سيرتي موجودة  ومسرودة  في كتاباتي
احتضنت أول أمس دار الثقافة هواري بومدين بمدينة سطيف، ندوة احتفالية خاصة بالكاتب والروائي محمد العيد بهلولي، و شهدت هذه الاحتفالية التي نظمها النادي الأدبي، تكريم الكاتب مع تقديم قراءات في تجربته الأدبية و روايته الأخيرة «رحيل» قدمها كلّ من الناقد و الكاتب اليامين بن تومي، والشاعر والقاص علاوة كوسة، كما تحدث الكاتب عن تجربته الكتابية والحياتية، وعن رحلاته وأسفاره التي جاب خلالها حوالي 32 بلدا.
صاحب «دخان الكوانين»، بعد أن عبّر عن سعادته بهذا الاحتفاء الذي جاء ليكرّمه ويضيء على كتاباته و تجربته الأدبية، فتح نوافذ الداخل وراح يحكي عن بدايات الحياة والكتابة و الترحال و السفريات، قائلا بنبرة فيها من الشجن الكثير «كيف أجمع هذا الشتات من حياتي وسيرتي؟، السير الذاتية تتقاطع مع عمل أي كاتب عموديا أو أفقيا. و أنا حياتي وسيرتي موجودة ومنثورة ومسرودة في كتاباتي ورواياتي وقصصي، ومن يريد أن يعرفني أكثر يقرأ نصوصي، و روايتي الأخيرة (رحيل)، التي سردت فيها الكثير من حياتي و تجاربي».
بهلولي عاد بذاكرته أيضا إلى طفولته و سنوات العمر الأولى، مستعرضا بعض محطاتها في عجالة «أنا ابن منطقة زراعية خصبة، أنحدر من عائلة فلاحية رعوية. عشت 15 سنة بين الحرث والزرع و الحصاد و الرعي، كانت لنا بعض الغنمات هي كلّ ما نملك، منها نشرب الحليب و نقتات، عشت هذه السنوات كلّها تعب ومِحن وآلام وأحزان وحرمان. الثابت في هذه الأعوام هي الحاجة، كما كانت وقتها تباشير الثورة تتمادى إلى أسماعي مثل الأساطير، أحداث لا تنسى، وقد رأيت الكثير من وجوه المجاهدين عندنا في البيت. و في 1963 نزحت مع بعض الأصدقاء من أقاصي الريف، إلى المدينة بمباهجها وأنوارها ورحابتها، وبين عشية و ضحاها صرنا من أهلها».
بهلولي واصل سرده للبدايات «تابعت الدراسة الليلية لأكثر من نصف سنة بتفوق منقطع النظير، وهذا بفضل القرآن الكريم الذي شرعت في تعلمه في سن 5 سنوات، ما أهلني للتفوق في الدروس الليلية، و بفضل هذه الدروس بدأت أتمكن و أمسك بشكل جيّد بقواعد اللغة و أمور الشرح و الإعراب و الإملاء، حيث كنت أحصل على العلامة كاملة في الإملاء وهذا أيضا بفضل القرآن الكريم الذي جعلني أتبحر أكثر في اللغة و معانيها».
بعد الدراسة الليلية، يضيف بهلولي « نلت الشهادة الابتدائية و بعدها الأهلية، ثم انخرطت في سلك التعليم، و كانت وقتها المكتبات بحري الذي سبحت فيه و ما زلت أسبح حتى الآن».
بهلولي تحدث أيضا عن رحلاته والتي ضمت أغلبها روايته الأخيرة «رحيل» الصادرة عن دار الوطن اليوم، إذ قال وهو يستعرض بعض محطات رحلاته في الشرق والغرب «لم أكتب رحلاتي بجميع تفاصيلها، كتبت الخطوط العريضة فقط وبعض الأشياء التي مستني وأوجعتني. فرحلة العراق لوحدها تحتاج إلى رواية بكاملها، فقد عشت هناك لمدة سنة كان هذا في 1977، سنة زاخرة بالأحداث و تجارب إنسانية وحياتية كثيرة مرّة وحلوة. فقد دخلت العراق عن طريق الكويت عبر ميناء العبدلي، و في الطابور أمام مكتب الجمارك كنا من مختلف الجنسيات، وعندما عرفوا أنّي من الجزائر، أعطوني تأشيرة مدى الحياة، وهي حتى اليوم على جواز سفري الذي احتفظت به و لم أشأ أن أسلمه بعد انتهاء صلاحيته، لأنّي أريد الاحتفاظ بهذه الذكرى الغالية من بلد عزيز جدا على قلبي. وعشت في العراق، و كان لابدّ من الشغل من أجل العيش، في البداية اشتغلت تاجر شنطة، وبعدها عرّفني صاحب الفندق الذي أقمت فيه بجزائري يعمل و يقيم في العراق، وفعلا جاء الجزائري للفندق ليراني، يومها تأكدت أنّه في الغربة كثيرا ما يصبح الجزائري للجزائري (وطن)، كان هذا الجزائري يشتغل في شركة بناء فرنسية في العراق، فساعدني و شغلني فيها».
الاحتفالية كانت أيضا مفتوحة للمداخلات، وكان أوّل المتدخلين الشاعر والناقد علاوة كوسة، الذي أشاد بتجربة الكاتب، ثم تطرق للحديث عن عوالمه في الكتابة، قائلا «عوالم الأديب بهلولي تأثثت بالرحلة و بكثير من المعاناة، و ظلّت في ذاكرته تسكن كلّ هذه المحطات التي سردها في نصوصه».
مضيفا «في رواياته اغترف جدا من التراث الشعبي، هذا الاغتراف كان نقلا جميلا زاخرا بفنيات كبيرة، نقرأ التراث بفن، كما تستوقفنا الأغنيات الجميلة التي وظفها في نصوصه، وهي أغنيات في معظمها من التراث. ما نلاحظه أيضا في روايته الأخيرة (رحيل) أنّها تميل إلى أدب الرحلة، وفي نفس الوقت تميل إلى سرد سيرة الذات، إذ تتداخل فيها السيرة الذاتية وحكايات رحلاته و أسفاره، لكن يمكن القول أنّها من أدب الرحلة بامتياز».
كوسة وهو يتحدث عن الرواية وعوالمها، قال «الجميل، أنّنا نخرج من الرواية ونحن مثقفين، نجد أنفسنا و قد ثقفتنا الرواية و زخم التراث الذي فيها والأغنيات الشعبية التي تتمدد على الصفحات والحكايات».
من جانبه الدكتور اليامين بن تومي، أثنى باستفاضة على تجربة بهلولي الأدبية، وعلى رواياته و قصصه، وخص بالذكر روايته الأخيرة «رحيل»، قائلا «مثل هذا النوع من الروايات لا تكتبها السعادة، بل يكتبها حبر الدموع وحبر الجراح و الآلام».
بن تومي قال أيضا «هناك سارد في الرواية و ليس هناك بطل، رواية تقتات على الوصف، فيها يخفت السرد ويتحرك الوصف. رواية تنتمي إلى الأدب الذي لا يعيش على الحوار الكثيف، بقدر ما يعيش على وصف الأشياء الخارجية. وهي تطرح علينا أيضا حكاية المنفى، الهجرة، هذا الرحيل الظاهر فيه المتعة، لكن سنجده نفيا داخليا، هناك المنفى داخل الوطن العربي، وهناك رحلة خارجية، أو الرحلة الضدية، وكلّ هذا بزخم من المعاناة والعذابات التي عاشها الكاتب في رحلاته الكثيرة. وهو حين يحكي الحكاية الداخلية، التي حدثت في سفرياته المشرقية يحكي بضمير الأنا، وحين يحكي الحكاية الأوروبية/الغربية يتحوّل الحكي بضمير –هو-، هناك نقلة مفزعة من ضمير الأنا/هذه الذاتية إلى الأخروية/ضمير هو».
بن تومي خلص في الأخير إلى «أنّ القص الرحلي قص موجع، لكن هذا الاختزال في الحكاية ما كان يجب أن يحدث في رواية «رحيل»، لأنّ هناك ثراء وغناء في تجربة رحلات بهلولي شرقا وغربا، وكان من الممكن أن تكون رواية ضخمة من 400 أو 500 صفحة، وليس 96 أو 100 صفحة فقط، إنّها رواية تبحث عن رحلة اكتمال لأنّها تكتب السياسي والذاتي والإنساني وتحمل الكثير من العلامات التي يجب أن تكتب بتوسعة أكبر».
نــوّارة لــحــرش

الرجوع إلى الأعلى