لم يكتف قضاة الأكاديمية السويدية، هذه المرة، بمفاجأة مترقبي الدخان الأبيض كما تعودوا، بل أنهم نجحوا  في إثارة عاصفة من النقاش حول تعريف الأدب بالذات، باختيارهم لمغن أمريكي لا يختلف سكان كوكبنا حول قيمته، لكن الكثير منهم  يستغربون وجوده في مجرّة الأدب.
وبين من ينعي نوبل وبين من يمجد تكسيرها للأطر الكلاسيكية في منح جائزة الجوائز، تمتد مساحة شاسعة يشيخ فيها منسيون وتنبت شواهد قبور وأشجار غضب، لأن نوبل أصبحت بكل بساطة عنوان المجد الأدبي الذي تطلبه أمم ولغات وأعراق  وثقافات، وهذا عبء كبير على جائزة وعلى قضاتها المغمورين، وعلى «التقدير» نفسه وقد أختزل في مناسبة سنوية وحيدة لا تكفي جميع المنتظرين من الأحياء المهددين بموت لا تتحمل نوبل مسؤوليته.
و يجب الاعتراف أن الجائزة تصيب دائما في الإشارة إلى أسماء لا يندم العالم على معرفتها  بعد أن تخرج من الظلام وتصير أليفة، ويكتب عنها الذين يكتبون وكأنهم يعرفونها بصفة شخصية، بغض النظر عن المقاييس والمصادفات والمواقف والظروف التي تجعل أحدهم مرئيا  وتبقي غيره بعيدا عن الضوء الرحيم.
وقد تبنت نوبل في تبريرها لاختيار بوب ديلان خطابا «أصوليا» وهي تنسب كاتب الأغاني الذي أحدث «تغييرات شعرية جديدة في الأغنية الأمريكية التقليدية» إلى جده هوميروس، و كأنها تقول أنها أحيت  من خلال المغني الأمريكي شعراء العالم جميعا، لأن الأدب بدأ هكذا: كلام غير عاد يردّده أحدهم.
تبرير تجاوب معه الكثير من الكتاب الذين اعتبروا الأدب أوسع من أن يحتويه كتاب، وهو تجاوب مخيف لأنه يصيب الأدب والكتاب في مقتل في زمن بات الناس يتعاطون فيه الفنون عبر الحواس الكسولة التي تنقل لهم المتعة منطوقة ومصورة وتعفيهم من قضاء وقت طويل في القراءة، وأصبح التواصل يتم فيه عبر رموز تهدّد اللغة البديعة بالانقراض من قواميس أجيال لن تكون في حاجة إلى قراءة الروايات أو الشعر لتستمتع، مادام تحصيل المتعة من سوقها المفتوح لا يتطلب جهدا أو وقتا.
من حق نوبل أن تغيّر عاداتها وتكسر تقاليدها، ومن حق كهان الأدب، أيضا، أن يخافوا وقد أصبحوا مهددين بفقدان  الملجأ الذي شيدوه للهروب من وحشية العالم.
سليم بوفنداسة

 
    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى