تؤشر حالات الاعتداء على «الآخر» بالمفرقعات في مناسبة دينية في مجتمع يتظاهر بالإفراط في التدين، إلى ارتفاع منسوب العنف إلى مستويات قياسية، فإلقاء مفرقعة على عابر ليس تسلية تمارسها سيدة في شرفتها أو لعب أطفال، بل  عملية قتل رمزي تحيل إلى خزان عدوانية، والمعتدي في هذه الحالة يقوم بتعويض عن حرمانه من ممارسة العنف على وجهه الصحيح.
وليس طقس العنف الجماعي الذي نشهده في ليلة المولد سوى حلقة في سلسلة من أعمال العنف تمتد من القتل إلى الخطاب، وتحيل إلى مرض خطير في المجتمع الجزائري لم يتم علاجه أو لم يتم تشخيصه بدقة.
فأخبار القتل لأتفه الأسباب أصبحت مادة يومية لوسائل الإعلام الوطنية، و كثيرا ما يرجع دارسون الظاهرة إلى تأثير سنوات الإرهاب وقبلها عقود الاستعمار على نفسية الفرد الجزائري الذي تربى في مناخ يتقاسم فيه أدوار البطولة  مقتولون وقتلة، ويحتاج التخلّص من النموذجين إلى عمل عميق تقوم به المؤسسة السياسية ومؤسسات التعليم التي يفترض أن تضطلع في المقام الأول ببناء إنسان سوي مؤهل للعيش المشترك وتلقي المعارف، وأي خلل في عمل المنظومتين سينعكس على المجتمع والأفراد.
ونلاحظ اليوم أن “إنتاج” العنف تحوّل إلى بطولة تثير الإعجاب حتى لدى وسائل إعلام صارت تستدرج نجوم الخطاب العنيف الذي يروق المتلقين المفترضين، بل وحتى بعض الفئات المصنفة في خانة النخبة باتت تنتج هذه السلعة المشؤومة، ويكفي مراجعة ما يصدر عنها  على شبكات التواصل الاجتماعي للوقوف على خطورة الحالة.
ونحتاج  إلى اعتراف بأننا في حالة حرب غير مرئية، لنشرع في وضع التسويات الضرورية التي تزيل هذا السلوك البدائي من حياتنا. وربما كنا في حاجة إلى إحياء عقد اجتماعي ينهي حالات الإقصاء والريبة واليأس والشك والخوف والعدوان، و يعيد بناء الجسور و تعريف العلاقات بين المؤسسات والأفراد على أساس الاستحقاق الذي يقتضي دمقرطة حقيقية لحياتنا العامة، لأن محاولات فرض الأمر الواقع من طرف النخب السياسية والاقتصادية، ستؤدي إلى استفحال المرض الذي يتطلب علاجه أيضا تنمية بشرية، لا تقوم على فرنسة اللسان  كما يعتقد البعض ولكن على تأهيل الإنسان الجزائري لكي يكون فاعلا بالإيجاب في زمانه ومكانه، يشعر بأنه قابل للإحترام  فيتحوّل مع مرور الوقت إلى إنتاج هذه السلعة النادرة.
ملحوظـة
لن نفلح في القضاء على الشرّ إذا كنا نجامله هنا ونحاربه هناك.
سليم بوفنداسة

 
    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى