المسرحية العراقية “يا رب” تثير ضجة في مهرجان المسرح العربي
أحدثت مسرحة «يا رب» العراقية مساء أول أمس ضجة و نقاشا ساخنا عقب العرض الذي كان بمسرح عبد القادر علولة بوهران، في إطار فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي، حيث وجه الحاضرون من نقاد ومختصين انتقادات شديدة اللهجة لطاقم العمل نظرا لتجسيد النبي موسى عليه السلام من طرف أحد الممثلين.
و كذا تناول العرض مقاطع من حوار بين ممثل وممثلة أدت دور الأم العراقية الموجوعة التي  تريد أن تقابل الله، لتتحدث معه وترفض مرسوله الذي هو النبي موسى عليه السلام الذي تتجادل معه حول معجزات الأنبياء التي لم  يعد لها معنى، حسبها، وكذا عصا موسى التي جسدتها ممثلة، وجاءت هذه المجادلة في قالب ساخر. حدث هذا رغم وجود بعض الآراء التي استحسنت العرض فنيا من مخرج شاب يعد بمستقبل مسرحي وفني كبير.
وحسب بعض الأصداء التي رصدتها النصر،  فقد اعتبر العديد من المشاركين في الفعاليات، أن العرض إساءة للمهرجان، فيما ركز الآخرون على أن تجسيد الأنبياء خطأ لا يغتفر، بينما تفادى البقية التركيز على هذا الأمر، ودعوا لضرورة مناقشة العرض فنيا.
 للعلم فقد تم حذف فيديو  النقل المباشر للمسرحية من موقع الهيئة العربية للمسرح التي تعودت طيلة المهرجان على نشر الفعاليات عن طريق فيديوهات مباشرة،  وقد بررت بعض المصادر ذلك بالرقابة التي يفرضها «يوتيوب» على الفيديوهات، عندما تكون فيها سرقات، كون المسرحية وظفت لحنا موسيقيا دون احترام حقوق التأليف، لكن يبدو أن الحذف جاء خشية استفزاز مشاعر المشاهدين على الشبكات الاجتماعية خاصة «اليوتيوب».
عصا موسى لم تنه وجع الأمهات
عرض المخرج العراقي «مصطفى الركابي» مساء أمس مسرحيته «يا رب» التي تشارك في المنافسة الرسمية للدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي الجارية فعالياته بوهران، بطريقة مختلفة في التقديم، حيث سبق العرض الرئيسي، بث فيديو في بهو المسرح الجهوي، يحمل ما أسماه المخرج بالهوامش التي تساعد المتلقي على تركيب أفكار تقريبية، لفهم المسرحية التي جسدها ثلاثة ممثلين فوق الخشبة، على مدار أكثر من ساعة من الزمن.
في وطن الأمهات بالوادي المقدس، تقف أم خطف الموت أبناءها بطرق متعددة، ولم يترك لها سوى الوجع الذي ترحل به إلى السماء، لدرجة أنها غاصت في الغيبيات بسبب حالة الجنون التي انتابتها، لأنها بقيت وحيدة.
  يزاوج العرض بين التكنولوجيات الحديثة من خلال عرض لقطات متفرقة بطريقة الفيديو تكمل المشهد فوق الركح، فمن وجع الأمهات اللبنانيات الذي نقله المخرج، عن طريق بث مقطع من فيلم نادين لبكي الموسوم «هلا لوين»، رحل «الركابي» إلى العراق، أين تجلس أم ظلت وحيدة بعد فقدانها لكل أبنائها، سواء في الحرب أو بعد خوضهم مغامرة الهجرة، فتغوص هذه الأم في مناجاتها للإله في علم الغيبيات فيجمع فيه المخرج بين توظيف خيال و افتراضات المتلقي، فمن حين لآخر يشاهد الجمهور على الشاشة التي ترافق العرض الرئيسي عبارات (تخيل، لنفترض، سيأتي وغيرها)  في محاولة إكمال المشهد في مخيلة المتلقي، و وسط ديكور بسيط طغى عليه الظلام ، بدأت الأم الموجوعة و المفجوعة في الحديث إلى الله، مرة بدعوات تسبقها كلمة «يا رب»، وأحيانا أخرى بطلبات و شروط تنتظر من ورائها تحقيق الأمن والمحافظة وحماية الأبناء من الموت، حتى لا تقف أم أخرى مثلها بوجعها وحيدة في عالم القتلة.
طرحت المسرحية عدة أمور، منها الحروب التي لم يستطع السياسيون إيقافها، بل إن بعضهم أضرموا نيرانها، و وصفتهم الممثلة بالقتلة، و أمور دينية نعيشها في حياتنا اليومية، لكن يشعر بعمقها الإنسان في وطن لا تفارقه الموت، وتتراص في شوارعه جثث القتلى وأشلاؤهم، مثل هذه الأم التي توسلت إلى الله لكي يوقف القتل و يعيد للوطن أبناءه ويعيد الفرح والجنة تحت أقدام هؤلاء الأمهات اللائي يسجدن و يصلين يوميا ويعبدنه من أجل الخلاص من الجحيم، و تشترط أن يتجسد كل هذا في ظرف 24ساعة، تبيانا لقول الله في كتابه « أقول له كن فيكون»، و إلا فكل الأمهات الموجوعات لن يصلين ولن يصمن بعد ذلك، حسبها.  وبهذا ينتقل العرض الذي قدم باللغة العربية الفصحى، و تتخلله كلمات بالعامية العراقية من حين لآخر، إلى عالم الغيبيات من خلال تجسيد النبي موسى عليه السلام الذي جاء من السماء ليتفاوض مع هذه الأم، لكن حتى عصاه عجزت عن تلبية طلبها وشروطها، في إشارة إلى أن زمن الأنبياء قد ولى و أن الأرض بحاجة لمعجزة إلهية، لكي تتوقف وديان الدم التي تجري في عدة بلدان،خاصة العراق التي لم تهدأ من سنوات وظلت فيها فقط الأمهات، كدليل على أن الأبناء يقتلون دائما، سواء في الانفجارات التي تتركهم أشلاء متناثرة، لدرجة أن الأم قالت في العرض، أنها دفنت أبناءها «الكيلو» يعني لم تجد أجسادهم، بل ما تبقى منها فقط، وابنها الأكبر لم تجد حتى عظامه،  أو تلتهمهم الحيتان بعد غرقهم في البحار التي أرادوا قطعها للهروب من الموت الذي يترصدهم أينما ذهبوا، لكن بعد حوار مع موسى الذي يفشل في إقناع الأم بأن تعدل عن وضع شروط من أجل أن تصلي أو تصوم، تتغلب عليه تلك الأم  بوجعها وألمها، فيعجز عن إقناعها بالعدول عن مطالبها إلى غاية النهاية، حين تقرر هي العودة لرشدها ومواصلة الصلاة والصيام لله إلى أن يتحقق مرادها وأماني كل الأمهات.
كـسـر الـمـقـدس
حاول المخرج مصطفى الركابي من خلال هذه المسرحية، كسر المقدس الديني في المجتمع، لأن مخلفات الدمار والقتل اليومي ووجع الأمهات اللائي يفقدن فلذات الأكباد يوميا، يتجاوز قدسية الدين، حيث ينقل الإنسان إلى مرحلة اللاشعور بأهمية الأشياء، حتى قدسية الدين تفقد معناها من شدة الألم الذي لم يجد دواء لشفائه، رغم الصلاة والصوم اللذين يربطان الإنسان بخالقه.
«يا رب» لامست الواقع العراقي من خلال الأم التي ظلت وحيدة في وطن لم يبق فيه سوى الأمهات، من عمق حزنهن على مقتل أبنائهن لم يبكين بل زغردن ورقصن.
وقد جسدت الدور فوق الركح الفنانة العراقية سهى سالم التي أطلت على الجمهور بجبة سوداء و قفازات سوداء ، فعم السواد الخشبة، ما عدا بقعة ضوء رافقت تحركات الممثلين، توحي  للمشاهد بأن هناك دائما أمل في انتصار الخير على الشر والأمان على القتل.
 مثلما سبق ذكره، فقد وظف المخرج عرضا تفاعليا عن طريق الفيديو استخدمه لكتابة جينيريك المسرحية، و إحالة المتلقي من حين لآخر على الأحداث، عن طريق جمل قصيرة تضمنت الأزمنة والأماكن التي سبق وصفها في القرص المضغوط الذي وزع على الجمهور والمتضمن «فيديو الهوامش».                                                                                                                                     
هوارية ب

الرجوع إلى الأعلى