نقص الإمكانيات و الاحتكار وراء تأخر فن السينوغرافيا ببلادنا
انتقد السينوغراف سالم نافطي واقع فن السينوغرافيا في بلادنا، معتبرا بأن هذا المجال لم يبلغ بعد المستوى المرجو، بسبب نقص الإمكانيات و عدم تجاوز بعض المخرجين للأفكار القديمة و حب احتكار الساحة، و رفض الاستعانة بالمختصين و تشجيع العمل المتكامل، حتى لا يفسد حلمه الذاتي، و تقاعس بعض محترفي المهنة،  باعتبار أغلب ممارسي هذا الاختصاص حرفيين اشتغلوا في مجال النجارة أو الحدادة بالمسارح، يفضلون التقيّد بتعليمات و مقترحات المخرجين و يسارعون إلى تجسيدها، دون الاهتمام أو المرور بالنص لتقديم رؤية أكثر عمقا.  الفنان الذي حملت عديد الأعمال المسرحية توقيعه، أوضح بأن للسينوغرافيا مكانة لا يجحدها إلا هاو أو جاهل، مؤكدا بأن التسيّب الذي يشهده تسيير المسارح انعكس على الانتاج. سالم نافطي تطرّق أيضا إلى  مختلف مراحل تجربته الفنية، و توّقف ببعض المحطات المهمة فيها، و أمور أخرى تقرأونها في هذا الحوار.
حاورته: مريم بحشاشي
- النصر : لنبدأ دردشتنا بلمحة عن أهم الأعمال التي حملت بصمتك؟
- سالم نافطي: بداية أشكر جريدة النصر التي خصتني بهذه المساحة للبوح، كمبدع في مجال المسرح، و بشكل خاص حول  السينوغرافيا الذي كان لي حظ توقيع تصميم و تنفيذ عناصر مشهدية عديدة، كان أول عمل سينوغرافي لي في عرض مسرحي للكاتب الإيطالي داريوفو «موت فوضوي» ،و كان ذلك خلال تخرج طلبة فرع  التمثيل دفعة 2006 بالمعهد العالي للفنون الدرامية، قبل أن تتوالى الأعمال  بالمسرح الوطني الجزائري و المسارح الجهوية، حيث عملت كمساعد سينوغراف في مسرحية «ألكترا» للكاتب الإغريقي سوفوكليس و إخراج أحمد خوذي، كما أنجزت سينوغرافيا مسرحية «اللولب» للكاتب حسن ملياني و إخراج عيسى جقاطي و مسرحية «باب الفرج» للمسرح القومي للصحراء الغربية، في إطار المهرجان الإفريقي 2009 و سينوغرافيا مونودرام «الرجل الأخير» لبشير سعدي، ثم سينوغرافيا مسرحية «فوضى» للمخرج أحمد العقون و «العصفور الحكيم» لجمعية البسمة بالمدية و «ثمن الحرية» لإلياس موكراب و «نار و نور» لعيسى جقاطي و الكثير من الأعمال الأخرى.
- هل تعتمد في اختياراتك السينوغرافية على البعد الجمالي أكثـر أم القيمي ، الفلسفي أو ثمة اختيارات خاصة تميّز أعمال نفطي  سالم؟
- باعتبار السينوغرافيا سلطة مهيمنة في العرض المسرحي و منطلق تأسيسي في بلورة رؤى المخرج  و حيز العرض المسرحي تتفاوت أهميتها  بتنوع العروض وأساليبها واستخداماتها التقنية  لتحقيق الإبهار والدهشة على المستويين البصري والسمعي في أحيان كثيرة أجد الحلول المناسبة للمعالجات التي تكون أحيانا شبه مستحيلة على المستوى التقني لمفاصل العرض وتقدمه و سيرورته، و إظهار الجانب الجمالي على المستويات المذكورة أمر لابد منه، دون إهمال المضمون طبعا، كانسجام متحرك ومعبّر عن المعنى الكلي للعمل الدرامي .
- ما قراءتك لواقع فن السينوغرافيا في الجزائر ؟
- اعتمدت السينوغرافيا إلى وقت ليس بالبعيد على اقتراحات و  وجهات نظر، دون دراسة للنص و تحليله بعمق، لأن أغلب ممارسي هذا الاختصاص، إما من خريجي الفنون الجميلة أو حرفيين اشتغلوا في مجال النجارة أو الحدادة بالمسارح، لذا فإن أغلبهم يعتمدون على التعليمات أو الأفكار التي يقترحها المخرجون عادة و يسارعون إلى تجسيدها، دون الاهتمام أو المرور على النص لتقديم رؤية معمقة  تظهر في الأزياء و الديكور و الإكسسوارات، فأسلوب العرض يحدد كل هذا، إلى غاية بروز جيل متخصص بكل المقاييس، بدءا من المادة الأساسية السينوغرافية إلى التخطيط الهندسي، الفن التشكيلي، تاريخ الأزياء، تحليل فني سوسيولوجي،  تاريخ الموسيقى، تاريخ الفن، نظرية الدراما،  نحت، تخطيط هندسي، انفوغرافيا، فضلا عن مبادئ الإخراج السينمائي والتلفزيوني ...كل ذلك  يصب في مفهوم السينوغرافيا الحديثة والمعاصرة، علما و أن أول دفعة في هذا المجال كانت سنة 1988/1992، فيما فرضت العشرية السوداء فاصلا إجباريا، قبل التحاق دفعة جديدة تحدت كل الظروف بين سنتي 1996/2001، و كنت أنا في دفعة 2002/2007،  لكن من ضمن الدارسين و المتخرجين من كل هذه الدفعات، لم يصمد بالميدان إلا قلة قليلة، فيما اختار البقية وجهة أخرى غير السينوغرافيا.
- هل وصلنا إلى المستوى المطلوب، أم أننا لا نزال بعيدين عن السينوغرافيا الحديثة؟
- من  وجهة نظري لم نصل بعد إلى المستويات المرجوة و رهاننا يبقى الانفتاح على التجارب الحديثة و آخر المستجدات في فنون العرض خاصة الأجنبية، لكننا لا نزال منغلقين على أنفسنا و نعتمد على الحديد و الخشب و القماش، و ما هو متوفر، فنحن رغم  خيالنا الواسع، نصطدم  بمعيقات تقنية بسبب المعدات القديمة، لذا يجب أن لا تخلو قاعات العرض، سواء المسارح الجهوية أو دور الثقافة من الوسائل الحديثة لمواكبة كل ما هو جديد، رغم أن الفضاء المسرحي الذي تحدده فتحة «البروسينيوم» ، قد تجاوزها بعد أن ازداد زحفه إلى خارج قاعة العرض، نحو الساحات المكشوفة والحدائق العامة وأخذ مسارا جماليا من نوع خاص، فالمفاهيم المسرحية التقليدية تداعت أمام الحشد الهائل لوسائل المسرح المعاصر لتحقيق الإبهار والدهشة على المستويين البصري والسمعي و إيجاد حلول مناسبة كانت شبه مستحيلة على المستوى التقني لمفاصل العرض وطريقة تقديمه و سيرورته.
- كثيرا ما تطغى الارتجالية في تصميم العروض أو لا تخرج عن المعهود، لماذا في رأيك؟
- العمل الفني يحتاج إلى العديد من الجهود ، فلا يمكن لأي مبدع مهما كانت مؤهلاته و قدراته الإبداعية، انجاز أي عمل فني بمفرده، لأن فن المسرح، فن جماعي و يفرض التعاون، فبعد اختيار أسلوب العرض الذي يعد أحد وظائف المخرج الأساسية و كذا من الأمور الصعبة،  التي بتحديدها يتم تحديد الكثير من الأمور الأخرى  المشاركة في العرض، كما أنه يساعد في توصيل مغزى المسرحية ومعناها و يستقطب اهتمام المشاهد و يجذب انتباهه إلى غاية إسدال الستار، كل ذلك يتحقق بوجود مخرج حقيقي و متمرّس، غير أن «المخرجين الحقيقيين» يعدون على أصابع اليد الواحدة، وأغلبهم مقاطعون للفعل المسرحي نتيجة تدهور الأمور،  فكيف يعقل أن يتوجه هؤلاء إلى مدير مسرح  فتي أو إطار في قطاع الشباب والرياضة و يضطر لتقديم و التعريف بنفسه أو أسلوبه أو يعطيه سيرته الذاتية و التي قد ترمى في سلة المهملات. إن الدخلاء أساءوا إلى المسرح بشكل فظيع و ساهموا في عزوف الجمهور عن القاعات لغياب التكوين والرؤى العميقة،  و صراحة أنا لا أتذكر بأن مخرجا من هذا القبيل منحني نصا وطلب مني العمل معه، لا لشيء سوى لأنه يدرك جيدا بأنه لا توجد لغة درامية مشتركة بيننا.
- ماذا عن مكانة السينوغرافيا في أوساط محترفي الفن عندنا، هل هناك زيادة طلب على خدماتكم؟
- للسينوغرافيا مكانة لا يجحدها إلا هاو أو جاهل، ولكن التسيّب في تسيير المسارح انعكس على إنتاجاتها، فغياب المدير الفني  الحقيقي واللجان الفنية والإدارية، أسهم في تدهور هذا الاختصاص، حينما لا يكون المخرج محترفا فإنه يقدم اقتراحا لسيرورة عرضه وكفى، لأن أغلب المخرجين هم من يقترحون النصوص لإنتاجها و لكم أن تستشعروا حالة المخرج وهو يلوك نصه المقتبس أو المنجز طيلة عام أو أكثر ، وهو يتخيل العرض مرة في الحلم ومرة في حواراته مع أصدقائه ومرة مع الممثلين الذين وعدهم بدور في مسرحيته. وحينما يقبل نصه يرفض إفساد فرحته وحلمه بإدخال سينوغراف، قد يلغي كل أوهامه بمجرّد تقديم اقتراح أفضل بطبيعة الحال، فنجد  المخرج هنا يدخل في حالة جديدة من الصراع تارة مع الورق، و تارة مع السينوغراف وتارة مع الممثلين و أحيانا  يستنجد بكوريغراف ليصلح ما أفسده، و عليه، فإن مكانتنا مرهونة بطاقم فني محترف بأتم معنى الكلمة وغيابنا هو غياب الاحتراف بكل جوانبه، و لو لم تكن للسينوغرافيا مكانة بكل عناصرها في بناء العمل المسرحي، لما عادت أصولها إلى الإغريق و أضحت مطلبا لا غنى عنه في تحقيق التنوع و الانسجام، و  لا يمكن للسيد المخرج أن يهمل توجيه الممثل على الخشبة أو يلتفت إلى عناصر مهمة في عرضه، مثل الملابس، الإكسسوارات و الديكور، خاصة إذا كانت المسرحية تاريخية تتطلب بحثا معمقا.
م. ب

الرجوع إلى الأعلى