الإخـراج المســرحي..استفــزاز لذكــاء المتــلقي واستنطــاق لواقعـــه
كانت الندوة الثانية والأخيرة التي عقدت أول أمس بجامعة وهران في إطار فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي، موسومة بـ “ الإخراج المسرحي على ضوء المناهج الإخراجية العالمية”، من تنشيط الدكتورين المغربيين بوسلهام الضعيف و عز الدين البونيت، حيث تطرق المحاضران لانعكاسات إسقاط المناهج الغربية والعالمية على الإخراج في المسرح العربي، و مدى بلورة التجديد فوق الركح و إحداث الفرجة الهادفة
الموجهة للمتلقي.
وقد تناول الدكتور عز الدين بونيت مسألة ظروف الإنتاج التي تؤثر بشكل أو بآخر على الاخراج المسرحي، فالعمل المسرحي هو عملية مثقلة بالظروف المحيطة بإنتاجه والتي لا تختصر في الظروف المالية أو الإمكانيات، بل كل ما يتطلبه العمل المسرحي من النص إلى الإخراج إلى المتلقي الذي يعد، حسب المحاضرين، أساسيا لأن العروض يجب أن تقارب واقعه و تطرح له تساؤلات، كما أن المخرج لا يعمل بمعزل عن الآخرين، بل هو محكوم بكونه مرتبط بمجموعة هي أيضا لها تطلعاتها وأهدافها وكل فرد من المجموعة له غايته وعوائقه الذاتية التي يجب على المخرج أن يتعامل معها، فالممثل أو السينوغراف و الآخرون ليسوا جامدين، فمفهوم الإبداع في الاخراج كما تكرسه فلسفة الجمال، حسب الدكتور عز الدين بونيت، يختلف عن الممارسة الفعلية التي من خلالها يلمس الممارس حدود حريته التي يجب أن ترتبط بسياق قراءته للواقع، لكن ليست بالمعنى السياسي أو بمعنى أن يفعل ما يشاء.
 المخرج الذكي، مثلما يصفه المحاضر، هو الذي يستطيع أن يطلق إشعاع التأملات واقتراحات عملية و فكرية لتبقى الكلمة و القرار الأخير له، وعليه كذلك أن يشتغل على مجتمعه. و في شق ثان، تمحورت المداخلة حول الممارسة المحترفة فوق الخشبة.
أما الدكتور  بوسلهام الضعيف، فتطرق لضرورة أن يكون المخرج عارفا بالنص المسرحي كأدب ولغة شعرية، إضافة لملحقات أخرى، منها الإضاءة و السينوغرافيا والموسيقى و اللون و الممثل و الحركة، و عليه  أن  يولف هذه الكيميائيات والمرجعيات التي يحملها الممثلون، فالمخرج رؤية و تصور إخراجي له علاقة بالنص والمسرح الممارس في مرحلة معينة من حياة الشعوب و التي تجعل المتلقي مختلفا يطلب ما يعكس واقعه الآني، حتى و لو كان النص من المؤلفات القديمة.
استشهد المتحدث بمقولة للمسرحي المغربي الكبير الطيب الصديقي “ الفنان ليس ساعي بريد يحمل الرسالة كما هي ويوصلها للمتلقي”، فالإشكال كما قال الدكتور بوسلهام يكمن في كيفية موازنة المخرج مثلا لحالات الغضب التي يعمل على تبريد هيجانها فوق الركح والعكس صحيح.
وفي مبحث آخر حمل المحاضر انشغالا يندرج ضمن عمل المخرج الذي يجب أن ينسج علاقة مع المتلقي، مستدلا بالتجربة المغربية التي قال أنها بنيت على أساسين هما “البحث عن الضحك” أو “التحريض و التعبئة”، هذا الأخير ارتبط بمسرح الهواة، بينما مطلوب من المخرج إمتاع المتلقي وتصوير حواسه واستفزاز ذكائه واستنطاق البديهيات، فالمسرح ليس مدرسة لتكريس أخلاق السادة، بل هو فضاء لقلب القيم و نافذة يطل منها على حرية أوسع مع ترقية التفكير بالاستقلالية.  إن المتلقي اليوم مستلب بكل شيء، سواء وسائل الإعلام التي تحاصره والمعلومات التي تطارده، وكذا بالكم الهائل من التكنولوجيا وغيرها، ويبقى المسرح مكانا آمنا يسمح للفرد أن يسترد من خلاله جزءا من حميميته المفتقدة ويفكر بالاستقلالية مع خشبة المسرح التي هي فضاء للاقتسام والمشاركة وغسل الأدمغة من الخرافة و المصالحة مع الذات.
وخلال المناقشة، تأسف الدكتور عقيل مهدي من العراق لكون أغلب العروض العربية تفتقد للجانب الاحترافي في المسرح، مقارنة بما يتم تقديمه في الغرب، بل ترتكز العروض العربية على المراسيم وتعتبر مثلما أضاف “جثة في تابوت”، لكنه تابوت مفرح بتحوله لعرس وفرح فوق الخشبة دون مغزى للمسرح، فالعرض المسرحي، حسب الدكتور عقيل، هو مسؤولية ضخمة يجب أن يقدم للمتلقي كل ما هو جدير بالاستفزاز والإثارة و تشكيل الصورة الجمالية بفضل المخرج الذي يجب أن يكون رياديا وقائدا للمجموعة. بينما أفاد الدكتور عبود كريم من العراق، أن الإخراج مر بمرحلتين أساسيتين، الأولى كانت كلاسيكية، والثانية رسمت مسار انتقاله للإبداع، فالإخراج يعمل على فعل التحول من المجرد إلى الملموس وللوجود الاحتوائي للجسد والفضاء والمكان وغيرها، مشيرا إلى أن مجالات الإبداع في الاخراج المسرحي تنقل المتلقي من السطحية إلى العمق.                       
هوارية ب

الرجوع إلى الأعلى