أنا أحيا وأكتب الشعر في الحياة و ليس على هامش الحياة
احتضنت دار الثقافة هواري بومدين بمدينة سطيف، أوّل أمس السبت، احتفالية خاصة بالشاعر و الكاتب عاشور فني، نظمها النادي الأدبي، تكريما لابن المدينة مع تقديم مداخلات وقراءات في تجربته وأعماله الشعرية، وكذا شهادات في سيرته ومسيرته. كما تحدث الشاعر في هذه الاحتفالية عن تجربته في الكتابة وا لحياة و الترجمة.

صاحب «زهرة الدنيا»، أبدى سعادته الغامرة بهذا الاحتفاء التكريمي الذي خصته به مدينته و أبناء مدينته، وقال بكثير من البهجة «أنا سعيد جدا وأنا هنا بينكم، في مدينتي، و بين أهلي وأصدقائي. أنا الآن في قلب الحياة، في قلب مدينة قوية، حاضرة الثقافة وحاضنة الإبداع والفعل الثقافي، تعلمنا في سطيف الكثير من الشعر، سطيف بالنسبة إلي المحطة الأولى في الحياة، و ليست فقط المحطة الأولى في الكتابة». فني عاد بذاكرته إلى البدايات، وتحدث عن بداية كتابته الشعر، قائلا» غادرت سطيف إلى مدينة تمنراست التي عشت فيها سنة و نصف، وحين عدت إلى سطيف سنة 1976، شعرت بغربة كبيرة في مدينتي، فقد سكنتني مدينة أخرى هي تمنراست، وبقيت لفترة أشعر بالغربة في سطيف، وبعد ذلك بدأت كتابة الشعر. الشعر بدأ معي حين شعرت بغربة في مدينتي، الشعر كان مدينتي البديلة، حين بدأت كتابة الشعر، كنت أعيش غربة بين مدينتين، غربتي تلك جعلتني أكتب الشعر، في كلّ بيت وفي كلّ قصيدة، كنت أهدم بيتا وأبني بيتا آخر. الشاعر يبني مدنه ويهدمها، الشعر عندي غير متنصل وغير منفصل عن الحياة، أنا أحيا وأكتب الشعر في الحياة و ليس على هامش الحياة».
عاشور فني، الذي يرى بأننا «حين ننصقل وراء المدن نكتشف أننا ننصقل وراء وهم كبير»، رافع عن إنسانية الإنسان وقيمته في زحمة المعلوماتية والتكنولوجيا، مؤكدا في هذا السياق «الإنسان يبقى هو الإنسان رغم تنقله إلى العصر الرقمي الشبكي، مازلنا نحمل القِيم الإنسانية، علينا أن نكون أذكياء لكي نعيش في هذا العصر، ولكي نعيش هذه التحولات بعمق. نحن الآن نعيش عصر المعرفة، من بإمكانه أن ينشئ رموزا؟، هذا هو التحدي الحقيقي الحالي»، مضيفا  «الحضور الطاغي هو للشعوب القادرة على إنتاج المعرفة والرموز. في عصر العنكبوت، الشعر أهم من الاقتصاد». الشاعر و في معرض حديثه دائما عن أهمية الشعر، قال: «نعيش عصر الشعر لا عصر الرواية، إنه حقا عصر الشعر، البلدان الأكثر تقدما هي البلدان الأكثر احتفاءً بالشعر، فقط نحتاج إلى إعادة تسويق أنفسنا لأنفسنا». وفي سياق حديثه عن النشاطات الثقافية، أشاد بمستوى النشاطات التي تُقام في مدينة سطيف، وبمستوى الحضور. مؤكدا «في سطيف كلّ الورشات الثقافية مأهولة بالناس والحضور. عكس الكثير من المدن، فإن نشاطاتها و ورشاتها تتم في قاعات شبه فارغة». و تابع حديثه عن علاقته بالكتابة والشعر»أنا أحاول أن أوظف ما تعلمته في الجامعة ومن الكتب. وأحاول أن أعبر عن ذاتي لا عن الآخرين. مشكلتي كانت دائما كيف أعبر عن ذاتي. الشاعر ليس فقط من يكتب النص، الشاعر من يعيش الشعر. الشعر في الحياة، وليس في الكتب والنصوص، الشاعر في جوهره هو الإنسان في الكون»، ثم أضاف «أعتقد أنّني أتطور مع نصوصي، وبعض النصوص هي عبارة عن تصفية حساب مع الذات. أيضا في شعري أعيش عزلة الإنسان الذي يريد أن يكون متميزا، في كتابتي أنا صاحب رؤية، ولستُ من الذين يكتبون الشعر اللفظي، استطعت أن أطور نفسي ولغتي بفضل هذا الانعزال. تجربة الشعر تجربة جمالية، حاولت وربما حاولنا جميعا أن نثبت للشعر جدارته وأهميته في الحياة».
المحتفى به، تحدث من جهة أخرى، عن فضاءات الشعر التي ضاقت رقعتها من الوطنية إلى المحلية، إذ قال بهذا الخصوص «ساحة الشعر في الوقت الحالي ساحات محلية، فبدل أن تكون هناك مهرجانات وطنية كبيرة حاضنة للشعر والشعراء، أصبحت هناك ساحات محلية صغيرة وضيقة للشعر».
الاحتفالية كانت مفتوحة للمداخلات، وكان أوّل المتدخلين المحاضرين الشاعر والناقد علاوة كوسة، الذي أشاد بتجربة الشاعر عاشور فني، مؤكدا في شهادته أن الشاعر استطاع أن يرفع سقف الشعرية العربية بكثير من العمق، وأنّه تمكن من أن يعطي الصورة الحقيقية لجيل كامل من الشعراء.
كوسة، أشاد أيضا بتجربة فني في الترجمة، ونوّه بها ووصفها بالمختلفة، لأنّه لم يترجم لفئة معينة، وأيضا لم ينطلق من إيديولوجية معينة تُقزم رؤاه، ولم يكن أنانيا، بل فتحها لكلّ القراء والإيديولوجيات.
الناقد تطرق أيضا لحضور التراث في المنجز الشعري لعاشور فني، وقال «إنه يكثر الالتفات إلى التراث ويُحيّن التراث، وهو يعيد صياغة التراث فنيا وجماليا. إننا نقرأ تراثنا بعيون شاعر يحلق بعيدا». و أنهى مداخلته، مُثمنًا مكانة وقيمة عاشور فني الشعرية، واختصرها في جملة واحدة «هو بطاقة تعريفنا الشعرية في كثير من المحافل العربية».
أمّا المداخلة الثانية فكانت للدكتورة وهيبة الجراح، التي تناولت فيها تجربة الهايكو عند الشاعر، مؤكدة أنها تجربة مهمة ومختلفة، وقاربت في مداخلتها بعض نصوصه فنيا وجماليا، موضحة أن الشاعر تحوّل في إستراتيجية الكتابة من نصوصه وقصائده الطويلة إلى نصوص الومضة/ الهايكو، حيث اقتصاد اللغة واختزالها.
في حين كانت المداخلة الثالثة من تقديم الدكتور اليامين بن تومي، الذي تطرق لتجربة الشاعر في ديوانيه «الربيع الذي جاء قبل الأوان»2004، و»أخيرا أحدّثكم عن سماواته».
بن تومي الذي قارب نصوص الشاعر بكثير من الفلسفة والفكر والرؤى الفلسفية، أكد أن عاشور فني، قامة تؤسس لشعرية متميزة، وأنه صاحب ذكاء حاد في الكتابة الشعرية، إذ يكتب بذكاء شديد و ليس من سيلان عاطفي. و قال المتحدث أيضا أن تجربة فني الشعرية ذهبت أبعد، فقد أصبح الشعر عنده نبوءة، وهو يقفز من عالم الشعر إلى الرؤية، مضيفا «أن تكسب قيمة الشعر معناه أنك اكتسبت الزمن، وأن الشاعر يؤثث هذا العالم الخرِبْ».
يذكر أنّه بين مداخلة ومداخلة، كان الشاعر عاشور فني يقرأ بعض نصوصه من مختلف عناوين دواوينه، كما كان يجيب على أسئلة المحاضرين و الحضور.
نوّارة/ل

الرجوع إلى الأعلى