التشكيلية حفيزة العنابي بشيري ذاكرة ريشة عشقت أزقة قسنطينة القديمة
تغازل جل لوحاتها سحر مدينة سكنت ريشة فنانة لم تفارقها يوما صور أزقة عاشت طفولتها بينها، هي الفنانة حفيزة العنابي بشيري، سيدة الألوان الزيتية و الحبر الصيني، التي اختارت قسنطينة لتكون موضوعا لكل لوحة ترسمها، وفضلت أن تجعل من هواجس الطفولة فنا تتراقص ألوانه على قطعة ورق.
تعرض الفنانة لوحاتها، وعددها قرابة الأربعين، في بهو متحف الفنون و الثقافات الشعبية قصر الحاج أحمد باي هذه الأيام، و ذلك في إطار فعاليات شهر الثرات، وقد اختارت لفنها ركنا قريبا من ركن سيدة عجوز تجلس أمام قطار قسنطيني تقليدي و سلة زهور و ورود، تستعرض عملية التقطير و تحدث زوار القصر عن تقاليدها، و قد أخبرتنا بأن سبب اختيارها للمكان هو التناغم بين روح قسنطينة في اللوحات و عطرها المنبعث من القطار النحاسي.
السيدة حفيزة العنابي حاملة لشهادة من معهد الفنون الجميلة بقسنطينة «متحف ميرسي سابقا» دفعة 1972، أستاذة متقاعدة و فنانة طالما كانت حاضرة في كل فعالية ثقافية أو فنية دعيت إليها في قسنطينة و باقي ولايات الوطن، لأنها كما قالت ولدت لتكون فنانة تتغذى على الألوان المائية و الزيتية و تتنفس رائحة الحبر، أما هاجسها فهي قسنطينة و تحديدا أحياؤها القديمة و أزقتها العتيقة، على غرار سيدي عبد المومن، الساباط البشيدي، مقعد الحوت، سيدي بزار، السويقة، رحبة الجمال، سيدي راشد و كوشة زيات و الزلايقة و رحبة الصوف.  إنها ترسمها بالأبيض و الأسود لترثي حالها اليوم، بعد أن خربتها عوامل الإنسان و الزمان، ثم تعود لتبدع صورا أخرى لها بالألوان بعد أن تكون قد تشبعت بذكريات طفولتها التي قضتها وهي تتنقل بينها، فتبرز جمالية كل تفصيل صغير، من نوافذ « شرابية» إلى الأبواب القديمة، الى البهو الداخلي أو» وسط الدار».
 لوحاتها بسيطة وغير متكلفة، واضحة و جميلة جمالية المزيج المتناسق بين ألوان الخيال و الواقع، فهي، كما أخبرتنا، تفضل أن تبتعد عن التفاصيل الدقيقة المتشعبة و معركة الألوان المتداخلة و المتضادة التي يهرب إليها التشكيليون عادة، بحثا عن الغرابة و الإبهار، وذلك لأن الهدف من أعمالها، هو إبراز الجمالية العالمية للمدينة القديمة و التأريخ فنيا لهندستها و عمرانها، وحتى لباس نسائها التقليدي الذي اختارت أن يبرز خصوصيته من خلال ثلاث لوحات مختلفة، الأولى لسيدة بالحايك العاصمي و الثانية لأخرى بالحايك المزابي، أما الثالثة فخصصتها للملاية القسنطينية التي أرادت لها أن تتزين بخلفية ألوان تشبه ألوان جدران البيوت العتيقة.
 تعرض الفنانة كذلك لوحات أخرى، للطبيعة الصامتة و لوحات تجريدية، قالت بأن فيها محاكاة للشعر و الموسيقى، كما تقترح على عشاق الريشة أعمالا تتناول قضايا إنسانية، كالحرب في غزة و العدوان على العراق.
 هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى