"التدقيق التاريخي" أفشل أفلاما وأعمالا مسرحية
نشط أمس الدكتور أحسن تليلاني في نادي المزهر التابع للمسرح الجهوي لقسنطينة،  محاضرة حول المسرح و التراث، تحدث خلالها عن ضرورة تحرير النص المسرحي و حتى السينمائي التراثي أو  ذلك المقتبس عن قصص تاريخية، من عقدة التأريخ الدقيق و إعطاء مساحة أكبر للبعد الإنساني في العمل بما يسمح للخيال بالتغلغل كتفصيل إبداعي، يعد الهدف منه هو إقامة علاقة عملية بين الواقع المعاش و التاريخ أو التراث، فضلا عن خدمة الجانب الجمالي كتحصيل حاصل.
المحاضرة تناولت علاقة المسرح بالتراث ومدى توظيفه في النصوص و الغرض من ذلك، و قد قدم الدكتور أحسن تليلاني بعض النماذج المستقاة من واقع المسرح الجزائري منذ سنوات الاستعمار ، مشيرا إلى أن بعض المسرحيات أخذت من التراث بعده الديني و أخرى اختار كتابها استعارة بعض الشخصيات من الرواية الشعبية و إسقاطها على أعمالهم لخدمة الغرض الاجتماعي و السياسي النضالي،  و ذلك على غرار شخصية الغول التي طالما كانت محاكاة للمستعمر المستبد، فالمسرح الجزائري وظف التراث بشكل واسع، حسبه، وهو ما نلمسه في أعمال الطيب دهيمي ك»الوشام» مثلا و «ماسينسن» لعز الدين ميهوبي، وكذا نصوص عبد الرحمان ماضوي و أحمد توفيق المدني، ولعل مسرحية «الكاهنة» تعد أفضل مثال عن ذلك، باعتبارها ناقشت الأزمة البربرية، على حد تعبيره، وكذلك الأمر بالنسبة لمسرحية «بلال بن رباح» لمحمد العيد آل خليفة، فبلال هو الشعب في العمل و أمية هو فرنسا.
و اعتبر الكاتب بأن المسرح الجزائري في مرحلة الثمانينات خدم نفسه بفضل نوعية النصوص المتميزة التي التزمت بروح الإبداع و فتحت فسحة أمام الخيال، كما هو الحال بالنسبة لمسرحية «القوال» و الحلقة لعبد القادر علولة التي تشبعت ببعد فني وجمالي خالص، وكذلك الأمر في مسرحية «الكاهنة»1974 ،فكاتبها محمد واضح أوجد للكاهنة ابنة خيالية، رغم أن التاريخ يؤكد بأنها لم تنجب سوى ذكرين، لكنه وظف هذه الشخصية لإيصال رسالة خاصة هي رسالة الحب و قد اختزلها في قصة عشق أنتينا و خالد، الفتى العربي من جيش الحسن بن النعمان، وقد حاول من خلالها أن يروج لفكرة أن الفتوحات لم تتم فقط بحد السيف، بل أن الفاتحين دخلوا كذلك من بوابة القلوب.
 المتحدث ذهب إلى القول بأن التغيير أو إضافة بعض الشخصيات للقصص الواقعية التراثية و التاريخية و إبرازها كبشر بعيدا عن المثالية المطلقة، لا يعد مساسا أو تحريفا، بل حاجة إبداعية، فعمل المبدع يقتضي الاحتفاظ بالفكرة الأساسية، لكن مع الحق في اختيار قالب مفيد لتقريب العمل للجمهور.
لكن مشكلة المسرح و حتى السينما اليوم، تكمن في أن الأعمال و النصوص عموما، أصبحت تخضع لتدقيق تاريخي صارم  أفقدها بعدها الجمالي، و جعل الخيال فيها مرفوضا، خصوصا إذا تعلق الأمر بشخصية تاريخية أو دينية، وهو نفس السبب الذي أجل بل عرقل انجاز فيلم «الأمير عبد القادر»، وكان وراء فشل العديد من أفلام شخصيات الثورة في الوصول إلى قلوب الجمهور، لأن السعي خلف تمجيد هذه الشخصيات و تقديسها، أفقدها إنسانيتها و جعل الأعمال في حد ذاته تسبح في فلك بعيد عن الواقع. و لا تعتبر هذه المعضلة حكرا على المسرح الجزائري فحسب، كما أوضح، فحالة الإفلاس تطبع اليوم الواقع الثقافي العربي عموما، و الدليل هو ما بات يعرف اليوم بمسرح ما بعد الدراما الذي فرضته العولمة و عدائها الصريح للتراث، إذ بتنا نرى و نسمع عن مسرح قوامه الفرجة و الوسائط الصورة و الموسيقى و الرقصات، لا يحتكم لنصوص متقنة أو لحبكة، بل مجرد مخطط عمل هدفه الإبهار، وهو مسرح يعرف بالإنساني أو الاجتماعي، نشعر بأنه موجه من دوائر عليا، وقد لقي قبولا في وسط الجمهور الذي تراجع وعيه و بات يميل إلى السطحية، بل ويفرض الرداءة أحيانا على الكاتب أو المبدع .
بدوره أضاف الكاتب و الإعلامي علاوة جروة وهبي، بأن التفريق بين التأريخ و التاريخانية ضرورة في المجال الإبداعي، لأن توظيف التراث لا يعني الالتزام بكل حذافيره، بل الهدف منه هو الإسقاط على الواقع المعاش، وإلا  فلا أهمية من استغلاله أصلا، ففي النهاية مهمة المبدع هي التوعية و حث الفكر وليس التأريخ.    هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى