يظهر المسؤول الأقل مرتبة وهو يحرّك رأسه بالإيجاب وعلى وجهه أمارات الخشوع والطرب لما يصدر عن «المتكلّم». يظهر جمع من الحضور وهم يحرّكون رؤوسهم في الاتجاه ذاته إذ يستمعون إلى خطبة الخطيب. تتحرّك الرؤوس بانتظام على إيقاع الكلام وقد يندلع تصفيق مشفوع بتحريك شديد للرؤوس، فيما العيون تتطلّع بإعجاب مبالغ فيه إلى المعنيّ بالأمر على أمل أن تتقاطع النظرات ويشرّف صاحب الشأن صاحب الرأس بنظرة تستخلص رسائل الولاء والطاعة. وقد ترى –مثلا- أحد الذين لا يخطئون في اللغة وهو يقوم بالحركة المذكورة أعلاه أمام مسؤولة وهي تنكّل باللّغة. وقد ترى ذات الأشخاص يأتون ذات السلوك على التصريح ونقيضه.
لا يحدث ما جرى ذكره في مسرحية أو فيلم كوميدي بل في نشرات أخبار جادة تضمن تغطيات نشاطات مسؤولين في بدايات هذا القرن الحزين، حيث يجري ابتداع طقوس مرافقة للنشاطات الرسمية تقوم على التبجيل والاحتفاء بأشخاص يفترض أنهم يقومون بعمل مقابل أجر. و يمكن  تحليل هذه الطقوس لمعرفة النواميس الجديدة التي أصبحت تحكم النسيج الاجتماعي الجزائري ومفهوم هذا المجتمع للسلطة و آليات الحكم التي انتظمت بعد تجربتي الاستقلال والحرب الأهلية. قد يكون هذا الحقل مفيدا للدارسين المختصين في علوم الاجتماع والنفس والسياسة، لكن المظاهر التي تعلن نفسها دون حاجة إلى الدراسة تشير إلى انقلاب في سلوك الجزائري الذي تخلى عن اعتداده الثوري أمام «السادة» الجدد من رجال المال والسلطة وبات يأتي بسلوكات من النوع المذكور سلفا (تحريك الرأس وغيره) استجابة لإغراءات أو خضوعا لاكراهات باتت تميز إدارة المجتمع الذي افتقد لفضائل الاستحقاق وطغت عليه مساوئ الريع ما جعل العلاقات الاجتماعية والعلاقات بين القيادات الاجتماعية تقوم على ابتزاز  صامت وقهر غير معلن وخنوع ينتقي لنفسه صفات غير مخجلة.
إننا هنا  في قلب ثقافة خداع تحيل إلى صراع بدائي لا يليق بمجتمعات حديثة تديرها مؤسسات وتخضع لتشريعات وقوانين.
ملاحظة
خدمة لحقوق الإنسان وحماية للمواطنين من الإصابة بالداء يجدر بالتلفزيونات الوطنية العمومية والخاصة أن تمتنع عن بث صوّر محركي الرؤوس!

سليم بوفنداسة

 
    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى