عمر بوديبة يتتبع آثار أسد نوميديا عبر رائحة الأرض
خصصت فعاليات الرواية والمسرح، نسختها هذه المرة لقراءات في إبداعات الروائي عمر بوديبة ظهر أمس الأول بدار الثقافة محمد سراج بمدينة سكيكدة، بحضور كوكبة من أدباء سكيكدة ومثقفيها على غرار حسن دواس وعاشور بوكلوة ومحمد الطاهر عيساني وخضير مغشوش وصورية إينال والأزهر عطية وجميلة زنير والأستاذ العربي حمادوش وغيرهم من الذين استفزوا الروائي واستدرجوه للبوح ببعض ما خفي من حياته، وإضاءة بعض ما أظلم من روايته، فيما توعدت الأديبة الضاوية بالثأر لدمها المستباح في روايته !.
الفعالية استهلت بمداخلة للدكتور عبد الرحمن خلفة (جامعة الأمير بقسنطينة ) حيث قدم بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية محاضرة عرض فيها قراءة أفقية لرواية عمر بوديبة (عبق الأنثى رائحة الأرض)، مسترسلا بطريقة سردية عبر مختلف محطاتها، مستبطنا أحداثها وشخوصها وأشخاصها، حيث كشف أن الرواية تعد بوتقة اجتماع الثنائيات المتقابلة المتضادة، ثنائيات: الماء / الصحراء، البياض/ السواد، الحياة/الموت، الهجرة/العودة، الفقر/الثراء، الوفاء/الغدر، العفة/العهر، السجن/الحرية، الذنب/الاعتراف، المقدس/المدنس، العطر/العرق، الدم/الحبر، المدينة/ الريف، فقد وجد بطل الرواية فريد نفسه محاصرا بين ماضيين لحاضر واحد، وحبين، وقتيلين، وترتبين.فريد فشل في تمدين الريف، لكنه نجح في استبطانه وتعرية رذائله التي لم تتبد للناظرين، من خلال قصة بطل تائه تلقفته مدينة وهران لاجئا عاطفيا من مأساة ريف عبث بحياة والديه وأحلام شبابه، قبل أن يعود إليه ليشق ترابه ويخترق قلوب عذرائه !،  فعلى الرغم مما يبدي الريف للناظرين من حسن الطبيعة وعذريتها، ونقاوة الضمير وصفاء القلوب ونبل السريرة، إلا أن باطنه تختلجه تناقضات وتتشابك في منعطفاته مضادات وتلتهب في بوتقته نار الحقد والغيرة والحسد والكبرياء والمكر والغدر، تلك الصفات التي أبى الروائي إلا أن يلزم أهل الريف بالاعتراف بها علنا في مشهد شبيه باعترافات سانت أوغسطين والمعري وغايشا وجان جاك روسو، موجهين رسائل غفران، وعلى مرأى مشهد الغفران كان فريد يقف متعجبا، وذهنه شارد بين مدينتين وعطرين ودمين! مثقلا قلبه بالحب الأول العائد من أزقة وهران مع لالا أم الخير، والحب الحاضر مع مريم.
وبعدها فسح المجال للروائي عمر بوديبة ليقدم لقرائه مسرحيته التاريخية (يوغرطة أسد نوميديا)، التي جاءت بعد رواية عبق الأنثى، رائحة الأرض، حيث عاد بالحضور إلى ظروف وملابسات الكتابة التاريخية التي عادة ما تركن غلى الخيال أكثر من الحقيقة، ويصحح بعض المفاهيم على غرار أسطورة جلد الثور، والتفريق بين قرطاج، وقرطاجنة، ويكشف عن محاولات مصادرة يوغرطة كما هو حال الأشقاء التونسيين والمغاربة، هذا البطل الذي سماه أسد نوميديا أكد أنه نجح كثيرا سياسيا وعسكري؛ لذا رأى أنه يستحق الكتابة المسرحية المستلهمة فنيا من بطون كتب التاريخ، وأحداثه، التي أبى عمر إلا أن يخضعها للنقد الموضوعي ولا يقبل منها إلا ما وافق المنطق والواقع. الروائي وفي ردوده على تساؤلات مثقفي سكيكدة ونقادها نفى انتماء روايته للسير ذاتية، حيث أكد أنه لم يكن حاضرا أبدا في تراجيديا أحداثها، وأنه محض إبداع وخيال، وكشف أنها مليئة بتجليات التراث الذي يعد أساس الوحدة والوطنية، وأنها أحيانا تكتبه وأحيانا يكتبها أو يلتقيان معا في مرفأ الكتابة. وعلى هامش القراءة تم تكريم الكاتب.
 كمال و اسطة

الرجوع إلى الأعلى