سرى خبرها بين الناس وما كان ليظل طي الكتمان، فما كان يتم تداوله همسا في سالف العصر والأوان أصبح اليوم مشاعا بفضل الفضاء الأزرق والخيال الخلّاق.
في بلد مجاور قيل أن الشرطة طاردتها في الأزقة المظلمة وأن السلطان أغلق الأبواب في وجه أهلها، ويحذر العارفون من مخطّط مشؤوم جرى تدبيره لنشرها في شمال إفريقيا لتدمير ما تبقى من «قيّم» في هذا الإقليم  الواقع في مهب شهوات الغزاة. وقيل أنها جميلة جدا تشبه نجمات السينما وقيل أنها تتكلّم ولا تخون.
أثار خبر ظهورها الرجال، فسعرها أقل من مهر بكثير، وهي بذلك تعين المُنتظر على الانتظار والضّجِر على تغيير الحال، ومن فضائلها أنها لا تجبر الرفيق على وثيقة أو كتاب، وأنها منصرفة إلى سديمها، لا مطالب لها ولا لوم ولا عتاب، وأنها تختفي حتى يريدها طالبها كما يليق بجارية صماء.
العارفون يقولون أنها ظهرت في بلاد كثيرة، وأن ظهورها علامة من علامات الغنى والاستغناء، وبرهان على نجاح الحضارة الحديثة في تحويل كل ما يحتاجه الإنسان إلى سلعة قابلة للشراء.
وقد يحذر «المتعالمون» المناهضون لترف الحضارة، من خطر تحويل مقاصد الرغبة، باعتباره مؤشرا على اضطراب عقلي، لكنهم يتجاهلون معطى غير متوفر في الكتب مؤداه أن الإنسان الحديث صنع أدوات سعادته وأن أوان شراء أقراص العواطف و المشاعر ليس ببعيد، و أن عهد الندرة قد ولى.
لم يقرأ المهتمون بأخبار «البوبية» قصة بجماليون، وكيف بكى وترجى الآلهة أن تهب الحياة لمنحوتته  البديعة جالاتيا التي استحالت إلى أنثى في قصيدة أوفيد العابرة للعصور، ولم يطلعوا على الدراسات النفسية التي تقدم الفيتيشية كمرض، ولو سألتهم إن كانوا صادفوا “البوبية» طيّبة الذّكر في مكان ما، سيكون جوابهم بالنفي لكنهم سيؤكدون أن وجودها لا ريب فيه.
ثمة مشكلة في الحديث المتأخر عن “جالاتيا السيليكونية» في بلاد المغرب وما جاورها، وسواء أظهرت حقا وعجزت الشرطة عن تحديد موقعها أو تخيلها الناس الذين كثيرا ما برعوا في التخيل إلى درجة يتطابق فيها ما تخيلوه مع الواقع، فإن الأمر يتعلق، فعلا، بحالة خطيرة لا ضرورة في تشخيصها  إلى استدعاء المؤامرة الخارجية وفق عادة حراس الأوطان من طبائع العدوان، لأننا أمام مرض داخلي ناتج كما هو شأن شقيقاته وأشقائه عن سوء تدبير حاجات طبيعية.
سؤال عالـق
كيف تذهب إلى المستقبل شعوب لم تجد السبيل، بعد، إلى إشباع رغباتها البدائية؟ 

سليم بوفنداسة

 
    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى