اكتشف بعض العرب، أخيرا،  صفة افتقدوها  لقرون فحاولوا تجريبها ميدانيا في حملة عسكرية على اليمن الذي لم يعد سعيدا.
و إذا كان المبرّر غير المعلن، هو مواجهة المدّ الإيراني في المنطقة العربية، فإن المبرّر المعلن  يثير الاستغراب، خصوصا حين يتمّ التنصيص على كلمة «الشرعيّة» التي يفترض تحريم استعمالها عربيا.
نعم، لقد تفوّق الواقع العربي على المسرح العبثي، وتزداد عبثيته حين تنهض بعض النخب للحديث عن الشرعية في اليمن وتنسى أنها ولدت وسوف تموت وتبعث في بلدان لم تجرّب الانتخابات حتى وإن كانت مزوّرة، أو ترفع شعارات طائفية ومذهبية لتبرير قرار الذهاب إلى الحرب.
و الطريف في القصة أن الحزم العربي بدأ حين جنت إيران ثمار حزمها مع الغرب بخروجها سالمة من عملية كسر عظام دامت طويلا وأدارها الإيرانيون بصبر و حكمة، لأن الحزم الإيراني كان في بناء الذات باكتساب ناصية العلم وبقول «لا» للقوى المهيمنة والتعامل معها بنديّة.
و النتيجة أنها خرجت من المعركة كقوة إقليمية لم تفرط في برنامجها النووي حتى و إن وافقت على إخضاعه للرقابة، في حين تحاول الجارات العربية استخدام طائراتها الأمريكية في قصف أعرق حاضرة في المنطقة.
ومن الطرافة أيضا أن العرب الشعراء بالفطرة اضطروا إلى انتزاع كلمة من قاموس بوش الكريه لتسمية الحملة، في محاكاة لعاصفة الصحراء التي حوّلت العراق إلى ما هو عليه الآن، دون أن يأخذوا في الحسبان الإحالات المشؤومة لكلمة عاصفة. كما أنهم استعاروا أدبيات التدخل من المدونة الغربية التي أثراها  هواة الغزو بمصطلحات التدخل الإنساني والتدخل لتكريس الديموقراطية، وهي مصطلحات اختفى خلفها صنّاع القرار  لتبرير حروبهم الأخيرة على العرب لشعوبهم، لأن صنّاع القرار في هذه الدوّل يخرجون من الصناديق لميقات معلوم وقد يخرجون من الحكم بالصناديق ذاتها، عكس صنّاع القرار في العالم العربي الذين يعتقدون ويشيعون في شعوبهم أنهم مرسلون، والذين لا يحق لهم – لو حق الحق- حتى التدخل في شؤون بلدانهم.
ثمة ترتيبات جيوستراتيجية تم إخضاع المنطقة العربية لها، وقد يكتشف الذاهبون إلى الحرب (متأخرين) أن الخروج من الحرب ليس كالدخول فيها.

سليم بوفنداسة

 

 
    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى