قام ليلة أول أمس مجهولون بإضرام النار في تمثال الكاهنة الملكة البربرية -ديهيا- المقام عند مدخل مدينة بغاي التاريخية بولاية خنشلة، التي تحتضن أيضا قصر الكاهنة ملكة البربر حيث أتت النيران على قاعدة التمثال، الذي تعرض في نفس الوقت لمحاولة تخريب، و قد سارعت مصالح البلدية إلى إزالة آثار الحريق وتنظيف المكان من بقايا الرماد و بقع الدخان، مثلما لاحظنا عند تنقلنا أمس إلى الموقع.

كما علمنا من مصادر مطلعة أن مجموعة من المثقفين والمهتمين بتاريخ المنطقة وبعض الجمعيات الثقافية الأمازيغية من ولاية أم البواقي، بالتنسيق مع الجمعية الثقافية العلمية بولاية خنشلة، ستنظم اليوم في الساعة الثانية زوالا وقفة احتجاجية أمام تمثال الكاهنة بمدينة بغاي للفت الانتباه لخطورة الموقف و ضرورة إعطائه الأهمية اللازمة.
النصر حاولت استطلاع الأمر مع سكان المنطقة و بعض الفاعلين في المجتمع المدني الذين استنكروا من خلال عدة جمعيات ثقافية وسياحية و فنية و بعض الناشطين في الحقل الثقافي و التاريخي للمنطقة هذا العمل الذي اعتبروه فعلا إجراميا، متسائلين عن الجهات التي تقف وراء هذا التخريب الذي طال شخصية وطنية لها مكانتها بوزن الملكة البربرية - الكاهنة- التي لها شأن عظيم لدى الأمازيغ، مطالبين من الجهات المسؤولة فتح تحقيق و الكشف عن ملابسات الحادثة ومن يقف وراءها.
الأستاذ أونيسي محمد الصالح باحث متخصص في التراث المحلي  وفي تاريخ المنطقة والحضارة الأمازيغية ندد بهذا التصرف مطالبا السلطات المعنية التحرك و العمل على فتح تحقيق في القضية و معاقبة المتسببين في إحراق التمثال والكشف عمن يقف وراء الحادثة، معتبرا ذلك فعلا خطيرا يراد من خلاله الطعن في الهوية الأمازيغية و إحداث فتنة بالمنطقة.
من جهته فؤاد بلاع رئيس الجمعية الولائية لمسات الفنون استنكر العمل الذي وصفه بالإجرامي الذي استهدف أحد رموز تاريخ عاصمة البربر الملكة ديهيا المعروفة بلقب الكاهنة، معلنا استعداد فناني لمسات الفنون للتدخل والتكفل بإصلاح  وترميم التمثال.
كما نددت الجمعية الثقافية العلمية على لسان رئيسها الطيب جلال في اتصال بالنصر بحادثة حرق تمثال الكاهنة، و اعتبره عملا إجراميا شنيعا يفسر العداء للهوية الوطنية الأمازيغية المجسدة في تاريخنا الحضاري و الإنساني، و ترويجا لزرع العداء بين مختلف مكونات الثقافة الوطنية كالأمازيغية و الإسلام و الوطنية.
وندد المتحدث أيضا بصمت الطبقة السياسية و المجتمع المدني و مديرية الثقافة و المحافظة السامية للأمازيغية، إزاء الحادثة التي وصفها "الكارثة التي لم نرها من قبل". و طالب  المتحدث وزير الثقافة و السلطات الأمنية و الوالي بفتح تحقيق فوري و معاقبة المتسببين.و أوضح  الطيب جلال «سوف نرد على هؤلاء بتنظيم ملتقى علمي دولي قبل نهاية السنة 2016 و سنسعى بالمضي دوما بالمطالبة بتغيير هذا التمثال في بغاي و وضع تمثال آخر في الجزائر العاصمة.
ولم نتمكن من الاتصال بمنتخبي البلدية لمعرفة الإجراءات المتخذة في هذا الموضوع كون أغلبيتهم في عطلة و خارج البلدية.
و على العكس من استنكار و تنديد الجمعيات و المثقفين بحادثة حرق التمثال لم يكن لدى سكان بغاي اهتماما كبيرا بالموضوع و قد  حاولوا التقليل من أهمية هذا الفعل الذي أرجعوه إلى بعض المراهقين الذين أرادوا من خلاله لفت انتباه السلطات المحلية و المسؤولين والمنتخبين إلى انشغالاتهم  والمشاكل التي يعيشونها يوميا في هذه البلدية.و ذكر عدد من سكان بغاي أنهم لا يعيرون للموضوع أية أهمية مقارنة بما تتطلبه المعيشة اليومية للمواطن بهذه المنطقة .
للإشارة فقد تمت  إقامة تمثال للملكة البربرية- الكاهنة- عند مدخل مدينة بغاي شمال مقر عاصمة الولاية في سنة 2002 من طرف وزارة الثقافة،  والذي أسند إنجازه إلى مجموعة من  النحاتين من المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بالجزائر العاصمة بغلاف مالي قارب 100 مليون سنتيم، و هو مصنوع من البرونز يرتفع على قاعدة من البناء الصلب.
 والكاهنة وفق ما تعرفها المصادر التاريخية هي الملكة ديهيا بنت تابنة (585 م - 712 م)، وهي  قائدة عسكرية و ملكة أمازيغية خلفت الملك أكسيل في حكم الأمازيغ وحكمت شمال إفريقيا.
 قادت ديهيا عدّة حملات ومعارك ضد الرومان والعرب والبيزنطيين في سبيل استعادة الأراضي الأمازيغية التي قد استولوا عليها في أواخر القرن السادس ميلادي، و بدلاً من أن تتحول لملكة مكروهة عند المسلمين أصبحت امرأة شجاعة يحترمونها، وأصبحت رمزًا من رموز الذكاء والتضحية الوطنية و ورد ذكرها عند الكثير من المؤرخين المسلمين و قد تمكنت في نهاية المطاف من استعادة معظم أراضي مملكتها بما فيها مدينة خنشلة بعد أن هزمت الرومان هزيمة شنيعة وتمكنت من توحيد أهم القبائل الأمازيغية حولها خلال زحف جيوش المسلمين. واستطاعت ديهيا أن تلحق هزيمة كبيرة بجيش القائد حسان بن النعمان عام 693 وتمكنت من هزمه وطاردته إلى أن أخرجته من تونس. و قد قال عنها المؤرخ ابن عذارى المراكشي «جميع من بأفريقيا من الرومان منها خائفون و جميع الأمازيغ لها مطيعون».و قال عنها إبن خلدون»ديهيا فارسة الأمازيغ التي لم يأت بمثلها زمان كانت تركب حصانا وتسعى بين القوم من الأوراس إلى طرابلس تحمل السلاح لتدافع عن أرض أجدادها».
 ع.بوهلاله

الرجوع إلى الأعلى