أصبح "بعض الناشرين" يلقون بكتب كلّ خريف ويطلقون عليها التسميات، دون التحقّق من جنسها وصفاتها، بل ولا يكلّفون أنفسهم حتى عناء قراءتها.
الظاهرة بدأت في سنوات الريع، حيث استفاد المستفيدون من ملايير جرى تقسيمها على أصحاب "قوائم" الكتب، الذين بلغوا من اللهفة حدّ مطالبة كتّاب محتملين بعناوين كتب ينوون كتابتها، قبل انقضاء آجال تسليم القائمة!
وفي الزحام ضاع الناشرون الحقيقيون الذين يحرّكهم حب الكتاب، وظهر "أثرياء" سيختفون، قطعا، في السنوات العجاف، لكن المؤكد أن هذه المهنة النبيلة والخطيرة، قد استبيحت بشكل أتى على تقاليدها وقواعدها، في مرحلة كان يفترض فيها تمكين هذا النشاط من أدوات ازدهاره.
والنتيجة أن تقرأ كلمة شعر على الغلاف ولا تجد الشعر بين الدفتين وأن تقرأ  كلمة رواية  و لن تجد الرواية، وقد لا تجد شيئا في بعض الحالات.
ويتحمّل الناشر مسؤولية كبيرة، هنا، لأنه وافق على نشر ما لا ينشر، لكن المشكلة تكمن في موسمية الفعل و عدم ديمومة الفاعل الذي تعامل مع صفقة نزلت كمائدة من السماء، وسوف يتحوّل إلى مائدة أخرى، لأن الأدب لا يعنيه، والتاريخ أيضا.
و بالتالي فإنه لن يكون في حاجة إلى إحراج نفسه بلجنة قراءة مختصة تفرز له أجناس الكتب،مثلا، أو بمصححين ومدققين يرمّمون الأثر قبل إلقائه للقراء، وليس ذلك بالأمر الصعب لو عرف الصانع صنعته وأتقنها.
و لا بد، في النهاية، من مساءلة الضمير المستتر، أي، مقسّم الأرزاق الذي أضرّ بالنشر بإفساد مقاصد دعم الدولة للكتاب وتحويلها إلى غنيمة، ففي كلّ دول العالم تستفيد بعض النشاطات "ذات القيمة" من الدعم لحمايتها من شروط السوق القاسية التي قد تدفعها نحو الابتذال، فتستفيد دور نشر وصحف وفق معايير معلنة، لأن الأمر يتعلّق بخدمة المجموعة الوطنية بل وبخدمة الإنسان وليس بمجرد طرح سلعة للبيع. كما أن "حراس الذائقة" من نقاد وصحفيين مختصين لن يتساهلوا أبدا  مع كاتب الكتاب وناشره والساعي بينهما، لو وقفوا مثلا على سبعين خطأ في الصفحات الأولى من رواية!
ملاحظــة
استباحة مهن خطيرة كنشر الكتب والصحف، اعتداء على الحاضر وتخريب للمستقبل!
سليم بوفنداسة

 
    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى