هل كفت الجزائر عن إنتاج الأفكار وباتت «نخبها» تكتفي بردود أفعال حول ما يتداوله رواد شبكات التواصل الاجتماعي؟
معاينة يفرضها ما يثار، مرّة أخرى، حول المسألة اللغوية بمناسبة كلام عارض لكاتب جزائري في قناة فرنسية، وبمناسبة حذف “البسملة” من الكتب المدرسية.
فكمال داود لا يستطيع “إلغاء” العربية بتصريح، كما أن الانتقادات التي تعرض لها كانت على أساس خاطئ، فالرجل قال أن العربية ليست لغتنا الأم في الجزائر والمغرب، في إشارة إلى اللغات الدارجة، وبالطبع فهو ليس أول من يصل إلى هذا  “الاكتشاف” فقد سبقته إليه قبل نحو ثلاثين عاما مليكة  قريفو صاحبة كتاب “المدرسة الجزائرية من بن باديس إلى بافلوف»، حين أكدت على “أجنبية” العربية التي يكتشفها التلاميذ في المدارس، مع مراعاة الفرق بين باحثة ميدانية مختصة وكاتب يدلي برأيه.
 لكن داود أخطأ حين أراد إلصاق العربية بالسلطة، وهي والحق يقال بريئة من هذه اللغة، لأن السلطة التي قصدها تتعاطى نفس اللغة التي يكتب بها هو و يعترف  أنه يحبها ( ولا لوم عليه في ذلك)، ومن الغرابة حقا أن يصدر تشخيص كهذا عن كاتب وصحفي في نباهة داود. فالفرنسية هي لغة السلطة ولغة المال ولغة القوة ولغة الصحافة ولغة الأدب في الجزائر، والدليل على ذلك أن الكثير من الكتاب الذين يكتبون بالعربية التي ليست هي اللغة الأم، ويطرحون آراء أكثـر ثورية من أراء داود ويلقون بنصوص أقوى من نصوصه يظلون غير مرئيين وغير معترف بهم، ويعيشون هذه الوضعية كنوع من القهر، إلى درجة أن كاتبا  كسعيد بوطاجين (الذي ليست له مشكلة مع الفرنسية) أطلق صرخة مدوية: “علموا أبناءكم الفرنسية”!  وإلى درجة أن بعض الكتاب الذين لا يتقنون اللغتين أصبحوا يدافعون عن الفرنسية وينتقدون العربية في “تقمّص” بديع للمعتدي!
والأمر في نهاية المطاف يتعلق بلغة مستبدة لا يقبل حراسها بلغة أخرى كالانجليزية التي هي لغة العالم، والتي من المفروض أن نعلّمها لأبنائنا، الذين لا علاقة لهم بالماضي، كي يذهبوا إلى المستقبل.
كما تلخص “قضية البسملة” انصراف النقاش عن الجوهري لحساب السطحي، وتلك أيضا علامة من علامات الإفلاس، في مراحل تحتاج فيها الأمة إلى صوت العقل وإلى تشخيصات دقيقة لأسباب تخبطنا.
ملاحظــة
العربية ليست اللغة الأم، هذا أمر معروف قبل ظهور داود، وهي ليست لغة الأب أيضا، والمؤكد أن الذين يتعاطونها سيظلون بلا ثدي ولا سند.   
سليم بوفنداسة

 
    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى