تخص «النخب» نفسها بمكانة ، قد تجعلها محل سخرية، في مجتمعات أبوية تحتكم إلى نواميس بدائية في تدبير شؤونها. لأن تلك المكانة متخيلة وليست حقيقية وهي ابنة القراءة والخيال، وقد يجد صاحبها، إن طال به الاعتقاد، نفسه في دائرة المرض النفسي  عوض المرتبة المنشودة. فالمجتمعات الأبوية ببنياتها المستحدثة، تخضع إلى سلط محددة تتمثل في القوة (العسكر) والدين والمال  وقد تتسيد إحدى القوى القوتين المتبقيتين، وبالتالي فإن “قيادة المجتمع” محسومة للمنحدرين من الفئات المذكورة، فرجل الدين حارس المقدس والغيبي صاحب سحر وسلطان على الأنام، والعسكري يمتلك أدوات البطش التي تجعله مهيب الجانب، أما صاحب المال فبإمكانه أن يشتري موقعه ويشتري كل ما يصادفه في طريق الصعود.
ورغم مظاهر الحداثة التي تدعيها هذه المجتمعات إلا أنها تمتثل في العمق إلى النواميس المذكورة، وليست المؤسسات الديموقراطية  والعمليات الانتخابية وخطاب وسائل الإعلام سوى محاكاة زائفة لتقاليد مجتمعات أخرى، تقع المجتمعات الأبوية تحت تأثيرها أو تفتتن بها. بل إن مفهوم الدولة نفسه قد يكون زائفا، فحين تجد في دولة ما قائد الجيش هو نفسه أمير المؤمنين وهو صاحب أهم البنوك في البلاد ومالك معظم الأسهم  في شركات التأمين والهاتف، وهو أكبر مستورد لما يأكله الشعب السعيد وهو أكبر مصدر، فإن مفهوم الدولة سيتلاشى وتقفز القبيلة إلى الواجهة بشيخها شديد البطش الذي يستأثر بكل شيء ويتوعد الأبناء الذين يتطلعون إلى مكانته بالقتل.
في وضع كهذا سيجد “المثقف” منتج المعارف و حامل القيم  نفسه يلعب خارج  أرضه، وقد  تستخدمه القبيلة في البرهان الكاذب على حداثتها، كما هو حاصل في البلدان العربية  التي لا تنتج المعرفة ولا تستهلكها، وتشجع الدروشة والشعوذة، لكنها تتولى رعاية الثقافة والمثقفين  في استنساخ لظاهرة إلقاء الدنانير الذهبية و أكياس الدراهم على الشعراء في مجالس الأمراء.
لا يتعلق الأمر،هنا، بإدانة لنخب عادة ما يلقى باللوم عليها، ولكن بتشخيص لا يعدم دور هذه النخب، شرط أن تكون واعية بوضعها وسليمة معافاة من عظمة هي رد فعل مرضي على حيف ظاهر وازدراء غير معلن. فقد يثمر عمل النخب إن حفرت وأجادت في مواقعها وتخلت عن كراسي الريح التي تقتعدها.
سليم بوفنداسة

 
    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى