«الإنوجادية» تصنع «حرائق قلب» للكاتب محمد بن زيان
 نشط الكاتب محمد بن زيان أول أمس الخميس لقاء للبيع بالتوقيع لمؤلفه «حرائق قلب» وهذا بمقر سينيماتيك وهران، بحضور مجموعة من الأدباء والصحفيين و بعض ممثلي الجمعيات.
افتتح اللقاء بنقاش متنوع عن الكتاب وهواجس الكاتب، حيث أكد المؤلف أنه يحاول أن «ينوجد» بالكتابة، فهو يبحث عن ذاته ووجوده من خلال ما يخطه، و يعبر عن نفسه فقط، حيث يحاول أن يكون صادقا معها من خلال ما يخطه من أسطر، مبرزا في هذا الصدد «أنا عندما أكتب، أعبر عن هواجسي ولا أعبر عن المثقف أو المواطن». و يريد من خلال نصوصه أن يحقق المصالحة ربما مع الذات ومع المحيط، و يكتب من أجل محاولة التخلص من حمولة ما تثقل كاهله، ورفض خلال النقاش البوح عن هذه الحمولة التي يمكن أن تتجلى بين أسطر مؤلفاته.
الكتابة بالنسبة لمحمد بن زيان هي قضية «إنوجاد» هي مسألة تعويض فقدان ما، فاللغة، حسبه، هي مسكنه، فعبر الكلمات، هناك محاولة هندسة فضاء ما، إن الكتابة، مثلما أوضح الكاتب، هي ذات طابع سيكولوجي وحياتي بالنسبة إليه، فعندما لا يجد نفسه يذهب للبحث عنها عبر الكلمات والسطور التي يخطها، خاصة عندما يشعر بأزمة التواصل مع المحيط والمجتمع.
الكتابة هي «الحضن» الذي يعصر عند ضمه للصدر، ليقذف ما في خلجات القلب ونيران حرقة ما. والكتابة بدأت تعانق أحاسيس الكاتب بن زيان منذ الصغر للبوح بما لا يستطيع التعبير عنه للمحيط، ولغاية الآن، كما قال، لا تزال تلك الصراعات التي عاشها تجعله لحد اليوم لا يعرف ذاته، وبالتالي فالكتابة هي المفر الذي تنوجد به حالة يسعى الكاتب للإنوجاد بواسطتها.
«في نكبة الترحال»
المكان ليس جمادا فقط عند بن زيان، بل هو جزء من الوجود و الإنوجاد، مثلما يحبذ أن يصف حي سيدي الهواري، أين ولد وعاش ومن شدة تعلقه بالمكان الذي كان فيه سكنه العائلي، شبه يوم مغادرته له نحو سكن آخر بحي سيدي البشير، بالنكبة الفلسطينية، حيث قال أنه أياما قبل مغادرته شارع «ستالينغراد» بسيدي الهواري، كان في المستشفى وبالصدفة كان يقرأ لمؤلفين عن تشريد الفلسطينين أيام النكبة، ليجد نفسه، مثلما قال «في نكبة الترحال» من حي عتيق صنع تاريخ وهران الحديث، إلى حي تصنعه فوضى العمران ويسكنه مجتمع بحاجة لكل المحللين في مختلف المجالات لفهم ظواهره التي تعكس اختلالات المجتمع، خاصة بعد العشرية السوداء.
بهذا الانتقال، يقول محمد، أنه أصبح يحس بيتم مضاعف ومكثف، مضيفا أنه بصدد التحضير لمؤلف حول الأماكن التي ترسم تاريخ وتراث حي سيدي الهواري العتيق بوهران، وأنه قد استعان في هذا بفقرات من كتاب «الثغر الجماني» ومخطوطات للشيخ المرحوم المهدي بوعبدلي، إلى جانب مقتطفات من كتاب المجاهد لخضر بورقعة «شاهد على الثورة»، أين تحدث عن فترة إقامته في سجن سيدي الهواري، إبان الاستعمار والمعروف بثكنة باب الحمراء التي شهدت مآس وتعذيب لا مثيل له للمجاهدين. معبرا من جانب آخر، أن العنف في الجزائر يتجلى في الكلام لكن أيضا في البنيان، في تلك الجدران التي تصنع عمارات وأحياء جديدة لا روح فيها، تخلق أنواعا من العنف.
الشيخة الجنية والفقدان
أخذت الشيخة الجنية جزءا معتبرا من مؤلف «حرائق قلب»، و ربما يبدو ظاهريا أن العلاقة مبهمة، لكن عندما ماتت الجنية بعد عام عن مقتل زوجها «الزواوي البراح»، لم تنقطع طيلة سنة عن رثاء حبيبها ب «حرقة قلب» و ب»حرقة فقدان»، في هذه الأثناء كان الكاتب بن زيان في المستشفى، فتذكر أغنية للجنية تبكي فيها حرقة فقدان الزواوي، ولأسباب ما، شعر الكاتب بأن العديد من مقاطع الأغنية هي انعكاس لمعاناته وشعوره بأنه يعيش «المفصول الموصول» ، مثلما قال في المؤلف الذي حمل مقاطع كثيرة من الأغنية، خاصة  مقطع «كي ندير»،  أي ماذا أعمل وأفعل، وهو المقطع الذي ردده الكاتب ليسقط عليه تساؤلاته الإنوجادية التي يجيب عنها كذلك بمقاطع أخرى، ليبرز أن هناك تمازجا بين أغنية وحياة تغمرها «حرقة الفقدان».
وغير بعيد عن الفن، ربط الكاتب علاقته بفن الغيوان أيضا بالفضاء والمكان الذي كان يسكنه، حيث ذكر محمد أنه لم يكن يتجاوز عمره 9 سنوات، عندما أثرت في نفسيته أغنية غيوانية عنوانها «سينية»، حيث هرب من منزله العائلي بسببها، لكن ترك بن زيان «السوسبانس» يسيطر على الحاضرين عندما أوضح أن هذه القصة ستكون موضوع كتاب يشرف على إنجازه وحين صدوره سيتم الكشف عن بداياته مع هذا الطابع الغنائي الذي كان منتشرا ومعروفا في وهران القديمة، خاصة في سنوات السبعينيات أين كانت الظاهرة الغيوانية تواكب تمردا فنيا عالميا في أمريكا وبريطانيا، مثل فرقة «بيتيلز»، مبرزا أن الشاب خالد كانت له حينها فرقة غيوانية تجوب أحياء المدينة، حيث كان تمرد الغيوان متأصلا وعاكسا لخصوصيات المجتمع آنذاك، فجمع هذا الفن بين الخلفيات الصوفية والتعبيرات السوقية ليقدم أغان صنعت أفراح الوهرانيين.
للإشارة، فقد ألف محمد بن زيان كتابا عن أغنية الراي،لكن يبدو أن الناشر أضاعه، ولم يتم نشره.
عبر هذه المحطات الثلاث التي تناولها الكاتب العصامي محمد بن زيان، في مؤلف من 71 صفحة، صدر عن منشورات الوطن، أراد صاحبه أن يسميه «نصا» فقط وعدم تصنيفه في الخانات والأجناس الأدبية، لأنه يريد الانتصار للنص والكتابة فقط.  وأضاف بن زيان أن قراءته للكتب والمؤلفات تختلف من كتاب لكتاب، فهناك كتب ينهي قراءتها في ساعة أو أقل، وكتب قد تستدعي إعادة قراءتها لمرات عديدة لاستيعابها، وهذا النوع، يعتبره المتحدث، هو الكتاب المهم الذي يضطرك لتكرار قراءته، مشيرا إلى  أن تعدد مستويات المتلقي تساهم في رسم أهمية مؤلف ما.
وعن مشاريعه في الكتابة، قال بن زيان، أن لديه كتابا تحت الطبع يتناول «جينيالوجيا الثقافة والمثقف في الجزائر»، ومشروعا سيدخل دار النشر قريبا  تحت عنوان»أصول ومسارات السلفية في الجزائر» و كتابا عن رسالتي المرحومين عبد الحميد مهري وحسين آيت أحمد، ومجموعة أخرى من المشاريع التي رفض الكاتب الإفصاح عنها خلال لقاء أول أمس الخميس.        
هوارية ب

الرجوع إلى الأعلى