من الصعب أن يشرح مسلم لغيره كيف يموت مئات الناس  في طريقهم لرجم الشيطان بالحصى، لاعتبارات عديدة بعضها مرتبطة بشخصية الشيطان الملتبسة في الكثير من الثقافات وبعضها مرتبطة بصورة المسلم ذاته التي سوّقها «الجهاديون» في العالم : انتحاري يموت ليقتل.
فالشيطان غير مرئي ولا وجود مادي له، عكس الإنسان والحصى، لذلك يُفهم التعامل معه تجريديا كلعنه وأن نسب الأفعال الشريرة إليه لغة أو تجنّب التفاصيل التي قيل أنه يسكنها، أما التعامل الفيزيقي معه  إلى حد تعريض الذات للخطر فإنه يبدو أمرا عصيا على الشرح.
صحيح أن استدعاء حوادث سحيقة بتكرارها في طقوس موجود في كل الثقافات الإنسانية، ومن ذلك استدعاء حادثة رمي إبراهيم للشيطان الذي حاول إغواءه بالحجارة، والتي تعد تعبيرا رمزيا عن التصدي للشر. لكن المشكلة أن الكثير من الشعائر الدينية باتت تمارس بطرق ميكانيكية وكغاية في حد ذاتها ، شأنها شأن الكثير من المفاهيم والعادات التي شاعت في التاريخ الإسلامي والتي يتم استدعاؤها بقداسة إلى العصر الحديث دون التفكير فيها، كمفهوم الجهاد الذي يتم استخراجه من كتب صفراء وتطبيقه في الواقع، والذي جعل من المسلم “شيطانا” يثير الريبة  على بوابات العالم.
لقد اصطدمت محاولات التفكير في الإسلام بجدران التكفير، في وقت  يعيش فيه مئات الملايين من المنتسبين إلى هذا الدين خارج عصرهم، يعانون من ازدراء معلن  يمارسه عليهم العالم و تحكمهم أنظمة بدائية تنجب تيارات متطرفة تناصب العقل العداء.
وبالطبع فإن إزالة هذه الصورة التي التصقت بالمسلم تقتضي رمي الكثير من الجمرات (دون تدافع) على “الشرّ” الظاهر منه والمستتر وعلى الثقافة الانتحارية  التي تستخدم الدين في تحبيب القتل أو الموت.
لأن رمي الشرّ بالحجر يخفي مقصدا يتمثل في إشاعة الخير، والخير يقتضي الكف عن إنتاج الأذى: سفك الدماء، استعباد البشر، استئثار القبائل والعشائر بمقدرات الأوطان.
كما يقتضي الخير بناء الإنسان بتمكينه من العلوم والمعارف وإخراجه من الكهف، كهف الماضي الذي يهرب إليه كلّما ضاق العالم به.  
حجر أخير
لا يتعلّق الأمر، هنا، بتبرئة للشيطان ولكن بإشارة إلى شرور يأتيها الإنسيّ وينسبها إلى غيره.

سليم بوفنداسة

 
    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى