كعالم آثار يريد إشعال الحياة في المدن المنسية تحت طبقات الصمت يُعلّم الأمكنة، كفقيه في الخرائط الجينية يلاحق تحولات الكائنات من الجد الأول الذي يقفز فوق الشجرة  إلى البهلوان الأخير المتلعثم أمام الكاميرا. يشير إلى ما مضى ويستدعي الغائبين ليكونوا شهودا على ما صارت عليه الحياة بعدهم.
لا يمنعه ضجر من إخراج أوراقه القديمة ليسرد  علينا «جزائره»  بأعلامها  و رموزها المغفلة لسبب ما أو دونما سبب. الجزائر ناظرة إلى نفسها و مصغية إلى صورتها في مرايا الآخرين، هو الذي اجتهد في الترجمة من أكثـر من لغة لرفد حياتنا بالآداب والمعارف، دون أن يقصّر في التصدي لمختلف القضايا  في حدود ما أتاحته الصحافة التي اشتغل فيها طويلا (وهرب منها كثيرا ) بأدوات معرفية تعوز عادة المشتغلين في هذا الحقل.
«يدوّن» عبد العزيز بوباكير أحداثا مهمة في تاريخنا الثقافي والسياسي كشاهد خائف على ضياع الأثر الثمين، ويذكرنا أن الجزائر كانت تستقبل رواد الفضاء وكبار الفنانين والكتاب العالميين والعرب، في زمن مضى وانقضى يبدو أقرب إلى الحلم. الجزائر ذاتها التي يحاول بعضهم اليوم تقديمها في صور كاريكاتورية ، أي جزائر الإبراهيمي التي “يفتحها” الشاب وسيم في التلفزيون حيث نرى «دكاترة» يصورون بهواتفهم «الذكية» الداعية السلفي و هو يعلّمهم مكارم الأخلاق، أو نرى راشدين يحملون أطفالا لتقبيل لحيته!  
ينبهنا إلى علامات و أصدقاء وجب على الجزائر ألا تنسى  فضلهم  عليها و إلى أعداء يجب ألا تسقط مواقفهم بالجهل أو بالتقادم، دون أن يزن الأمور في موازين الضغينة بل يتركها لمقياس الحقيقة، وكم تبدو الحاجة ماسة اليوم إلى جهود مماثلة لجهد هذا المثقف الفذ وسط هذا الضباب  وهذا الاضطراب في الهوية  الذي يعاني منه مجتمع فقد معالمه ودولة وطنية تواجه صعوبة في استكمال البناء.
على جدار عبد العزيز بوباكير  يلتقي يأس جمال عمراني بغضب كاتب ياسين ومحنة التوحيدي وعبث سعيد بوطاجين الرفيع، ومن كتاباته نتعلّم درسا مهما فحواه: كل شيء كتابة أو لا يكون، ومنها نتعلّم كيف يكون الكاتب فاعلا في زاويته المظلمة دون أن يرغب في الأضواء أو ينشد مكانة، يكفيه أن يمسك بالحقيقي في غابة الزيف.
سليم بوفنداسة

 
    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى