاني حول اللغة والثقافة، يستهجن الأول محاولات الانتساب إلى لغة الآخر، المهيمن التي يشبّهها بعملية كراء رحم ستنجم عنها تشوهات خلقية لا محالة، و يشخّص الثاني حالة الانحدار التي تعرفها الثقافة التي تحتضن اللغة التي يقصدها الكاتب الأول: الفرنسية!
ويستخلص أن الثقافة التي أنجبت كبار المفكرين الذين يدافعون عن قيّم الحرية والعدالة والإنسانية تنتج اليوم مثقفين حاقدين على الآخر وخائفين منه، أي أن الثقافة الفرنسية انتقلت من فولتير إلى  ويلباك المتوجّس من المسلمين و ليفي الذي يقود الحروب عليهم.
 ودون تسفيه للثقافة الفرنسية التي تبقى من أهم الروافد الثقافية في العالم، فإن النخب الجزائرية في حاجة إلى الانتباه إلى «هويتها المستقلة» و العمل من أجل فك الارتباط مع هذا الآخر الذي نتماهى معه إلى حد الامحاء. صحيح أن هناك تاريخا مشتركا وعلاقات اجتماعية وثقافية بين البلدين، لكن «الاستقلال» يقتضي أن يمضي كلّ في غايته وصيرورته، في السياسة  كما في الثقافة والاجتماع.
لأن الافتتان بالآخر الذي نعتقد أنه قوي ولا يأتيه الباطل، حتى وإن لم يكن كذلك، سيفرز حالة هجانة في المؤسسات كما في الأفراد، بل أنه أنتج حالة اغتراب عكسي لدى نخب متنفذة تتصرّف كما لو أنها من المفروض أن تكون هناك، لكن ظرفا قاهرا جعلها تبقى هنا، هذه النخب تمارس نوعا من المكارثية والعنصرية على الذين هم هنا لأنهم من هنا!
وتحاول استدراج التاريخ  إلى كمائنها  و لي رقبته وتأويله، ومما تفعله وتجد من يروّج لذلك، ربط التفوق في التعليم والإبداع الفني والأدبي وفي الصحافة والتسيير بلغة واحدة ووحيدة، هي لغة ويلباك. بمعنى أن هذه النخب التي تصر على البقاء في مفاصل الدولة والمجتمع، تريد تسوية مشاكل خاصة بمشاريع عامة، مع أن عالم اليوم يسمح للعباقرة بالعيش والنجاح في أي بلد من بلاد الله الواسعة ما داموا يتمتعون بالنبوغ الذي يمكنهم من الإبداع والقيادة.
نعم، نعم نحتاج  إلى الانتباه إلى الذات والإيمان بها وتقبلها كي نحمي أنفسنا من تقليد  ويلباك أو حب هولاند.

سليم بوفنداسة

 
    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى