ظهروا بشكل لافت مع ظهور القنوات التلفزيونية الخاصة في الجزائر، وحتى وإن كان من غير اللائق التعليق على قمصانهم وحركات أيديهم على اعتبار أن الحديث في التلفزيون رياضة جديدة في الجزائر، والأناقة نقطة اختلاف بين فقهاء الذوق والخبراء في أحوال القماش، إلا أن اللافت هو تأمينهم على كل ما يقوله المذيعون والمذيعات و لو كانت الأقوال تنافي المنطق وتناصبه العداء!
وربما كان دافعهم إلى ذلك أن المذيع (ة) لا يقول ما يقول تلقائيا، و أنه سينجح  في مجاراة الوحي بتأمينه على كلامه. لا يتعاملون مع الوقائع موضوع النقاش بتجرّد ولكن مع أثر الوقائع  و الروايات الرسمية المرجحة.
و بلغوا من الطيبة حدّ التعليق على حدث مباشر مجهول التفاصيل معتمدين على كلّ ما تتيحه أفعال الرجحان من هوامش ، أو التهليل لإجراء ونقيضه. وفي حالات  أخرى يقاربون الوقائع للبرهنة  على «نبوّتهم» في نزعة نحو الخرافة لم تكبحها المعارف.
يخرجون عن ملّة العلم إلى التعميم الرحيم الذي يتستر اسم أبيه «التضليل» طلبا لمجد ما يجود به ضمير مستتر يفوق تقديره الوصف.
تقلب الاقتصاد فتقلبوا في مجراه. تقلبت السياسة. تغيرت الأحداث. فتقلبوا بالقمصان ذاتها والأصابع ذاتها والأسنان ذاتها و المقدمات الطويلة بخلفيات سادية. مبرّرون يفترشون الصبر و يهدرون أعمارهم في قاعات الانتظار أو ناقمون يعالجون خسارة واقعة بالكلام.
ظهروا في التاريخ المذكور أعلاه بشكل مثير للانتباه، وقبل  ذلك اتسع الأثير أو أعمدة الصحف  لقلّة منهم مع ما تقتضيه الأخيرة من مشقة الكتابة، خدمهم نهم البث إلى الكلام، لكن الكثير منهم لم يشبعوا حاجة الحقيقة إلى البث.   
لا يحلّل المحلّل إذ يحلّل في التلفزيون ولكنه يوهم بشيء ما، تماما كما «الراقي» يوهم بالشفاء مرضى ضلوا الطريق إلى العلاج النفسي.  وقد يصيب «التحليل» كل القطاعات وما قيل عن السياسة والاقتصاد ينطبق على علم الفلك والرياضة (المشككون في ميلاد الهلال و المرافعون لصالح اللاعب المحلي الذين خرّبوا المنتخب، مثلا)
لا يكتفي «المحلّلون» بما منحتهم اللغة من مهام ولكنهم يستدرجون الفقه  فيما سيأتون من أفعال ، فيلعبون ذلك الدور الرهيب في مخاتلة الشرائع: إعادة الطليقة إلى الزوج  النادم!
سليم بوفنداسة

 
    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    • عن الوحشيّة عموما وعن الغرب بالخصوص

      قد تبدو الكلماتُ تعيسةً أمام الأهوال التي تحدثُ، وقد يبدو كلّ موقفٍ لا يغيّر الحال مجرّد انفعال بلا أثر، أمام الجدران التي أقامتها وسائل الإعلام الغربيّة ووسائل إعلام عربيّة مُتصهينة، حاولت اختزال ما يحدثُ في ردّة  فعل على اعتداء لمنع...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى