أمنية معلّقة بشباك حققتها عزنمة و تضامن أهل قرية “ عين التين ”
لا يمكن الوقوف عند عتبة عنوان الرواية الأولى للإعلامي و المدير الجهوي السابق لوكالة الأنباء الجزائرية ياسين لوطاري «الحلم المتوّقف» الصادرة حديثا عن دار «ميديا بليس» دون أن تستحضرك أفلام وثائقية تحمل عناوين مشابهة تقريبا كالحلم غير المكتمل، أو الحلم المحطم و الحلم المبتور  و التي غالبا ما تكون لها علاقة بعدم تحقيق أمنية أو هدف محدّد في المجال الرياضي.
لوطاري المولود عام 1954بقسنطينة و الذي حقق مسارا مهنيا مشرفا في مجال الصحافة و أحيل مؤخرا على التقاعد، بيّن من خلال أول مؤلف أدبي له و كما يعرفه المقربون منه،  هوسه بحب اللعبة الأكثر شعبية في العالم، كرة القدم التي لم يتوان في استغلال أول فرصة إصدار خاص، للبحث في ذكرياته الكثيرة عما يستحق العودة إليه و التوّقف عنده لمشاركة الآخرين قصة و أحداث استوحى بعضها من الواقع و بعضها الآخر تفتق من مخيلته، مثلما ذكر في كلمته التي طغى عليها الأسلوب الصحفي السلس.

«حلم متوّقف» الرواية التي اختار المؤلف أن يهديها  لوالده و الواقعة في 121صفحة، صوّرت بشكل فني حالة الهوس لدرجة الجنون و بناء كل الطموحات و حتى الحياة، على مجرّد لعبة و التي حملت بطل القصة أحمد الجزار إلى صنع المستحيل لإتمام حلم لم يكتمل بوفاة شقيقه الأصغر حميد الذي خطفه الموت فجأة وهو في ريعان الشباب، ذلك الحلم الذي تحوّل من مجرّد رغبة للانتصار في مقابلة تعني الكثير لأهل قرية «عين التين» إلى تحدي المستحيل لتحقيق أمنية شاب رحل قبل رؤية حلمه يتحقّق، و هو الذي بنى عليه الجميع آمالا كبيرة و استشرفوا له مستقبلا مشرفا في عالم كرة القدم، قد لا يختلف عن ذلك الذي حققه نجم سطيف آنذاك و جوهرة كرة القدم رشيد مخلوفي، أول من حمل الرقم 10في المنتخب الجزائري  في حقبة الاحتلال الفرنسي و الذي كان له حظ الاحتراف بأشهر النوادي و أعمدة الكرة الفرنسية «سانت ايتيان»و الذي ورد اسمه مرارا في الرواية كمثال للفخر و قدوة عشاق الكرة المستديرة.
«حلم متوّقف» رحلة في ذاكرة مكان، وليس مجرّد ذكريات عاشها بطل القصة بقريته الصغيرة «عين التين»التي قال عنها أنها تاهت في ظل مدينة شاسعة، و لم يكن بها من مرافق للترفيه سوى قاعتين قديمتين للسينما «ريكس» و «فوكس» أو المقاهي الفضاء الوحيد  لالتقاء السكان الذين لم يكن لديهم حديث آخر سوى تحليل مقابلات كرة القدم الماضية و مناقشة خطط اللقاءات القادمة والتنبؤ بحظوظ الفوز و الخسارة و تعليق الآمال على الطاقات الجديدة ، كما هو الشأن بالنسبة للاعب حميد شقيق بطل الرواية الذي عقد عليه الأغلبية آمالا كبيرة، و الحال ذاته بالنسبة لشقيقه أحمد الذي و إن لم يصدّق في البداية بأن آخاه، كبر و بات له مكانة مهمة كهاته، لأنه كان بمثابة ابن له و بقيت نظرته له دائما كطفل لا زال في حاجة لرعايته، و مع هذا كان مصدر فخره و أمله في تحسّن أوضاع فريق قريته المغمور و الذي كان يثير بهجته و غضبه تارة و فخره و خذلانه تارة أخرى.
الرواية تتكوّن من أربعة فصول أساسية، حمل كل فصل محطة مهمة في   حياة أحمد الجزار، الذي لم يكن يظن ليوم بأن هوسه بكرة القدم سيحمله إلى ارتداء ألوان فريق بلدته الصغيرة و تحدي سنه و جسده لإتمام مغامرة مهمة بترت أحداثها الجميلة بوفاة حميد الذي أضفى روح الشبابية على فريق نادي سريع عين التين، و رحل قبل اكتمال فرحة الانتصار على فريق المدينة المجاورة ،  و اختار الكاتب ترك النهاية مفتوحة و الأنظار مشدوهة نحو النتيجة التي كان سيحققها أحمد الذي أخذ الكرة في الدقائق الأخيرة من المقابلة و إذا كان سيتمكّن من تغييرها في آخر لحظة.
«الرغبة» و أمل «الصعود» و «المأساة» و «الأمر المحتوم» و «قرار  لا رجعة فيه» عناوين فرعية اختزلت أحداثا و ذكريات مهمة تقاسمتها عائلة أحمد و أهل بلدة «عين التين»بسكانها البسطاء و وجهائها و أعيانها و مثقفيها الذين اختار المؤلف الاستعانة بأسماء بعضهم، كإحالة لبعض الأحداث المهمة التي مرت بها الجزائر في فترة الاحتلال الفرنسي و الاستقلال أيضا.
موضوع الرواية الجوهري يبقى الإنسان الذي كاد يفقد حبه للحياة و الأمل بمجرّد رحيل شخص قريب، غير أن المؤلف أعاد رغبة الحياة لبطل قصته بترسيخ قيم الروح و الحلم و التشبث بالحياة التي أظهرها من خلال الحفاظ على ذاكرة أحد لاعبي كرة القدم الشباب.
الرواية ترجمت ضمنيا حنين المؤلف للقيم و بشكل خاص التضامن و التعاون اللذين كانا يميّزان الجزائريين و هي قيم  اختفى الكثير منها.
 «الحلم المتوّقف»اعتمد على السرد الذاتي و إن كان السارد ينمحي من حين إلى آخر بأقصى درجة تاركا المكان لوعي الذاكرة الجماعية، حيث عاد المؤلف إلى الوراء  بنصف قرن ليقص وقائع قصة بدت واقعية جدا لبساطة أسلوب الكاتب الصحفي و طريقة وصفه التي كشفت عن وعيه بجماليات العناصر الفنية للرواية و تمكنه منها، و بشكل خاص المكان و الزمان و الحوادث و الشخصيات و ما بينها من علاقات.
و قد ظهرت المقاطع الوصفية برواية لوطاري في شكل وحدة أسلوبية ممتعة تراوحت بين القصر و الطول و احتلت من النص مواقع عديدة، كان ينقطع معها حبل السرد بين الفينة و الأخرى، و هو ما أكد ميله إلى رصد الموصوفات انطلاقا من البيت و المحل و المقهى و النادي الرياضي و الملعب و كل ما قد يفرضه النص الواقعي عادة.
 الرواية رغم قصرها لم تغفل بعض الأحداث المهمة التي عايشها سكان قرية عين التين و التي أراد لوطاري تخليدها على طريقته حتى و إن أكد أن بعضها مستوحى من الخيال، لكنها أضفت المزيد من المتعة و الإثارة في»الحلم المتوّقف» و بشكل خاص ما حدث بين الحاج فرحات و الفرنسي داخل القطار  و بين أحمد و رفاقه الأوفياء و الدكتور خزندار، و غيرها من المواقف التي فضل عدم إغفالها و فضل ترسيخها من خلال ذكريات أحمد و ما شملته من أسماء الأماكن و العائلات بما فيها العائلات الفرنسية كفلامين و رييو و مارتان و وجهاء القرية كمحمد مرزوق و سي محمود و غيرهم.
كما ورد ذكر جريدة النصر في يوميات سكان قرية «عين التين» الذين كانوا يعتمدون عليها لمتابعة الأخبار الرياضية.
«حلم متوّقف» هي في الواقع حلم اكتمل بفضل إصرار و عزيمة أحمد الجزار الذي أبى إلا أن يشارك في مقابلة استعد لها الراحل حميد و علّق عليها آمالا كثيرة ككل أهل القرية.
مريم/ب

الرجوع إلى الأعلى