تفتقد الجزائر إلى التقاليد العلميّة التي تجعل المواطنين يتعاطون بنزاهةٍ مع الباحثين في مختلف الحقول، بل و يتجاوبون معهم، لأن الأمر يتعلّق بأبحاثٍ لها جدواها في تشخيص مختلف مشاكل المجتمع، مثلما تفتقد، أيضا، إلى صحافةٍ تفرّق بين «الإثارة» كوسيلة لبيع بضاعتها وبين المسائل العلميّة التي تستدعي درجةَ من الجديّة، يعتبر النزول دونها عبثاً «لا تُحتمل خفّته”.
إذ كيف يتحوّل استبيان دراسة  في علم الاجتماع  تستهدف شريحة من المجتمع، إلى “فضيحة”  و “سابقة خطيرة” تثير اهتمام الصحافة ومعلّقيها الذين لن يتردّدوا في التحذير من خطر سؤال عن “العذرية” ويستبقون البحث العلمي في إصدار النتائج والأحكام ، وكيف يتجاوب مدير تربية مع “ الفضيحة”  ويصف الاستبيان بغير اللّائق وغير المقبول  و”يقرّر” إلغاء الترخيص الذي وزّعت بموجبه الباحثة الاستبيان على تلاميذ ثانويات بالعاصمة،  وهل يستحقّ من يُستثار على هذا النحّو ويمنع القيّام ببحثٍ علمي أن يكون في موقع مسؤوليّة على صلة بتلقين العلوم؟
من الواضح أن كلمة “عذريّة” تجلب “القرّاء” وبالتالي تبيع الصّحف وترفع عدد الناقرين في المواقع، لكن أن يُقدّم موضوع استبيانٍ بسيطٍ كمؤامرة أو محاولة لدفع التلاميذ نحو الانحراف،  فذلك ينطوي على مغالطة  ويحيل إلى “الجهل” بذاته وصفاته القبيحة، وعدم احترام ذكاء القراء و لا تلاميذ الثانويات الذين يعرفون بكل تأكيد في هذه المسائل، ما لا يعرفه “الصحافيون” الذين اهتموا بالسّابقة ورأوا فيها موضوعا يستحقّ المعالجة الإعلاميّة!
و قد يكون التفاعل السلبي مع بحثٍ علميٍّ لتضمنه مسألة جنسيّة ، مادة للدراسة  و التأمّل، في مجتمعٍ ترتفع فيه نسبُ الطّلاق بسبب مشاكل مرتبطة بالثقافة والمعارف الجنسيّة للأزواج وعزوفهم عن استشارة الأطباء تجنّبا “للعار”، وتشجّع صحافته الرّقاة والمشعوذين وتحوّلهم إلى نجوم  يخاطبون الناس عبر التلفزيونات والجرائد، وتناهض العلم  وتحذّر من خطره. شرط أن يتجنّب كلّ دارسٍ للموضوع “الاستبيان” في جمع مادته العلميّة، لأنه قد يصبح مصدر ريبة، وربما فتوى تحرّمه وتشيطن صاحبه أو تجلب له الأذى!
ملاحظة
أخطر من الخطر الذي رصده الغاضبون على ذكر «الغشاء» في الاستبيان، الغشاوة التي تُفسد رؤيتهم.

سليم بوفنداسة

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    • سوط

      تمنح ُ الحرب القذرة الدائرة الآن  الوجاهة للروايات التي تتحدّث عن حكومة خفيّة تقود العالم، وعن جماعات شيطانيّة تتحكّم في المصائر، وتؤكد أنّها لم تكن بالضرورة مجانبة للصواب، شأنها في ذلك شأن الخطابات التي تسفّه القيّم الغربيّة وتُسقط عنها...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى