ما إن تناقلت الصحافة خبر استماع الشرطة إلى كاتب شاب، حتى بدأ بعضهم الإشارة إلى شيوخ الأدب.
أصحاب الإشارة خصوا بالذكر رشيد بوجدرة، أكبر كاتب على قيد الحياة في الجزائر وربما اجتهدوا في إعداد  لوائح بأسماء الكتاب الذين يحتاجون إلى تفتيش. وبكل تأكيد سيجد المفتشون مخفيات كثيرة في روايات طالها النسيان، سيجدون كل ما يبحثون عنه وسوف يستغربون كيف فاتهم هذا!
ولا ينزعجن أحد منكم، إنه النقد الجديد إنها ذائقة جديدة تقرأ الأدب بالأدوات المتاحة، أي بالمفاتيح الدينية الملقاة في الشوارع والجرائد والقنوات التلفزيونية، حيث يصنع الرأيَ العام شبانٌ لم  يقترفوا  فعل قراءة الكتب وشيوخٌ جادت بهم ثقافة تحريم شرق أوسطية، والقادم سيكون أحلى مع أجيال ارتفعت دون أساسات ولم تستهلك خارج البرامج الدراسية سوى الخطاب الديني وكرة القدم.
لقد أصبحت اليوم كل الفنون مستهدفة، ليس من أصحاب الإشارة والحراس فقط بل حتى من جماهير محدودة الثقافة تحاول فرض الرقابة على الفن  ما دام الحقل الوحيد الذي تُتاح فيه الرقابة، ففي عنابة احتج الجمهور على مشاهد حميمة في فيلم عرض في المهرجان المتوسطي للسينما العام الماضي، و ندّد المنددون  بعدم احترام العائلات التي حضرت العرض، حيث لم يراع الممثلون نوعية الحضور ولم ينتبهوا إلى أنهم في الساحل الجنوبي للمتوسط وسمحوا لأنفسهم بالقيام بسلوكات اعتبرتها «العائلات» منافية للأخلاق، رغم أن هذه العائلات هي التي ذهبت تلقائيا لمشاهدة الفيلم وليس العكس!
وفي العاصمة سجلت حالات غضب أكثـر من مرة بين صحافيين حضروا عروضا سينمائية قام فيها الممثلون بما لم يتوقعه المشاهدون.
نعم، يحدث هذا في الجزائر الآن، الجزائر التي عرضت في قاعاتها روائع السينما العالمية وكان المواطنون والمواطنات والطلبة والطالبات فيها يذهبون لمشاهدة الأفلام، دون أن يصابوا بصدمة أو يحتجوا على سلوك الممثلين، بل أن التلفزيون الجزائري كان إلى غاية نهاية ثمانينيات القرن الماضي يعرض الأفلام بمشاهد حميمة و دون إسراف في الحذف و كان من التلفزيونات العالمية المشهود لها في اقتناء أهم الأفلام العالمية التي لو عرضت اليوم لوقعت الواقعة.
و الحاصل أن معاداة الفنون والآداب، نتيجة طبيعية لتوجه اجتماعي وتربوي أنتج أجيالا  لا تعرف الأدب والسينما والفنون التشكيلية، أجيال تربت في أحضان الموت والخوف والخطابات الكاذبة والكبت، ولم يتم تأهيلها لتذوق الجمال والفن، ومنها خرجت «النخب الجديدة» التي تحاكم الخيال وتشير بأصابع التجريم إلى الكتاب وتصرخ: فتّشوهم!
سليم بوفنداسة

 
    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى