مرّ الخبر بلا أثر، وكان يمكن لو حقّ الحقُّ أن يكون له مفعول الزلزال في الساحة الوطنية.
الخبر نشرته «يومية قسنطينة» الصادرة بالفرنسية ومفاده أن العمال الصينيين الذين يقومون بترميم فندقي بانوراميك وسيرتا بقسنطينة قدّموا أبلغ درس لتلاميذ مدرسة تعودوا على رشقهم بالحجارة كلما غادروا المدرسة!
الصينيون طلبوا من المسؤولين تمكينهم من تقديم هدايا للتلاميذ، وهو ما كان في حفل انتظم بمدرسة تلاميذ الحجارة، وزادوا على الهدايا قطعتي حلوى كبيرتين تحملان العلمين الجزائري والصيني، وفق صورة نشرتها الجريدة المذكورة.
لم يفكر الصينيون في تقديم شكوى إلى الشرطة أو مطاردة المعتدين الصغار، كما كان سيفعل عمال جزائريون، ولكنهم اختاروا أسلوبا بيداغوجيا يقرّبهم من الأطفال ويغيّر الصورة المشكّلة عنهم، نعم، فضّل الصينيون تقديم درس مجاني للجزائريين مفاده أننا لسنا أعداء و القوه على الرؤوس الصغيرة كاستثمار مستقبلي يتقنه أصدقاؤنا.
وبقدر ما تحيل هذه الحادثة على عظمة الصينيين الذين لم يكتفوا ببناء مساكننا وبنانا التحتية في الوقت المحدّد وبالإتقان المطلوب بل أضافوا على ذلك درسا في الأخلاق، بقدر ما يحيل إلى إفلاسنا نحن الذين لا نستطيع طلاء عمارة ونعتدي على من قدموا من آسيا للقيّام بذلك.
أي أننا نعاني إلى جانب فشلنا في العمل من اضطرابات نفسية وعقلية، تظهر فيما تظهر خلال تعاملنا مع الأجنبي، والذي يأخذ شكلين متطرفين: العبادة أو الازدراء، ولا تخص هذه الظاهرة الأطفال والمواطنين العاديين، بل تشمل أهل الفن والأدب والإعلام، وغيرهم... حيث يتعاملون مع زائر الجزائر كفاتح يفتحون له «كلّ شيء» أو كعدوّ يقابلونه بالصدّ. و قد يكون الفاتح مفلسا فرنسيا أو محتالا إيطاليا أو كاتبا عربيا رديئا، وقد يكون المنبوذ مهندسا صينيا أو عابرا إفريقيا ينتظر هدوء البحر ليضربه بعصاه.
ربما علينا أن نعيد النظر في الميراث السحري الذي يميز نظرتنا إلى الأشياء، فهذه الأرض، مثلا،  كبقية براري الله، يعبرها جميع الناس وقد يقيمون فيها إذا طاب لهم ذلك، كما نعبر نحن أراضي الآخرين ونقيم.
ونحن كبقية الأجناس لا نزيد عنها ولا ننقص إلا بما تأتيه أيدينا.
ملاحظة
لا تناسب الحقن الثورية الحالات الناجمة عن تطور مشؤوم لسيكولوجية المقهور، قد يقتضي العلاج الوخز بالإبر الصينية.

سليم بوفنداسة

 
    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى