غيّب الموت صباح أمس الإعلامي و الأديب عبد الرحيم مرزوق، عن عمر ناهز 64 سنة، ببيته بقسنطينة، بعد تعرّضه لوعكة صحية أدخل على إثرها المستشفى. عمل الزميل الراحل عبد الرحيم مرزوق، المولود سنة 1952، بجريدة النصر طيلة 32سنة، انتقل خلالها بين عدد  من الأقسام منها الجهوي و الوطني و المجتمع، لكن اهتمامه كان منصبا أكثر في المجال الثقافي، أين لم يتوان عن تغطية مختلف التظاهرات الثقافية و الفنية و بشكل خاص الملتقيات الأدبية، باعتبار أصدقائه المقربين من المحيط الأدبي من كتاب و شعراء.
بدأ الفقيد مساره المهني مراسلا صحفيا من ولاية ميلة في بداية السبعينات، قبل ترسيمه كصحفي محترف بجريدة النصر في ثمانينات القرن الماضي، جرّب العمل في مختلف التخصصات، غير أن قلمه كان أكثر سيولة عندما يتعلّق الأمر بالمقالات الثقافية، حيث كان يعترف لرفاقه باهتمامه و تفضيله للمجال الأدبي، أكثر من أي مجال آخر، و هو ما عكسته كثرة تغطياته للتظاهرات الثقافية و الفكرية و الأدبية، و محاولاته العديدة في النقد الأدبي، كما أصدر مجموعة قصصية تحمل عنوان «من أين تأتي الشمس يا أمي»، لكن انشغاله بالعمل الميداني حال دون تفرّغه لكتابة و إصدار المزيد من الأعمال.
مرزوق الذي تقاعد من جريدة النصر عام 2012، رفض نزع قبعة الصحفي و استمر في العمل بجريدة جهوية، و تعاون مع إذاعة ميلة كمعد و منشط لحصتين هما «أوراق ميلافية»و «حكاية مدينة»، كما واصل نشاطه الجمعوي ضمن عدد من الجمعيات الثقافية و شغل منصب رئيس فرع اتحاد الكتاب الجزائريين بميلة.
و بقي الراحل على تواصل بالأسرة الإعلامية و بالخصوص مع زملائه بجريدة النصر، حيث كان يزورهم من حين إلى آخر، و تعود زيارته الأخيرة لمقر الجريدة منذ شهرين تقريبا، حيث تحدث عن مشاريعه العديدة في مجال الإعلام الثقافي الإلكتروني العربي، و بدا متحمسا جدا للمشروع الذي قال بأنه سيجمعه بكبار الإعلاميين العرب بملتقى بالعراق، لكن المنية كانت أسرع.
«أحلام في مزاد الإعلام» ، هو عنوان آخر المقالات التي نشرها بالمجلة الإلكترونية الثقافية الشاملة «نوافذ ثقافية» و التي حاول من خلالها إنصاف الأديبة أحلام مستغانمي، بعد حملة إعلامية تعرضت لها.
يجمع كل من احتك بالصحفي مرزوق بأنه كان شخصا مسالما، ودودا و يميل للمداعبة و المزاح، و قد نزل نبأ وفاته كالصاعقة على أصدقائه و زملائه الذين رصدت النصر آراء بعضهم.
الإعلامي و الأديب  علاوة جروة وهبي
كان لا يظلم و لا يسامح من يظلمه
«فقدنا اليوم زميلا و صحفيا بشوشا، عرفته كمراسل صحفي لجريدة النصر، قبل أن ينتقل للإقامة بقسنطينة و يلتحق بالتحرير المركزي كمتعاون، ثم كصحفي محترف، كان كاتبا للقصة القصيرة و مشاركا في الحركة الأدبية و صدرت له مجموعة  قصصية بعنوان «من أين تأتي الشمس يا أمي»، كما كان عضوا في اتحاد الكتاب الجزائريين.
ما أذكره عن زميلي الراحل مرزوق مساهماته و مشاركاته العديدة في الملتقيات الأدبية، و كذا كتاباته و محاولاته النقدية المنشورة في عدد من المجلات و الصحف العربية.
و إن كنت لا أعرفه بعمق، فيمكنني الجزم بأنه رغم قلة إنتاجه القصصي، إلا أنه يعد واحد من أبناء جيل السبعينيات الذي حفر اسمه في لوحة تاريخ القصة القصيرة في الأدب الجزائري الحديث، كما أنه تمكن بفضل مثابرته و دأبه من فرض اسمه في لوحة الإعلام، و الإعلام الثقافي بصفة خاصة.
إن صورة مرزوق الإنسان المتخلّق، طيب القلب و المعاملة، ستبقى راسخة في الذهن، فهو لم يكن يظلم أحدا، لكنه لم يكن أيضا يسامح من يظلمه. رحم الله الفقيد و أسكنه فسيح جنانه».
الإعلامية المتقاعدة صفية بلغربي
ابتسامته تسبق خطواته و حديثه
«عرف بطيبته و هدوئه و كانت روحه المرحة تطبع تصرفاته، و ابتسامته تسبق خطواته و  حديثه إليك، فكانت كل الأقسام مفتوحة له، إلا أنه كان يختار الانزواء في قسم الأرشيف ليحرّر مقالاته، حيث كنت أذهب إلى هناك مباشرة، عندما لا أجده في مكتبه، بحكم إشرافي على قسم المجتمع الذي كان يعمل به. و قد ظل حنينه إلى القسم الثقافي، يغلب على كتاباته، و كان يسارع إلى تغطية كل ما له علاقة بهذا المجال الذي يحرّر قلمه، و تشاء الأقدار أن يغادرنا في ليلة القدر التي كثيرا ما غطى تظاهراتها و ابتهالات المصلين توّدع رجلا طيّبا خجولا».
الدكتور  عبد الله بوخلخال
صحفي نشيط لا يكل من تغطية الأحداث الثقافية
«بداية نترّحم على صديقنا عبد الرحيم مرزوق الذي كان من بين الصحفيين الأوائل الذين تعرفت عليهم منذ عقود بجريدة النصر، الرائدة في تغطية الأحداث الثقافية و الفكرية على مستوى شرق الوطن،  توطدت علاقتنا بفضل حماسه و نشاطه الدؤوب في تغطية الملتقيات و المؤتمرات الثقافية و الفكرية و الأدبية و التاريخية.
و قد عهدته صحفيا نشيطا لا يكل من نقل الأخبار الثقافية، حتى بعد إحالته على التقاعد، أين بقينا على تواصل بفضل نشاطه المتواصل في المجال الثقافي، ضمن جمعيته التي أسسها بمسقط رأسه ميلة و التي تعنى بالأدباء الشباب، فضلا عن نشاطه ضمن اتحاد الكتاب الجزائريين.عبد الرحيم مرزوق، اسم معروف ليس فقط على صفحات جريدة النصر، و إنما في المحيط الأدبي ككل، بفضل مقالاته التي كان ينشرها من حين إلى آخر بمختلف المجلات و الجرائد المحلية و الوطنية.  
نحن في العشر الأواخر من رمضان و في ليلة القدر، نترحم على روح الفقيد و نرجو من الله أن يتغمده برحمته الواسعة، و نتقدّم إلى كافة عائلته بتعازينا القلبية».
الإعلامي المتقاعد محمد كيموش
الصفحة الثقافية بالنصر لن تنسى بصمته
«علاقتي بمرزوق رحمه الله، لم تخل من الطرافة و الجد في آن واحد، فهو يزعجك أحيانا و يراضيك أحيانا أخرى، بقلبه الطيّب و روحه المرحة التي لا تترك مجالا للحقد.
عملنا طيلة سنوات، لم يتغيّر خلالها أبدا، بل بقي كما عهدته محبا للمرح، مولعا بالأمور الثقافية، شعبيته كبيرة بالمحيط الثقافي المحلي، باعتباره من أكثر الإعلاميين تغطية للتظاهرات الثقافية طيلة أكثر من 20 عاما. و صلته بمجال الإعلام الثقافي لم تنقطع، عكس الكثيرين بعد خروجه للتقاعد».                           
مريم/ب

 

من هناك.. تأتي الشمس لتحرسك

غاب عبد الرحيم مرزوق، فجأة لم يتهيأ للغياب. لم يتقاسم مرح الراحلين مع أحد. لم ينتبه للألم الخفيف إلا حين اشتد، لكنه لم يكن يحسبه قاسيا إلى الحد الذي  يقطف فيه الحياة نفسها بلا تردّد.
بدا خبر الرحيل عصيا على التصديق لأن «الأستاذ» لم يلمّح إلى المغادرة، وحتى حين تقاعد أعطى الانطباع بأنه خارج ليعود فالصحافة لم تكن بالنسبة لجيله من الذين كتبوا بالعربية بعد سنوات من الاستقلال مهنة فحسب بل كانت ملاذا ورحما يلجأون إليه طلبا لأمان ووجاهة تقتضيها الحياة القاسية. وربما كانت حياة تتداعى بعدها الحياة.
ثم أنه لم يغادر طفولته أبدا سواء في سنوات عمله بالنصر، أو السنوات القليلة التي تقاعد فيها. ليس بملامحه الطفولية فقط ولكن بعاداته ومرحه ومغامراته وحساسيته تجاه كل نقد أو حين يمدّ يد الطفل لزميلة طلبا لحلوى أو حين ينزع نظارتيه الصغيرتين ويشرع في دعك عينيه  لحظة الغضب، أو حين ينفجر ضحكا بعد نصف جملة جادة، أو حين يقول بعد كل وعد : “أخاف أن تكونوا تكذبون عليّ” بل وحتى حين كان يعود إلى والديه في ميلة في نهايات الأسبوع كان يعود كطفل إلى بيت “سيدي براهيم» والده المعلم الذي تخرجت على يديه أجيال وأجيال من أبناء مدينة ميلة، كان يعود كطفل والغريب أن والده الذي توفي منذ سنوات كان يعامله كطفل أيضا ولم ينتبه إلى بياض غزا شعر الابن ولا إلى السنوات التي جرت في عروقه. مثلما لم ينتبه هو إلى الحياة التي تجرى تحت قدميه، مثلما لم ينتبه إلى الألم الذي حسبه خفيفا ولم يتوقع أن تبلغ قسوته هذا الحد. ومثلما  لم ننتبه إليه وهو يمضي وقد أغضبناه بإلحاح أو نهي ثم محونا الغضب بتمجيد يُقال فيه أن بمستطاع الأستاذ فعل ما يشاء بما في ذلك حمل عصا ومعاقبة من يريد فينفجر ضحكا بعد غضب:”أخاف أن تكونوا تكذبون عليّ”!
كانت النصر بيت جيل السبعينيات من الكتاب والصحفيين، وقد انتسب عبد الرحيم مرزوق إلى هذا الجيل، و حتى وإن اكتفى من الأدب بمجموعة قصصية وحيدة «من أين تأتي الشمس يا أمي»، إلا أنه صمد وثابر في الصحافة إلى أن بلغ التقاعد وكان آخر المغادرين من أبناء هذا الجيل للصحيفة التي حملت آماله وطموحاته في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وانكساراته فيما بعد.
أطفأ “الأستاذ” قلبه فجر أمس ونام واختار أن يكون سريره الأخير بسيدي بويحيى بجوار والده ووالدته، هناك حيث تأتي الشمس كل صباح لتحرسه.
سليم بوفنداسة

الرجوع إلى الأعلى